ان رسالة الاصلاح المجتمعي هي الرسالة التي جاء بها الانبياء صلوات الله عليهم و الاولياء و الائمة عليهم السلام قال الله تعالى: ((وقالَ مُوسى لأِخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأَصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ))، و لطالما كان الاصلاح شعار الثورات و الكلمة التي تزين كلمات قادة المجتمع ... كقول الامام الحسين عليه السلام عند خروجه لكربلاء وهو يخاطب اخيه محمد بن الحنفية «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
ولكن كما يقال انه من السهل ان تكون صالحاً ومن الصعب ان تكون مصلحاً فطريق الاصلاح محفوف بالمخاطر و الافات وغيرها من عثرات الطريق...
ومع انتهاء معركة داعش و انتصار الشعب العراقي على تلك العصابات الظلامية وفي خطبة النصر التي القاها ممثل المرجعية العليا عادت المرجعية لتذكر الناس بمعركة الاصلاح التي انتظرت طويلاً فهي فرصة لم تفوتها المرجعية كما لم تفوت اي وقت او مكان ملائم لتذكر بمعركة الاصلاح سواء كان وقت انتخابات او أزمة يمر بها الوطن الغالي أو غيرها من المواقف و الخطب و البيانات ... و ذكرت المرجعية مراراً و تكراراً تشخيصها للمشاكل الاساسية التي يمر بها البلد و لم تتوانى في الاشارة و ابداء الرأي و طرح المشكلة والحل الاسلم للخروج منها ...
ولكن الكلام يطول في كيفية الاحسان في قيادة معركة الاصلاح و لكن لابد من الاشارة قبل البدء في التحدث عن معركة الاصلاح الى الاجابة عن السؤال لماذا معركة الاصلاح أشد و أقسى من المعركة ضد الارهاب ؟
و هناك محاور عدة للاجابة على هذا التساؤل :
الاول : على الصعيد الشخصي : فلابد للمصلح من أصلاح نفسه أولا وان يرفض الباطل في داخله وان يكون ملتزماً بمعالم الشريعة المقدسة و الاصلاح في المجتمع أولا ففاقد الشيء لا يعطيه و لا يمكن ان يكون المصلح مرتشياً او غير ملتزما بأبسط الاداب و السلوك العامة و التعاون في المجتمع وهذا ما يصح الاطلاق عليه جهاد النفس الذي يُعبر عنه في الروايات و الاحاديث النبوية بالجهاد الاكبر.
الثاني: على صعيد المجتمع : بعد ان يكمل الانسان أشواطاً طويلة في أجتياز طريق الجهاد الاكبر هنا يكون مؤهلا لممارسة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بشروطه و شرائطه في المجتمع و هنا لابد من الاشارة ان طريق الاصلاح المجتمع انطلق بداية من كون الشخص أصبح قدوة في الاخلاق و انمذج للمواطنة الصالحة ...فالمصلح قد أصبح أنموذجا يقتدى به ويحتفة من حيث الاخلاص و الامانة و الاخلاق الفاضلة ...
الثالث: على صعيد الحراك : في طريق الاصلاح الغاية لاتبرر الوسيلة لذا يقع عدد كبير ممن يطلب الاصلاح في فخ كيفية الوصول الى الاصلاح فيتبع اساليب و طرق بغية الاختصار في الوقت و الاستعجال أو تبسيط طرق الاصلاح الوعرة وعلى سبيل المثال أذكر مقطع من خطبة المرجعية تقول فيه ((من المؤكّد أن إتّباع الأساليب السلمية هو الشرط الأساس للانتصار فيها)) ان اتباع الطرق السلمية و الثبات عليها و مواجهة كل اساليب القمع و تشويه السمعة التي تقوم بها السلطات الظالمة و الجائرة يحتاج الى شجاعة في عدم الرد بالمثل وتخريب السلمية فكثير من الثورات فشلت بسبب الخروج عن السلمية وتحويلها الى حراك عسكري ((غير متكافئ)) ... ولذا اتخاذ الخطوات الصحيحة و الثبات عليها و أدارة المعركة بسلمية يحتاج الى الكثير من الشجاعة و الصبر و الوعي لا يصبر عليه الكثيرون.
الرابع: على صعيد العدو : ففي معركة الارهاب كان العدو واضحاً وهو عصابات داعش الارهابية الظلامية و لكن في معركة الاصلاح انت تقف في الضد مع الباطل و الفاسد أينما تجده في فعل شخص قد يكون اخوك و قريبك وصديقك و جيرانك أو حتى أبيك كما في قصة أبراهيم عليه السلام عندما اراد أن يوضح لابيه آزر خطأ عقيدة عبادة الاصنام و لذا انت تحتاج الى قوة في هذه المواجهة وتبيين الحق و توضيحه و تعديله وتغييره... ومن جانب آخر فانت على العكس من ادانة داعش من قبل كل المجتمع الشعبي و الوطني و الدولي فانك في معركة الاصلاح تقف بالضد من اشخاص تقف معهم الماكنات الاعلامية و القوى الاقليمية التي تظهرهم بدور المصلح و غالبا ما تناولوا قيادات او زعامات أجتماعية او وجاهة بأسم الدين وغيره وهو ما يتطلب جهود مضاعفة في ان تغير الرأي العام و تثبت ادانة تلك الشخصيات و تجريدهم من نفوذهم .
الخامس : على صعيد الاعلام : ففي معركة الاصلاح غالبا ما تعمل الاقلام المأجورة و الاجندات لاثارة المغالطات و الشبهات كما قيل حول الامام الحسين عليه السلام بأنه قتل بسيف جده و كيف ساق ذوي هذا الرأي المنحرف ان يوهموا الناس أن يزيد هو الحاكم الشرعي وهو ولي الامر و من خرج على ولي الامرهو باغ .... او كما قال الذي قال حيث قيل له ان عمار تقتله الفئة الباغية فقال أنما قتله من جاء به الى ارض المعركة أو كما في فتنة حمل المصاحف يوم صفين والخ من الشبهات التي تثار في المعارك الاصلاحية فتثير الشكوك لدى الجماهير أو قد تحرفهم عن مسار الاصلاح الحقيقي الذي مشوا فيه فتراهم يخرجون لمعركة صفين و يرجعون منها خوارج...
السادس: على صعيد قطف الثمار : قال تعالى: ((وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ولا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ)) فكما قلنا أن طريق الاصلاح يحتاج الى الصبر لقطف النتائج فليس من السهولة أن يسلم الباطل لطريق الاصلاح و التغيير.
أحمد خضير كاظم . فنارات علمية