لماذا خرج الامام الحسين (ع) بأهله وعياله؟ الشيخ محمد جواد مغنية

2020/08/31

قامت المرأة بدور هام في وقعة الطّفّ، وكان لها أبعد الأثر في الكشف عن مخازي الأمويّين، وانهيار حكمهم، وتألّب النّاس عليهم، فمن النّساء من دفعت بابنها أو زوّجها إلى القتل بين يدي الحسين تقربا إلى الله، والرّسول، كما فعلت أمّ وهب وزوّجته، ومنهنّ من حملنّ السّلاح للدّفاع عن نساء النّبيّ وأطفاله، ومنهنّ من تظاهرنّ ضدّ حكّام الجور الّذين قتلوا ابن بنت رسول الله، ورشقنّ جيش الطّغاة بالحجارة هاتفات بسب يزيد وابن زياد.

أرسل الحسين رسولا إلى زهير بن القين ليأتيه، ولمّا دخل عليه الرّسول وجده مع قومه يتغذون، وحين أبلغه رسالة الحسين طرح على كلّ إنسان ما في يده، وجمد حتّى كأنّ على رأسه الطّير، فالتفتت امرأة زهير، وقالت: يا سبحان الله! أيبعث إليك ابن رسول الله، ثمّ لا تأتيه؟! فذهب زهير إلى الحسين، وما لبث أن جاء مستبشرا مشرق الوجه، وقال: قد عزمت على صحبة الحسين لأفديه بنفسي، واقيه بروحي، ثمّ التفت إلى زوّجته، وقال لها: أنت طالق، إلحقي بأهلك، فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلّا خير، وأعطاها ما لها، وسلّمها إلى بعض أهلها. فقامت إليه، وبكت وودعته قائلة: «كان الله عونا ومعينا لك، خار الله لك، أسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسين» 1.

لقد دفعت هذه الحرّة المصونة المؤمنة بزوّجها إلى سعادة الدّارين ونالت الدّرجات العلى عند الله والنّاس، فما زال اسمها يعلن على المنابر ويدوّن في الكتب مقرونا بالحمد والثّناء إلى يوم يبعثون، وهي في الآخرة مع جدّ الحسين وأبيه وأمّه، وحسن أولئك رفيقا، وهكذا المرأة العاقلة المؤمنة تدفع بزوّجها إلى الخير، وتردعه عن الشّر ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

وكانت امرأة من بني بكر بن وائل مع زوّجها في أصحاب عمر بن سعد، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على أطفال الحسين، ونساؤه هاربات حاسرات، يستغثنّ ويندبنّ، ولا مغيث، اسودّ الكون في وجهها، وفار الدّم في قلبها وعروقها، وأخذت سيفا، وأقبلت نحو الفسطاط منادية: يا آل بكر أتسلب بنات رسول الله؟! لا حكم إلا لله! يا لثارات رسول الله! فأخذها زوّجها، وردها إلى رحله 2.

وليس من شك أنّ ثورة هذه السّيّدة النّبيلة قد بعثت الإستياء والنّقمة على الأمويّين، وملأت النّفوس عليهم وعلى سلطانهم حقدا وغيظا، وكلّ ما حدث في كربلاء، وفي الكوفة، وفي مسير السّبايا إلى الشّام كان من أجدى الدّعايات وأنفعها ضدّ الأمويّين.

أمر ابن زياد أن يطاف بالرّأس الشّريف في أزقّة الكوفة يهدد به كلّ من تحدّثه نفسه بالخروج عن طاعته، وطاعة أسياده، فكان هذا التّطوّف خير وسيلة لنشر الدّعوة العلوية، ومبدأ التّشيّع لأهل البيت، ولعن من شايع، وبايع، وتابع على قتل الحسين، وسلام الله على السّيّدة الحوراء حيث قالت ليزيد: «فو الله ما فريت إلّا جلدك، وما حززت إلّا لحمك» 3.

وبعد الطّواف بالرّأس أرسله ابن زياد وسائر الرّؤوس إلى يزيد مع أبي بردة، وطارق بن ضبّان في جماعة من أهل الكوفة، ثمّ أمر بنساء الحسين وصبيانه فشدّوا بالحبال على أقتاب الجمال مكشوفات الوجوه، ومعهم الإمام زين العابدين قد وضعت الأغلال في عنقه، وسرّح بهم ابن زياد مع مخفر بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن 4، فأسرعا حتّى لحقا بالقوم الّذين معهم الرّؤوس، وكانوا إذا مرّوا ببلد استقبلهم أهله بالمظاهرات، والهتافات المعادية، ورشقتهم النّساء والأطفال بالحجارة يصرخون بهم: يا فجرة، يا قتلة أولاد الأنبياء.

