موهانداس كرمشاند غاندي ذلك المحامي الشاب الذي كان يحمل فلسفة تركز على المقاومة اللاعنفية كوسيلة لتحقيق الإصلاح الاجتماعي والسياسي وطبقها في جنوب أفريقيا أولاً سنة 1906 م ثم في الهند نفسها ابتداء من عام 1917 م....عرفت باسم الساتياغراها (ومعناه "الإصرار على الحق" أو "قوة الحق" ان نجاح هذه الفلسفة في تحقيق أهدافها حولت من غاندي المحامي إلى المهاتما غاندي تحولت فيما بعد إلى وسيلة للشعوب للتخلص من الاستبداد والظلم ....من اين استمد المهاتما غاندي تلك الفلسفة ؟ وهل كانت موجودة اي الساتياغراها في الحضارات السابقة ومنها الاسلام ؟؟؟
وللإجابة على هذا السؤال نحتاج إلى إعادة مراجعة التاريخ الإسلامي لنجد أمثلة كثيرة على المقاومة اللاعنفية باساليب متعددة منها احتجاج السيدة الزهراء عليها السلام في إخفاء وقت موتها وتشييعها واخفاء قبرها كنوع من أنواع الاحتجاج على ما تعرضت له بعد موت أبيها رسول الله محمد صلى الله عليه و اله وسلم. ..
منها سياسة امير المؤمنين عليه السلام في الوقت الذي بقى يدافع فيه عن الدين و رد الشبهات والدفاع عن الأمة الإسلامية لم يترك موقفا الا ويبين فيه احقيته في الخلافة و الحكم و الولاية حتى في الشورى و مجلسها والاستشهاد دائما في أحاديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مع انه لم يرفض الاجابة عن اي استشارة طلبت منه من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية حتى قال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لولا علي لهلك عمر....
لا ننسى مواقف الأئمة عليهم السلام في استغلال الحراك الشعبي السلمي في كل وقت حتى لو ولي أحدهم ولاية العهد مثل الإمام الرضا عليه السلام في خروجه لصلاة العيد فخرج بهيئة معينة حتى طلب منه الخليفة ان يعود....
من هذه السياسة يستمد قوته سماحة السيد السيستاني دام ظله الذي لم يتوانى لحظة واحدة في تبني فلسفة الساتياغراها ضد الاحتلال الأمريكي عندما اصر على كتابة الدستور بأيد عراقية منتخبة ولم يكن أمام الأمريكي المحتل الا ان ينفذ ويطيع صاغرا حتم انفه ...
واستمر في سياسة اللاعنف في الرد بالمثل ضد كل الفتن الطائفية التي كان يحركها المحتل سواء في اللطيفية او باقي أنحاء العراق ومناطقه ليحافظ بذلك على وحدة العراق وشعبه ....
واليوم تمثلت قيادة سماحة المرجع الاعلى للمظاهرات والاحتجاجات الواسعة في مناطق مختلفة من العراق بنموذجا جديدا لفلسفة اللاعنف في معركة الإصلاح ضد الفساد...
يمكن اجمال رؤى سماحة السيد السيستاني دام ظله في قيادة المظاهرات السلمية في النقاط التالية والمستفادة من خطب المرجعية العليا يوم الجمعة...
١- تأييدها للمظاهرات والاحتجاجات السلمية بشرط المحافظة على السلمية وعدم التعدي على المصالح العامة والخاصة.
٢- طرح المطالب المشروعة وايجازها واعطاء الحكومة مهلة اسبوعين لتقديم نتائج التحقيق العادل في قتل المتظاهرين .
٣- عندما لم تكن نتائج التحقيق مرضية لدى الشعب ولم يقدم التقرير المتهمين الحقيقين للعدالة.
٤- بعد تقاعس الحكومة عن السرعة في إجراء اي إصلاحات حقيقية ابدت المرجعية قلقها من عدم جدية القوى السياسية بالإصلاح.
٥- طالبت المرجعية العليا لتقديم تعديل لقانون الانتخابات و المفوضية م تحذيرها مرارا وتكرارا من عدم تدخل اي قوى دولية او إقليمية في فرض ارائها على الشعب العراقي.
٦- مع استمرار الاحتجاجات واستمرار عمليات الخطف والقتل الناشطين و قمع الاحتجاجات طالبت المرجعية القوى السياسية في البرلمان ان يعيد النظر في الحكومة المنبثقة عنه مما أدى إلى استقالة الحكومة.
٧- أعلنت المرجعية عن وجوب عدم كسر هيبة القوات الأمنية وسلطة القانون ووجوب عودة فرض سيطرتها وحماية المتظاهرين خوفا من الانفلات الأمني و انزلاق البلاد إلى حرب أهلية قد تمتد لسنوات.
٨- حذرت المرجعية العليا مرارا وتكرارا من ان الحكومة تستمد قوتها من الشعب في غير النظم الاستبدادية. وفي غيره سيكون البلد معرضا لسيطرة القوى الإقليمية والدولية.
٩- دعت المرجعية العليا إلى توسيع الحراك الشعبي ليشمل كل الفئات بالشروط الواردة في١.
١٠- اعتبرت المرجعية ان الحراك الشعبي يمثل معركة إصلاحية هي الأشد خطورة وقساوة من الحرب على الإرهاب الذي قاده العراقيون وانتصروا فيه أن أحسنوا إدارته.
هذه اهم النقاط التي رسمتها المرجعية في خطب الجمعة ليسير عليها المحتجون في معركتهم ضد الفساد.
وهي دعوة للسير خلف خطى المرجعية العليا في هذه المعركة بشرط السلمية الذي اعتبرته الشرط الأساس الذي بخلافه تفقد الاحتجاجات قوتها وتاييدها شيئا فشيئا...
اي قوة الحق والمطالب اللامشروعة ومواجهة العنف باللاعنف هو اساس فلسفة الساتياغراها التي تتبعها الشعوب في مواجهة القوى السياسية الاستبدادية المسيطرة وتستطيع الشعوب بها فرض سيطرتها و إرغام الحكومات الانصياع لسلطة الجماهير.
من سلسلة مقالات المنظومة الامنية عند النبي و ال بيته عليهم السلام
أحمد خضير كاظم
الصورة الرئيسية لوحة الصراع بين السلام والإرهاب بريشة / مونيكا عبد المسيح أسعد