في تلك الليلة المظلمة المدلهمة ... كان الهدوء و السكون يوحي بفراغ وكانه لاحياة كانت او ستكون على الارض لا يخرب ذلك الهدوء و السكون سوى صدى صوت حدوة الفرس التي تتجه الى المجهول الذي لم يكن يرى.. بين تلك الاشجار و الادغال لا يوجد من يحميه من سباع المكان و افاعي الظلام سوى ولديه ونور ضوء وجهيهما يشع لينير الطريق امامه .... كان صامتاً متفكراً بحال الدنيا التي تركته وحيدا كجده الحسين عليه السلام .. وهو يعيش احداث الطف متفكرا ومستذكرا ومعتبرا ...كسر حاجز الصمت صيحة الموت العالية التي خطفت ابنه الاكبر شرف الدين الذي كان يسير خلف ابيه .. ثم حوصر و ابنه الاصغر شمس الدين من قبل عصابة التعصب الديني ... تقدم احدهم بخطوات متذئبة يرتدي ثياب رثة وهيئة وضيعة ذو لحية كثيفة تعلو شعره الذوائب المنسدلة من ضفائره ثم وقف فقال : بأسم القاضي رشيد الدين انت متهم بالكفر و الزندقة واخذ يرمي التهم المتتالية ... وكانت مع كل تهمة تعلوا صيحات اتباعه بالعويل و الويل و الثبور و طلب الثار و الانتقام ...حتى انتهى من كلامه وهو ينادي باعلى صوته حكمنا عليك بالقتل حتى انتهشت العصابة جسده مع اولاده طعنا بالحراب و السيوف ومع كل طعنة يستذكر موقفا من مواقف معانديه وحاسديه فخلف نخلة قريبة كان يقف اليهودي بنيامين مراقبا و وراء نخلة اخرى كان يقف ابن عمه جعفر وهو يتاكد من موته ليأخذ جائزته في تولي النقابة كما وعده القاضي رشيد وكأنه يعيد موقف ابن سعد في وقفته يوم عاشوراء متأملا بحكم الري ..
انتقلت روحه التي صعدت الى السماء مع ولديه ولم يكف القوم فقاموا كيوم عاشوراء بالتمثيل بالاجساد الطاهرة ونتف الشعر ...ثم اخذوا اجزاءها للتبرك بها امام القاضي الذي جلس يقلب اجزاء الاجساد الطاهرة كيزيد وهو يقلب الرؤوس المباركة...
وهكذا انتهت حياة مصلح اخر من مصلحي درب البشرية الطويل كانتهاء من سبقوه من ابائه واجداده ... انها حياة مليئة بالعلم و النور و الوعظ و الارشاد كان ثمنها العداء ممن كان يعيش الذلة ولم يرتضي درب العز والفخر و الرفعة... كان ثمنها دهاء اليهود الذين خابت دسائسهم في الاستيلاء على مرقد ذي الكفل عليه السلام ... كان ثمنها مقت و حقد المذاهب الضالة و الاتجاهات المنحرفة ...
هكذا انتهت سيرة السيد تاج الدين و الملة ابي الفضل الاوي الافطسي رضوان الله عليه . حدثت هذه الحادثة قبل 733 عام تقريبا (كسيناريو مقترح من المصادر التاريخية )في تلك البقعة المنعزلة من منطقة واسط المعروفة اليوم بأسم الحفرية بعد ان خرج وحيدا مع ولديه هاربا من دسائس اليهود الذين اتفقوا مع بعض اقربائه يدعمهم في ذلك الوزير الرشيد ليحاصروه في تلك المنطقة المنعزلة وليفعلوا خطتهم الدنيئة .
و السلام عليه وعلى ولديه الشهيدين في ايام ذكرى استشهاده .
الشيخ الدكتور أحمد خضير الكاظمي