سبوا الأطفال، والنّساء، وطافوا بهنّ وبالرّؤوس ليقضوا على مبدأ عليّ وأبناء عليّ، فكان السّبي، والتّطوّاف، ضربة مميتة لهم ولسطانهم، ووسيلة حقّقت الغاية الّتي أرادها الحسين من نهضته، فلقد أثار السّبي الأحزان، والأشجان في كلّ نفس، وزاد من فجائع الواقعة المؤلمة، وكشف أسرار الأمويّين للقاصي والدّاني، وظهرت قبائحهم ومخازيهم للعالم والجاهل، واستبان للمسلمين في كلّ مكان وزمان إلّا الأمويّين أعدى أعداء الإسلام يبطنون الكفر، ويظهرون الإيمان رياء ونفاقا.

وبذلك نجد الجواب عن هذا السّؤال: لماذا صحب الحسين معه النّساء والأطفال إلى كربلاء؟! وما كان أغناه عن تعرضهم للسّبي والتّنكيل؟!.

لقد صحبهم معه الحسين ليطوفوا بهم في البلدان، ويراهم كلّ إنسان مكشّفات الوجوه، يقولون للنّاس ـ وفي أيديهم الأغلال والسّلاسل ـ: «أيّها النّاس انظروا ما فعلت أميّة الّتي تدّعي الإسلام بآل نبّيكم».

نقل عن السّبط ابن الجوزي عن جدّه أنّه قال: «ليس العجب أن يقتل ابن زياد حسينا، وإنّما العجب كل العجب أن يضرب يزيد ثناياه بالقضيب، ويحمل نساءه، سبايا على أقتاب الجمال!.. .» 5. لقد رأى النّاس في السّبايا من الفجيعة أكثر ممّا رأوا في قتل الحسين، وهذا بعينه ما أراده الحسين من الخروج بالنّساء والصّبيان، ولو لم يخرج بهنّ لما حصل السّبي والتّنكيل، وبالتالي لم يتحقّق الهدف الّذي آراه الحسين من نهضته، وهو إنهيار دولة الظّلم، والطّغيان.

ولو افترض أن السّيّدة زينب بقيت في المدينة، وقتل أخوها في كربلاء فماذا تصنع؟! وأي عمل تستطيع القيام به غير البكاء وإقامة العزاء؟!.

وهل ترضى لنفسها، أو يرضى لها مسلم أن تركب جملا مكشوفة الوجه تنتقل من بلد إلى بلد تؤلّب النّاس على يزيد، وابن زياد؟! وهل كان يتسنى لها الدّخول على ابن زياد في قصر الإمارة، وتقول له في حشد من النّاس: «الحمد لله الّذي أكرمنا بنّبيه محمّد، وطهرنا من الرّجس تطهيرا، إنّما يفتضح الفاسق، ويكذّب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله» 6 ؟! وهل كان بإمكانها أن تدخل على يزيد في مجلسه وسلطانه، وتلقي تلك الخطب الّتي أعلنت بها فسقه، وفجوره، ولعن آبائه، وأجداده على رؤوس الأشهاد؟!.

أنّ السّيّدة زينب لا تخرج من بيتها مختارة، ولا يرضى المسلمون لها بالخروج مهما كان السّبب، حتّى ولو قطّع النّاس يزيد بأسنانهم، ولكن الأمويّين هم الّذين أخرجوها، وهم الّذين ساروا بها، وهم الّذين أدخلوها في مجالسهم، ومهدوا لها طريق سبّهم ولعنهم، والدّعاية ضدّهم وضدّ سلطانهم.

ومرّة ثانية نقول: هذه هي المصلحة في خروج الحسين بنسائه وأطفاله إلى كربلاء، وما كان لأحد أن يدركها في بدء الأمر إلّا الحسين وأخته زينب، عهد إلى الحسين من أبيه عليّ عن جدّه محمّد عن جبريل عن ربّ العالمين. سرّ لا يعلمه إلّا الله، ومن ارتضاه لعلمه ورسالته

أخترنا لك
معتمد مكتب السيد السيستاني ( دام ظله الوارف ) والخيرين من اهالي بغداد يوزعون سلات غذائية على المتضررين من جراء الوضع الر

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف