إستطرد ممثل المرجعية العليا السيد أحمد الصافي خلال الخطبة
صلاة الجمعة الثانية 9/12/2016م , في شرح آيات من سورة الصف
المباركة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)والآية
(وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) .
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=299
وكان قد سلط الضوء على مضامين تلك الآيات الكريمة , وبيّن أنّ ( حب
الله تعالى ) للمقاتلين الذين يندفعون للقتال في سبيله هو( الله )
تعالى لا في سبيل غيره . ولم يحرزوا مصلحة أخرى غيرها . للتفريق من
أن هناك حروب ومعارك ليست في سبيل الله , أو هناك حروب ومعارك في
سبيل الله , ولكن البعض يقاتلون بنيّات ومصالح ذاتيّة بعيدة عن الله
. فالله تعالى هنا يحب الذين يقاتلون في سبيله حصرا ً. وبما أن
المعارك التي تحصل بين بني البشر كثيرة الغايات ومتنوعة الأهداف
والنوايا , والخلط والإشتباه هنا غير ممتنع ووراد عند البعض, من أن
الإشتراك في تلك المعارك والقتال فيها يصبّ في ( سبيل الله ) أم لا
؟. وعقلا ً يفزع المرء الى معرفة ( السبيل ) القويم والصحيح لإحراز
مرضاة الله وحبه تعالى . وبيّن سماحته من أن ( السبيل ) أو الطريق
لا يُعيّنه ولا يُبيّنه ولا يأمر به ويرشد اليه إلا ّ النبيّ ( ص
وآله ) أو الوصيّ من بعده (ع) أو الفقيه الجامع للشرائط وبأمر منه .
لكي لا يلتبس الأمر على البعض ويقاتل في غير سبيل الله تعالى .
وتطرق الى مضمون " صفا كأنهم بنيان مرصوص " وهم المؤمنون . حيث أنهم
حينما يكونون بعضهم مع بعض كالجدار المنيع , الذي رُصت حجارته بعضه
مع بعض بحيث لا فرجة فيه ولا خلل به , حتى صار من الإحكام
والاستحكام بحث لا يمكن خرقه ولا يمكن هزّه أو العبث به. وهي كناية
على اجتماع القلوب على أمر واحد والهدف الواحد والغاية الواحدة ,
فصارت من القوة والمنعة بحيث يحقق المراد , بانهزام العدو وتحقيق
النصر , ومستوجب للقرب والظفر بالحب الإلهي الذي عنته الآية
المباركة .
وإذا ما عرجنا على الآيتين الأوليتين , وقرنّا مضمونهما مع ما تقدم
من مضمون الآيتين الأخيرتين , نفهم أن الله تعالى لم يوجه التوبيخ
الى الناس جميعا ً وإنما ( المؤمنين ) تحديدا , أي أمة الإسلام .
وحذرهم من القول اللامسؤول الذي له آثار سلبية مدمرة أحيانا ً ,
لأنها قد تصل الى الملايين من الناس , وقد تكون استفزازيّة وفيها
توهين وتضعيف , وتؤثّر أثراً سلبيّاً . وبالتالي يكون بمثابة المعول
الهدّام الذي يضر المجتمع والأمة . وكثيرون هم من يطلقون الوعود
والعهود ولكنهم يتراجعون حينما يجّد الجد , وينكلون وينكصون عمّا
ألزموا انفسهم به . وهو فعل يُخرج الإنسان عن الصدق , ويكون فاقدا
للثقة والموضوعيّة , وهؤلاء قطعا ً لم يكونوا بمستوى القول والفعل ,
فهم يصرّحون ليلا ً ونهارا بأنهم مجاهدون ويقاتلون , ولكنهم وعندما
يحمى الوطيس , تراهم كالغزال في الهزيمة , فيكونوا مصداق الآية
المباركة " كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ "!.
و" كبر مقتا ً " والمقت هو أشد من البغض والغضب الإلهي . وهو
تقريع لأصحاب القول اللامسؤول . المستوجبين للبغض الإلهي , ويستحقه
مَن يقول ولا يفعل , ومن يطلق الوعود ولا يفي , ومن يطلق العهود
وينكل .
وكان سماحة السيد الصافي قد ربط ما أورده من كلام, بالوضع القائم في
العراق من خلال جملته " وعندنا الآن في هذه اللّحظة شباب مؤمنون
يسعون لأن يرجع العراقُ الى ما هو عليه، وهؤلاء يُقاتلون في سبيل
الله .." لما له من مساس بواقعنا ولا ينفك عنه ابداً , فهو
يشير بالإضافة الى كون هؤلاء الشباب هم مصداق الآية المباركة "
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا
كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ " وهم يقاتلون داعش , يشير كذلك
الى أن المعنيين بـ " كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا
مَا لَا تَفْعَلُونَ " وهم تلك النخب والجهات والزعامات والقيادات
السياسية , التي لم تنفك عن القول والتقول بالكلام والشعارات
والوعود والعهود الكاذبة , وبنفس الوقت نراهم وقد خلت وتخلو منه
ساحات المعارك المقدسة . وهم ذاتهم أصحاب المشروع الجديد الذي يهدف
الى إفراغ فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية العليا من
محتواها الديني الإلهي , وتصوير القتال الدائر ضد داعش , على أنه
قتال بعيد عن فتوى المرجعيّة , ويحاولون أن يلبسوا عليه اللباس
الوطني الزائف ,وأن الشعب العراقي قد هبّ كرجل واحد ولبوا نداء
الوطن للدفاع عنه !. وكنتيجة ممكن أن نخلص الى الآتي :
ــ المرجعيّة الدينيّة العليا ومن مقام النيابة عن المعصوم ( ع ) هي
( لا غيرها ) مَن عرّفت الأمة ( العراق ) العدو الحقيقي وخطره ,
وصرّحت باسمه وكان ( داعش ) .
ــ المرجعيّة الدينيّة العليا هي مَن حدّدت ( السبيل ) الواضح
للأمّة ( لجميع العراقيين ) , لكي يهبّوا لقاتل هذا العدو الغاشم
حينما أطلقت فتوى الجهاد الكفائي في 13/6/2014 م وللآن , وسحب
الفتوى وايقاف المعرك منوط بالمرجعيّة حصرا ً .
ــ المرجعيّة الدينيّة العليا , اتخذت هذا الموقف التاريخي , وأنقذت
البلاد والعباد والمقدسات , بعد لمست تقهقر وضعف وخواء وخيانة وحيرة
وعجز الدولة العراقيّة ( بحكومتها ) .
ــ الساحة العراقيّة الآن تتجاذبها معسكران إثنان , الأول متمثل رهط
الآية " كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ " . والثانية رهط الآية " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ
مَّرْصُوصٌ " !.
ــ تحذير من شملتهم الآية " كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن
تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ " وأنهم مشمولون بالبغض الإلهي , وهم
زعامات المكاتب الفارهة , والبدلات الفضفاضة , والشعارات الفارغة
المنهزمون من المعارك , الكاذبون الوضّاعون السارقون للنصر الإلهي
من مستحقيه المجاهدين وهو الطبقة السياسيّة قاطبة , الذين يحاولون
إفراغ فتوى الجهاد من الشأنيّة الدينيّة .
ــ الحبّ الإلهي والبشارة لمن شملتهم الآية " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ
مَّرْصُوصٌ " , لأنهم صدقوا الله فكان الله تعالى عند وعده فأحبهم .
و" هذا نوعٌ من التوفيق أن الإنسان يُقاتل وهو مطمئنّ أنّ الله
تبارك وتعالى يحبّه " . الى درجة أن المرجعية العليا تمنّت مرارا ً
وتكراراً أن تكون معهم في القتال , وتقول في كل مرّة (يا ليتنا كنّا
معكم) !
وسيكتب الفتح القريب على أيديهم إن شاء الله " وَأُخْرَىٰ
تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ "
نجاح بيعي كتبت هذه المقالة 2016/12/12