هربت من بلادي و ذهبت إلى بلاد الغربة من سنوات بسبب الحرب الطائفية التي كان يقتل بها الشخص بسبب اسمه وهو لا يعرف لماذا يقتل بسبب اسمه الذي اختاره له أبويه ؟؟!!
أو لماذا يقتل بسبب كونه مؤمن ايمان معين يطلب به رضا الله سبحانه وتعالى وهو الموصوف بارحم الراحمين و دينه بدين الرحمة والمغفرة....
لم اكن اعرف كيف اهرب يومها من أناس ربما يقتلوني حتى قبل أن يعرفوا ما احمل في داخلي من إنسانية وحب الخير ...وما تحمله جوارحي من معتقدات مبنية على احترام راي الآخر ومقدساته... كان يجمعنا الشاي والقهوة من مختلف المذاهب والأديان ونحن نتحدث عن احلام وطن حر يعيش أبنائه في رخاء ... كان يجمعنا الحلم والشاي والقهوة وكانت تفرقنا الرصاصة والمفخخة ... حتى ساءت الأوضاع فأصبحت جلستنا لتناول الشاي تهمة فتقرقنا بين شهيد ومهاجر...لم اعرف لماذا كانت تكن تلك العصابات الشر لنا وهي لا تعرفنا حتى أو لم يسبق لنا أن التقينا...
حسنا ... الوضع هنا في تلك البلاد لا يختلف كثيرا عن واقعنا العربي فما زال الكثير يرفض التعامل معي في عملي الجديد في البورصة وما زال آخرين ينعتوني بصفة الإرهاب الذي هربت منه بمجرد أن يسمعوا بديني أو مذهبي ... لماذا تؤخذ الأرواح بجرائم لم تقترفها؟؟!!
مازالت تلك الأسئلة تتصارع في داخل عقلي حتى حدثني حافظ في أحد الأيام عن قصة بائع الباذنجان ؟؟!!
لقد كان هناك بلدة بعيدة لم يعرف أهلها الزراعة إذ كانوا يعيشون فوق الجبال فكانوا يسمعون بالتفاح والباذنجان ولم يروهما في حياتهم حتى جاء يوما بائع الباذنجان إلى تلك البلدة فباع الباذنجان بسعر التفاح وكان أهل القرية يسرعون إلى شراء الباذنجان باعلى الاسعار ظنا منهم أنه تفاح ...
أحد أفراد القرية كان قد نزل الجبل وسافر كثيرا واطلع على كثير من البلدان وعندما رجع استغرب من أن أهل القرية يسمون الباذنجان تفاح ويقدموه كفاكهة للضيوف... فذهب إلى بائع الباذنجان واستغرب من طريقة بيعه فقال له إن هذا باذنجان وان التفاح يكون بلون اصفر أو اخضر او احمر وليس اسود كما يختلف شكل التفاح الكروي عن الباذنجان ....
فصاح البائع وجمع أهل القرية وقال لهم اسمعوا إلى ما يقول هذا الجاهل... وبعد أن أخبرهم الحقيقة فوجئ أن الناس اخذت تستهزأ به وتسخر منه أو يتهموه بالجهل أو أن له غايات أخرى...
-ولماذا تفعل الناس ذلك؟
أجاب حافظ:
- الناس كانت جاهلة بحقيقة التفاح والباذنجان ولم تكن تفرق بينهم ولم ترد أن تعترف أنه تم خداعها لفترة طويلة من الزمن كما أن أهل القرية كانوا قد خزنوا كميات كبيرة من الباذنجان المجفف ولا تريد الخسارة اذا ما اعترفوا بالحقيقة وبأن جهلهم.
- وكيف تفسر ذلك؟
- هذا يسمى بالجهل المركب وهو عندما لا يريد الجاهل أن يعترف بأنه جاهل ويظن أنه عالم.
- وما خطر الجهل المركب على المجتمع؟
- الجاهل المركب قد تصل به جهله إلى القتل مقابل عدم سماع الحقيقة فهو كمثل الذي يعيش في ضباب لا يرى وكل صوت يسمعه يظنه اسدا أو سبعا فيقتله فإذا انكشف الضباب وجد نفسه قد قتل إخوته وأبنائه ... فهو لا يريد للضباب أن ينكشف لكي يبقى بصورة البطل الذي قتل الوحوش في عتمة الظلمة والضباب.
وانهى كلامه حافظ وهو يشير بإصبع السبابة نحو السبورة وعندما أدرت نظري نحو السبورة وجدت مكتوبا
قال أمير المؤمنين عليه السلام الناس أعداء ما جهلوا
عندها عرفت لماذا لم تكن هناك في بلادنا رغبة حقيقية للتعايش السلمي فما زال الإعلام يرفض أن يطلع أحدنا على الاخر وما زال أحدنا يكفر الآخر ويقتله ولو انتظر صوت الاذان لشاهد أنهم يصلون نحو قبلة واحدة..
أحمد خضير كاظم / رواية حافظ الاسرار