د. احمد العلياوي
مَرَّت عليكَ الحادثاتُ ، وأنتَ وحدكَ في حُجرتكَ التي لم تتغير منذ
خمسين عاما.
تجلسُ بعيداً عن الترف ، وليس لكَ غير قبلتكَ التي أنتَ عليها.
تنأى بنفسكَ عن ضجيجِ المدنِ ، وخوضِ أحاديثها ، حتى تغيَّرت المحالُّ
، والأسماءُ ، والمداخلُ ، والمخارجُ ، وليس لكَ من طمعٍ حتى في
نافذةٍ تُطِلُّ بكَ على صُبحٍ قادمٍ ، أو مساءٍ راحل.
ولم يكن لكَ من الشمسِ أو القمرِ نصيب ، والناسُ في الأرضِ كلها
يتقاسمون الضياءَ والنور.
ومن عناءٍ لآخر ، ومن غُربةٍ لأخرى ، تدورُ عليكَ الدنيا دورتها ،
ولكنكَ لم تَشكُ للناسِ جرحاً أنتَ صاحبه ، ولم تخبر أحداً بما بين
البابِ والجدار ، وعلى عبائتكَ القديمةِ ، تنظرُ السنين ، وهي تختبئُ
بين نسيجِ الخيوطِ ، حكاياتٍ لم يعرفها أحدٌ بعد ، فصبرتَ من بيننا
أباً ، ونحنُ صغارُكَ ، الراقدون تحتَ ظِلِّكَ المديد.
وتعودُ مرَّةً أخرى ..
ونحنُ نُدرِكُ لمحاً من عنائكَ وأنت تقيمُ وحيدا ..
حيث حَلَّ الوباءُ فينا ..
تعودُ إلينا لتخبرنا ، بأنَّ السيِّد ، هو من يسودُ القومَ برأيِهِ
وكرمِهِ وعطفه.
تجودُ بكلماتكَ ، فيجودُ الناسُ بأرواحهم ، وأموالهم ، ومع كلِّ خيرٍ
يصلُ البيوت ، هناكَ كلماتٌ منكَ تحمله ، ومع كلِّ نسمةِ بِرٍّ تمُرُّ
على المستضعفين ، هناكَ صوتٌ لكَ يفوحُ به.
فما وهنت البلادُ التي أنتَ فيها ، ولن يمَسَّها الضُرُّ ، وأنتَ تدعو
لها، وإنْ لم يصلك أهلُ المنازل ، فقد وصلتَ المنازل ، وكنتَ أمانَ
الوجِلين ، من السُقمِ والفقر ، وكأنكَ رأيتَ الرحمةَ سبيلاً للنجاةِ
من الوباء ، فأمرتَ بها ، وحثثتَ عليها ، وشرَعتَ لها ، فهَبَّ
المؤمنون ، الطيبون ، الناصحون ، المخلصون ، الواهبون ، لندائكَ
الحُسيني ، يحملونه ماءً ونماء ، ولطفاً ودعاء.
فيا سيِّدَ الفُراتين ، ولأهلِ الفُراتينِ اعتقادٌ وثيق ، بأنَّ
السيِّدَ إذا نظَرَ أصاب ، وإذا دعا أُجيب ، وإذا أقسمَ على السماءِ
نال المراد.
ادعُ لنا وللعراق ..
ولصبركَ أيها الحسيني السيستاني السلامة العافية.