قراءة في نصيحة السيد السيستاني الأولى إلى الشباب .

2020/02/06

(ثمان وصايا هي تمام السعادة في هذه الحياة وما بعدها) ، هي الجملة التي شرع فيها  زعيم الطائفة الشيعية في  النجف  الاشرف  في تبيان اهمية وصاياه التي  اعطاها لابنائه من الشباب ليتخذوها  منهاجا لهم في طريقهم المملوء  بالمصاعب والاخطار  العقائدية والاقتصادية والامنية  والفكرية والاجتماعية و آلخ ..
لا  اريد الخوض  كثيرا في مقدمة السيد التي بين فيها مصدر هذه النصائح ، ولماذا تكون مفتاح الحياة في  الدنيا والاخرة ، لاني اتمنى من كل  شخص ان يتأمل فيها ويأخذ ما يستطيع من خلال التعمق في ما يريد ان يوصله الينا .
ابتدأ زعيم الطائفة بالعقائد الاساسية والفطرية لكل  انسان ، فقال (: لزوم الاعتقاد الحق بالله سبحانه) ، والتي حذر من التهاون فيها  وتركها  بدون بحث او تدقيق  او جعلها  شيء  ثانوي في حياة الانسان فالتوحيد من الاشياء  الواجبة على الانسان معرفتها ولا تقليد فيها  حتى تتخلص  من المحاسبة في تطبيق  بعض  الامور كما الحال في الفروع ، فالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد كل شخص  مسئول  عن نفسه بها يوم القيامة ، وليجهز كل  شخص  دليله الخاص ليقدمه للخالق  تعالى في معرفته التوحيد وكيفية الوصول  اليه .
  بعدها  اوضح كيفية طرق  ثبوت التوحيد  وأعطى مثالا واحدا لكنه مفتاح لكثير من الطرق من خلال قوله (فكل كائن في هذا العالم ـــ إذا سبر الإنسان أغواره ـــ صنع بديع يدلّ على صانع قدير وخالق عظيم، وقد توالت سبحانه رسائله من خلال أنبيائه للتذكير بذلك) ، وهنا  يعطي  سماحة السيد شيئا في  غاية الأهمية والاعتبار ، ويحاول أن يغير  ما  يتداول  من عامة الناس من الذين يشخصون المشاكل والأخطار  ويحددون المهالك ولكنهم  لا يعطون الحل  والدواء  الناجع للظاهرة الخطيرة ، فهنا  بين العلة وبين العلاج ، وبقي  على الانسان السعي  والجد والاهتمام في الحصول  عليه والاستفادة منه قدر  الإمكان ، فقال (إذا اسبر الإنسان أغواره) ، أي  اذا تعمق الانسان في  البحث والتنقيب عن الحقيقة وعن اغوار سبب وجوده لكان الامر هينا  وممكن الوصول  الى مبتغاه ، فان عرفت الخالق  عرفت رسله التي  اتتك منه لتذكرك فيما  يريده الخالق  منك ومعرفة هدفك في الحياة .
ثم عرج الى اهمية التوحيد والعقيدة والدين بشكل عام فقال (وليجعله أعزّ الأشياء لديه كما هو أهمّها) ، فهنا تأكيد على ان الدين هو أغلى من النفس ومن المال والأهل  والولد ، وإذا صار  الدين شيء ثانويا او كان مهملا لانهارت الحضارة الإنسانية بأكملها ، لان الدين ينظم أمور  الإنسان الحياتية بشكل  يضمن الحقوق  والواجبات ويحفظ الدماء والعلاقات ، فبتركه او بإهماله يكون الحكم للأقوى والقوي يأكل  الضعيف ..!
وعند تهاون الانسان بدينه فسوف يتجه الى جهنم بنفسه بدون ان يشعر(او يشعر!) ويعتقد ان خطواته في  الطريق  الصحيح ، وابسط مثال  على هذا النوع هو عندما  نج في ما  قاله الإمام الحسين عليه السلام في إحدى الأسباب  التي  جعلت القوم يقومون بتقطيع جسمه الشريف قطعة قطعة وسبي  نسائه وقتل  أطفال  بصورة لم ولن تحصل في تأريخ البشرية من قبل فقال  عليه السلام (والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون ) ، أي  ان الدين كان عندهم ليس بالأعماق  بل  بالألسن وسبب كون الدين  بالألسن فقط هو عندما يكون الدين حاله كحال  التجارة ، نهتم فيه عند مصالحنا  ونتركه عند الخسارة .!

واشار  ايضا الى ان مرحلة الشباب التي  تتجسد فيها  اقصى حالات القوة الفكرية والجسدية عنده وهو عبارة عن مستقبل عجيب ويمكن من خلاله تشكيل  أي شيء فكري او جسدي من خلاله، ففي  هذه المرحلة لا ينسى ما كان عليه من الضعف  والعجز عن الصغر  ، وكذلك لا ينسى مصيره ان بقي  حيا عند الكبر ، فان كان الانسان اقوى مخلوق في الارض فهو اضعف مخلوق فيها  ايضا (تؤلمه البقة وتنتنه العرقة وتقتله الشهقة) .
بعدها عرج المرجع السيستاني الى اخطر  قضية فكرية وثقافية في عصر ما بعد سقوط الطاغية صدام وهي (التحرر ألا معقول ، والحرية المنفلتة ) ، التي  اخذت بالشباب بشكل  يفوق  التصور ، وبما  ان السيد السيستاني  يمثل  النموذج الاول  للمثقف  الحقيقي الذي  يتميز بكل  معانيها  وصفاتها والتي  من اهمها تحديد  النقاط التي  يسمح بالاختلاف  فيها ، واي  النقاط التي  يناقش  فيها  فقال :
(وإيّاه أن ينزلق إلى التشكيك في المبادئ الثابتة لتوجيه مشروعية ممارساته وسلوكه اقتفاءً لشبهات لم يصبر على متابعة البحث فيها، أو استرسالاً في الاعتماد على أفكارٍ غير ناضجة أو اغتراراً بملذّات هذه الحياة وزبرجها، أو امتعاضاً من استغلال بعضٍ لاسم الدين للمقاصد الشخصيّة، فإنّ الحق لا يقاس بالرجال بل يقاس الرجال بالحق.) فحذر الانزلاق في التشكيك بالثوابت والتي دلت الادلت عليها  فيما سبق ، فمن الثوابت التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد ، فكل  تشكيك فيها  يوجب  الانزلاق  عن الحق ، وهنا لا يقصد التفكير  والبحث  عن الأجوبة في بعض  المسائل ، فالدين ينادي  بالناس  ان تسأل  عن دينها ولو كان اخر لحظة في حياتها ، وعلي بن ابي طالب يقول (سلوني قبل  ان تفقدوني) ، فالتشكيك في شيء  نهايته الاطلاع والبحث  عن علاجات وأجوبة صحيحة وناجعة يكون مفيدا في كثير  من الأمور ، لكن لو تعدى هذا الشك الى نفي  اصل  المسألة كنفي  الوجود للخالق ، او انكار  النبوة ، او نسف  الامامة او المعاد ، او القول  بعدم وجود العدل  عند الخالق ، فهذا يسمى انحراف والايمان به انزلاق الى المنحدر  الخطير ، فلا رأي  لشخص  مهما  كبر  اسمه وعنوانه في هكذا امور ، فهذا انحراف صرف لا يدخل عنوان الاختلاف  المشروع بين الاشخاص  فيه إطلاقا .
ومن المبادئ الثابتة عند الإنسان عدم البهتان وعدم الكذب  على الآخرين ، وعدم اتهام الناس بدون دليل ، والتصديق بالتهمة بمجرد سماعها ، فيكون الاستعجال والتشهير والإسائه الهدف  من نشرها لا  اكثر .
وتطرق لمسألة وجودها  في هذه النقطة كوجود الضمير المستتر ، فعندما  حذر  من الانزلاق في التشكيك بالامور الثابتة ، فهو يعني  ايضا عدم الانزلاق  عن الدين في  الامور  الثانوية التي  يمكن الاختلاف  فيها ، وهي  كثيرة ولكن الكثير  من الناس  جعلوا  الثوابت من الثانويات والاشياء  الثانوية من الثوابت ، فاختلط عليهم الحابل  بالنابل فكان التيه والحيرة مصير  الكثير  منهم ان لم يكونوا في خانت الانزلاق ، فالإفراط  في تعميق المسائل  التي  يمكن الاختلاف  عليها  الى درجة الثوابت توجهك للانزلاق الخطير.
 فهنا  يحاول  ان يقول ان القبول بالرأي شيء ضروري  في حياة الإنسان والاختلاف  الثانوي لا يخرج صاحبة عن الدين ، لذى أعطى الخط الفاصل  في  معرفة الشخص  الذي  ينادي  برأيه ويصدح به ، هل  هو من النوع المقبول  والحسن أم يكون من الذين ينزلقون في  نهاية المطاف ؟
لا  تعرفوا الحق  بالرجال فان الأسماء  كبيرة والعناوين عريضة في  تصدير  بعض  الأفكار  الضالة والمنحرفة ، فلا  تتعجب  منها ولا  من انحرافها أولا ، ففي الماضي سقط أناس  اكبر  عنوانا  منهم  بل و ذكروا  في القران أيضا ، وثانيا لا  تنسى انه إنسان قابل للانحراف  ولسوء  العاقبة التي نتمنى ان تكون على خير بالنسبة لنا ، وشباب الانسان وطاقاته الفكرية قد تغريه في  يوم من الأيام  في المستقبل فكل شيء ممكن لان (النفس  أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) .
أخترنا لك
وضع المرجعية السياسي ، في الحاضر والماضي .

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف