نبذة تاريخية
لا يخفى على عقل احد ان من مقومات الدولة القوية هو الاعداد الأمني
و الاستخباراتي القوي و لذا فان الاعداد لبناء دولة إسلامية قوية
ومستقرة امنيا وسياسيا كان يجب ان يعد له منظومة امنية قوية و احد
اهم عوامل بناء تلك المنظومة هو الاعداد النفسي للفرد و المجتمع
لتحصينه امنيا من قبل المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن
الضعيف و المؤمن كيس فطن حذر و الى اخره من تعلميات وتوجيهات النبي
و ال بيته الكرام عليهم الصلاة و السلام ....و في هذه المقالة سنشير
الى بعض من تلك العلامات البارزة و المهمة في تاريخ اهل البيت عليهم
الصلاة و السلام...في الاعداد الأمني و التخطيط العسكري اثناء
الحرب.
1- الجهد الاستخباري المسبق : في معركة بدر عندما توجه النبي الاكرم
عليه الصلاة و السلام للقاء جيش المشركين كان لا بد من الاعداد
الاستخباري للمعركة فخرج مع احد الاصحاب حتى لقى شيخا من العرب يقال
له سفيان الضمري الكناني، فسأله عن قريش، وعن محمد وأصحابه، وما
بلغه عنهم، فقال الشيخ: «لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟»، فقال
له الرسول محمد: «إذا أخبرتنا أخبرناك»، قال: «أذاك بذاك؟»، قال:
«نعم»، قال الشيخ: «فإنه بلغني ن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا
وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا (للمكان
الذي فيه الرسول محمد)، وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن
كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا (للمكان الذي فيه
قريش)»، فلما فرغ من خبره قال: «ممن أنتما؟»، فقال له الرسول محمد:
« نحن من ماء»، ثم انصرف عنه والشيخ يقول: «ما من ماء، أمن ماء
العراق؟»
.... فلما استقر قريبا من بدر ارسل عليا مع عدة من الصحابة منهم
الزبير و سعد بن ابي وقاص الى مياه بدر لياتوا باخبار جيش قريش
فوجدا غلامين يستقيان الماء لقريش فاحضروهما الى الرسول الاكرم صلى
الله عليه و اله وسلم فقال لهما: «أخبراني عن جيش قريش»، فقالا: «هم
وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى»، فقال لهما: كم القوم؟
قالا: «كثير»، قال: ما عدتهم؟ قالا: «لا ندري» قال: كم ينحرون كل
يوم؟ قالا: «يومًا تسعًا ويومًا عشرًا»، فقال الرسول محمد: «القوم
ما بين التسعمائة والألف»، ثم قال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟»،
فذكرا من حضر من اشراف قريش فأقبل الرسول إلى أصحابه قائلاً:هذه مكة
قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها»...
مما سبق نلاحظ ان النبي الاكرم عليه الصلاة و السلام كان يعد مسبقا
جهدا استخباريا لمعرفة قوة العدو او مكانهم او شخصياتهم
القيادية...
2- زرع العيون في قلب ارض العدو : احد اهم الخطط الاستخبارية
الناجحة التكتيكية هو معرفة تحركات العدو اثناء السلم و استعدادته
للحرب ...ومن ذلك انه تم اسر العباس عم النبي عليه الصلاة و السلام
في معركة بدروتم فداؤه و رجع الى مكة ومما يذكر ان العباس كان
قد دخل الإسلام في وقت مبكر فحضر بيعة العقبة وغيرها الا انه اخفى
ايمانه وخرج يوم بدر مكرها ... وكان يمد النبي محمد صلى الله عليه
واله باخبار قريش واستعداداتها للحرب وكان له دور بارز في تفويت
عنصر المفاجاة لقريش في معركتي احد و الأحزاب... هاجر الى المدينة
قبل فتح مكة لكن كان له دور في تسليم قريش مكة للنبي دون قيد او شرط
في فتح مكة...
3- اعداد الخطط العسكرية : الحرب خدعة ... فلذا فان اعداد الخطط و
الاستشارة العسكرية لها دور مهم في المعارك وحسم نتائجها ومن ذلك
استشارة سلمان الفارسي التي اخذ بها النبي صلى الله عليه و اله في
معركة الأحزاب او الخندق بعد ان جائت الاخبار للنبي من قبل عمه
العباس باستعداد قريش للخروج الى غزو المدينة ....و لم يكن حفر
الخندق متعارفا عند أهالي الجزيرة العربية فكان لعنصر المفاجاة بخطة
غير مسبوقة دورا مهما في حماية المدينة من الغزو وحصر المعركة بين
جيش المشركين و الذي بلغ تعداده عشرة الاف مقاتل مقابل جيش المدينة
الذي لم يتعدى الثلاثة الاف مقاتل بمبارزة واحدة مع عمرو بن عبد ود
الذي استطاع ان يعبر الخندق و بعد ان غلبه علي بن ابي طالب حسم امر
المعركة بقتل اقوى فرسان المشركين وكانت ضربة علي تعادل عبادة
الثقلين...
4- الهدنة و المصالحة مع العدو : احد النقاط المهمة في
السياسة و لحفظ الامن هو اعداد المصالحات و المعاهدات و الهدنة مع
العدو و دقة اختيار الشروط الواضحة وتفويت فرص الف و الدوران على
العدو مثل صلح الحديبية الذي حقق فيما بعد نصرا ساحقا للمسلمين على
المشركين
5- الحرب النفسية مع العدو : استخدم النبي الاكرم عليه الصلاة و
السلام الحرب النفسية في قلب موازين معركة احد و الفوز بالمعركة
فبعد انتهاء معركة احد بيوم واحد امر النبي صلى الله عليه و اله
وسلم بلال ان ينادي بالناس ان رسول الله يامركم بطلب عدوكم و ان لا
يخرج معنا الا من شهد القتال بالأمس .... فخرج مقاتلي احد من
المسلمين و تركوا تضميد جراحاتهم و خرجوا مع الرسول صلى الله عليه و
اله وسلم بجراحه وباتوا وقد وجههم النبي الاكرم عليه الصلاة و
السلام بان يكثروا اشعال النيران في المساء حتى بلغت خمسمئة نار ترى
من المكان البعيد ... فمر معبد بن أبي معبد الخزاعي، وهو يومئذ مشرك
وكانت خزاعة سلما للنبي فقال : «"يا محمد، لقد عز علينا ما أصابك في
أصحابك، ولوددنا أن الله أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك. ثم مضى
معبد حتى وجد أبا سفيان وقريشا بالروحاء. وهم يقولون لا محمدا أصبتم
ولا الكواعب أردفتم فبئس ما صنعتم فهم مجمعون على الرجوع ويقول
قائلهم فيما بينهم ما صنعنا شيئا، أصبنا أشرافهم ثم رجعنا قبل أن
نستأصلهم قبل أن يكون لهم وفر والمتكلم بهذا عكرمة بن أبي جهل. فلما
جاء معبد إلى أبي سفيان قال هذا معبد وعنده الخبر، ما وراءك يا معبد
? قال : "تركت محمدا وأصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران وقد
أجمع معه من تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج، وتعاهدوا ألا يرجعوا
حتى يلحقوكم فيثأروا منكم وغضبوا لقومهم غضبا شديدا ولمن أصبتم من
أشرافهم. قالوا : ويلك ما تقول ؟ قال والله ما نرى أن نرتحل حتى نرى
نواصي الخيل"» ثم قال معبد لقد حملني ما رأيت منهم أن قلت أبياتا
:
كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تعدو بأسد كرام لا تنابلة عند اللقاء ولا ميل معازيل
فقلت ويل ابن حرب من لقائهم إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
فولت قريش راجعة الى مكة وفي ذلك أنزل الله عز وجل الذين استجابوا
لله والرسول من بعد ماأصابهم القرح الآية. وقوله الذين قال لهم
الناس إن الناس قد جمعوا لكم الآية. وكان معبد قد أرسل رجلا من
خزاعة إلى رسول الله يعلمه أن قد انصرف أبو سفيان وأصحابه خائفين
وجلين . ثم انصرف رسول الى المدينة ....بعد زوال خطر قريش ...أحمد
خضير كاظم