مع تقدم العلوم الحديثة و تسارع الاكتشافات العلمية و تقدم التكنولوجيا السريع لا تزال هناك العديد من الظواهر التي لا يمكننا إدراكها بحواسنا المباشرة. لكنها اصبحت مع مرور الزمن حقائق و جزء من فهمنا العلمي للواقع. مفاهيم مثل الإشعاع، الذرة، والموجات اللاسلكية، التي كانت غير مرئية وغير قابلة للفهم و الادراك سابقا ، أصبحت اليوم مفاهيم وحقائق علمية نستخدمها في حياتنا اليومية.
و حيث ان الايمان بالغيب هو ايمان بما لاتدركه حواسنا وهو اعتراف بوجود غيبيات فوق ادراكنا وفوق احساس طبيعتنا البشرية. وهذا الايمان يتداخل ما بين افاق العلم والدين معا ففي الوقت الذي يقدم فيه الدين الاطر الروحية في الايمان ويثيب عليها و يجعل التصديق بالغيبيات جزء لا يتجزء من الايمان ويشمل هذا الايمان كل ماهو فوق ادراكنا وم لايمكن رؤيته او فهمه بشكل مباشر مثل الايمان ببعالم البرزخ و الجنة و النار و الملائكة.
يشارك العلم الدين ايضا في رحلة البحث عن حقيقة عالم ما ورء الطبيعة. و التعامل مع كل ما لا يدرك بالحواس والبحث عن أكتشافه بطرق غير مباشرة. و على سبيل المثال :
الإشعاع: كان الإشعاع في البداية مفهومًا غير مرئي وغير مفهوم. لم يكن الإنسان قادرًا على تصور وجوده، حتى اكتشفه الفيزيائيون في أواخر القرن التاسع عشر. اليوم، نحن نستخدم الإشعاع في عدة مجالات، مثل الأشعة السينية في الطب، والتصوير النووي، وغير ذلك.
الذرة: فكرة الذرة كانت تعتبر محض افتراضات حتى بداية القرن العشرين، حيث تبين أن الذرات هي اللبنات الأساسية للمادة. هذا الاكتشاف كان بمثابة فتح جديد في فهم الطبيعة. الآن، الذرة تُعتبر من العناصر الأساسية التي تدرس في العلوم، ونحن نستخدم طاقة الذرة في العديد من التطبيقات مثل الطاقة النووية.
الموجات اللاسلكية: قبل اكتشاف الموجات اللاسلكية، كانت فكرة إرسال المعلومات عبر الهواء دون أسلاك تُعتبر خيالًا علميًا. لكن مع اكتشاف ماكسويل في القرن التاسع عشر للموجات الكهرومغناطيسية، بدأت البشرية في استخدام هذه الموجات للاتصالات، مثل الراديو، والهواتف المحمولة، والإنترنت.
إذن، العلم قد "كشف الستار" عن العديد من الظواهر التي كانت في السابق غير مرئية وغير مدركة بالحواس لبشرية وفوق مفهوم الناس في وقتها ، لتصبح جزءًا من واقعنا اليوم. وهذا يُظهر أن ما كان يُعتبر غيبًا في يوم من الأيام قد أصبح جزءًا من معرفتنا.
و في النهاية ,لا يمكننا إنكار أن هناك تداخلًا بين الدين والعلم عندما يتعلق الأمر بالإيمان بالغيب. فالايمان بالغيب هو اعتراف بوجود أبعاد خارج نطاق الإدراك البشري، وقد تكون هذه الأبعاد غير مرئية أو خارقة للطبيعة. والعلم لا يرفض الغيب، بل يركز على ما يمكن قياسه واختباره. و لذا نجد أن ما كان يُعتبر غيبًا في البداية يصبح جزءًا من الواقع المادي بعد اكتشافه واختباره.
الحديث عن الغيب في الدين والعلم لا يعني أن أحدهما يعارض الآخر. على العكس، يمكننا القول إن هناك توافقًا ضمنيًا بين الإيمان بالغيبيات في الدين والاكتشافات العلمية الحديثة. فالعلم نفسه يكتشف حقائق غير مرئية ومفاهيم كانت غيبية في الماضي. وهذا التداخل بين الدين والعلم يعزز من فكرة أن هناك حدودًا لمعرفة الإنسان، وأن هناك دائمًا ما هو أكبر من إدراكنا المباشر.
إنه من المهم أن نُدرك أن البحث عن الحقيقة ليس مقتصرًا على أفق واحد. العلم قد يساعدنا في اكتشاف الواقع المادي، بينما الدين يمنحنا الأدوات الروحية لفهم ما هو أكبر من ذلك. لذلك، يمكن للعلم والدين أن يتكاملا في سعي الانسان وراء حقيقة ان هناك عالمنا اوسع و اكبر من عالمنا المحسوس .
الشيخ الدكتور احمد خضير كاظم