سر الاتباع

2020/09/24

قرأ لي حافظ ذات يوم احدى حكم أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نهج البلاغة موعظة اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل عليه الرحمة

قال كميل بن زياد أخذ بيدي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجني إلى الجبان فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال عليه السلام: يا كميل بن زياد، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فأحفظ عني ما أقول لك، الناس ثلاثة، فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق وصنيع المال يزول بزواله يا كميل بن زياد معرفة العلم دين يدان به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته والعلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل بن زياد، هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة..

ها ان ههنا لعلما جما «وأشار بيده إلى صدره» لو أصبت له حملة بلى أصيب القنا غير مأمون عليه مستعملاً آلة الدين للدنيا ومستظهراً بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه أو منقاداً لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة إلا لا ذا ولا ذاك أو منهوماً باللذة سلس القياد للشهوة أو مغرماً بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حاملية.

اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة أما ظاهراً مشهوراً وأما خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته وكم ذا وأين أولئك والله الأقلون عدداً والأعظمون عند الله قدراً يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه، آه آه شوقاً إلى رؤيتهم أنصرف يا كميل إذا شئت.

 

قال حافظ ان الحديث مخيف جداً .. لم اعرف لماذا هو يخيف حافظ هكذا...فظاهر الحديث في فضل العلم و التعلم رجعت له في اليوم التالي و سالته لماذا الحديث مخيف هكذا ؟ قال حافظ: ان الناس ثلاثة عالم رباني وهؤلاء هم الأقلون عدداً ...و المتعلمون على سبيل النجاة لا يطلق إلا على فئة واحدة من المتعلمين وهم الذين يطلبون بعلمهم الاخرة ... أما باقي الناس وهم الغالبية المنقادة هم كما وصفهم الامام بالهمج الرعاع والحديث مخيف لانك في كل حادثة تتصرف ضمن هذه المعايير الثلاثة فان لم يكن لك علم رباني وحجة ألهية في موقفك عليك ان تبحث عن موقفك وتتخذه ببعلم والا فانت تابع لكل ناعق لا تميز بين الحق و الباطل ...

لعل حافظ الملقب بحافظ  الاسرار يبالغ اليوم في خوفه في كل لحظة من ان يكون من اتباع ناعقي الاهواء و طالبي الدنيا !!

-         يا سيدي ، كيف توصف الاغلبية بالهمج الرعاع ( اي الحمقى من الناس)؟

-         نعم ، هؤلاء هم الغالبية في الحياة تشاهدهم كل يوم وهم يصفقون لكل متحدث يملك السلطة أو المال. بل تصل الحماقة ببعض الناس ان يدافع ويبرر لكل أحد الا ترى المقهى يضج بالدفاع عن هذا الفريق الرياضي اوانتقاد ذاك اللاعب واحيانا تصل ببعض النقاشات للضرب وكل حزب بما لديهم فرحون.

بقيت لفترة من الزمن  اعتقد ان  حافظ الاسرار كان يبالغ فيجعل الغالبية من الناس همج اوحمقى دون ان يكون لهم رأي حر وتعبير عن مواقفهم ونحن في القرن الواحد و العشرين.

حتى فهمت عمل البورصة اكثر وعرفت ان من يتحكم في اسعار الأسهم هو الاشاعات و الاعلانات أكثر من ارباح الشركات ونجاحها اوفشلها.

فقد تنهار الاسهم اليوم بسبب اشاعة ...اذ تعمل عملها فتبيع الناس اسهمها فيجمعها من أطلق الاشاعة فيحقق ارباحا خيالية و بصورة سريعة .. عرفت وقتها ان من يتحكم في مصير الغالبية من الناس الاعلانات و البرامج التلفزيونية ... تبهجهم الالوان اللماعة والشعارات البراقة دون ان ينظروا الى من يصدرها او الغرض منها... ويوماً بعد يوم كنت افقد احدهم لاني اكتشف كذبه او خداعه حتى بت وحيداً واستوحش طريقي أكثر... فعدت الى حافظ لاشركه في همومي ...فقد بت اكثر خوفاً منه في كل موقف .. قال:

-         ان الناعقين لهم درجة من الذكاء فهم يعلمون هذه الحقيقة جيداً . لذا هم يختارون الالفاظ و العبارات المنمقة و هم يعرفون كيف يستدرجون عواطف الناس بتلك الالفاظ والعبارات.

-         واتباعهم الا يملكون أي مستوى من الذكاء؟

-         نعم يملكون ولكنهم لا يوظفون ذكائهم وعقولهم في تحديد مواقفهم اما طمعا في مصلحة اوخوفا من حاكم... فهم لا يستندون الى ركن وثيق وهو العقل و الحجة بالعلم  الذي يدلهم على الحق فلا يتعبون انفسهم ليتعلموا اويبحثوا قليلا اذ لم يكونوا من العلماء الربانيين لذا يكونوا من الصنف الثالث.

-         هل هذا يعني انهم اتباع لا يفكرون؟

-         بل اسوأ, هم كالكلب الذي يتبع صاحبه من أجل عظمة. ومع  مرور الوقت و وقف التفكير يصبحون مجرد أدوات او ذيول لتلك الكلاب فيكونوا أتباعاً بكل ماتحمله الكلمة من معنى الهمج الرعاع. وعندما تصدق عليهم تلك العلامات يصبحون كالبهائم التي لا تعرف ان الراعي يشبعها ليذبحها وحتى عندما تعرف فانها تذهب كل يوم مسرورة الى المرعى لا ترى المستقبل بل يكون كل همها الحشيش و المرعى الذي تاكله في يومها.

أحمد خضير كاظم رواية حافظ الأسرار(4) 


أخترنا لك
الموقف الوبائي في العراق

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة