استجبت أخيراً لهذه الدعوة التي أجزم أنها لن تمر بسلام، فأكاد اقرأ
الوجوه، واعرف سبب تواجد احمد ابن عمي في هذه الدعوة العائلية التي
يفترض ان تكون لأبناء البيت فقط؛ كي لا تتقيد النساء في لبس العباءات
في هذا الجو الساخن فعلاً.
أعتقد أن الأمر لم يكن مجرد دعوة غداء، بل سيذهب الأمر الى اشياء اخرى
تزعجني، ولهذا صرت استعجل الخروج، وأنادي على ابني بين لحظة وأخرى؛
لكي نذهب، واكتشفت أخيراً أنهم أعدوا العدة لكل شيء.
صحت بهم:ـ ما الأمر؟ قالوا:ـ لا شيء..!
أجبتهم:ـ كيف لا شيء.. وكل شيء هنا يدفع للريبة والشك..؟ لماذا اشعر
اني غريبة بينكم، ولا غريب بيننا سوى هذا ابن العم الذي اصبح كابوساً
يهدد آدميتي.. هذا ابن العم الذي وضب أموره وجعل الجميع ضدي حتى أبي
وأمي وأخوتي واخواتي.. لماذا كل ذلك من اجل احمد، من اجل ابن عم يقال
انه ميسور الحال؟
وما شأني انا؟ لقد طلب يدي في اكثر من مناسبة ورفضت.. فماذا يريد؟
صرخت بغضب:ـ ابعدوا احمدكم عني وعن بيتي.. قالت أمي:ـ لا تكبري
الموضوع، فنحن اجتمعنا لنطمئن عليك وعلى حياتك، ونسألك عن اوضاعك وكيف
حال ابنك؟ أليس من حقنا أن نسأل عنكما؟ أليس من حقنا أن نقلق عليك
وأنت ابنتنا؟ قلت:ـ الحمد لله انا بخير وعافية، وابني يكبر ويكبر
وسيصبح رجلاً..
قال ابن عمي احمد:ـ ألا يسألك اين أبي؟. نظرت بوجوه اهلي المبتسمة
لهذا الاحراج المقصود.. قلت:ـ نعم ابني يسألني عن كل شيء، وأنا اخبره
بكل شيء، وسأخبره بكل ما يسأل، ليس لدينا ما نخجل
منه.
قال ابن عمي احمد:ـ هذا الطفل مسكين يتيم بلا اب يستحق
الرعاية.
اجبته:ـ نادِ عليه واخبره ان استطعت قل له انت يتيم، لترى كيف سيصرخ
بوجهك: لا.. انا ابن شهيد، وافتخر اني ابن شهيد، سيقول لكم جميعا:
دعونا نعيش بسلام، سيقول لكم: مستحيل ان يكون لي اب آخر غير أبي
كاظم.
نعم.. هو يفتخر باسمه، ويكرر انا السلام كاظم.
قال أبي:ـ انا قلبي معك يا ابنتي، لكن عليك ان تعرفي انك امرأة أرملة
في كل القياسات.. صحت باكية:ـ ابي كفوا عني ارجوكم، انا امرأة استشهد
زوجها، فهي ليست ارملة بقياسات الله تعالى انها زوجة
شهيد.
قالت اختي الكبيرة:ـ ان كانت زوجة ميت او شهيد.. المهم انها الآن تعيش
وحيدة بلا معيل وبلا سعادة حقيقية.
قلت لها:ـ انت لك زوج وبيت وأطفال، ولك مشاكل صارخة كل يوم في حياتك،
ولولا تدخل عقلاء الاهل لكنت مطلقة وأكثر من مشكلة.. لك حياتك لا شأن
لي بها، لا تحاولي أن تفرضي عليّ أحمدَ في كل مرة، انا ما تدخلت يوما
بحياتك، امرأة اعيش في بيت شهيد، كل شيء يحمل الود والمحبة والاحترام،
وكبر في بيتي ابني (السلام) الذي يفتخر بأن يضع الالف واللام امام
اسمه هذا السلام الذي هو امامك يلعب مع الاطفال، هو رجل البيت، هو أبو
بيتي ومعيلي، يكفي انه يحمل انفاس (ابو السلام).
من يسعى الى تزويجي من احمد او غير احمد متجاوز على حكمة الله التي
شاءت ان يكون رحيل زوجي حياة، حياة تنمو وتكبر.
قال أبي:ـ لك ابن عم يقدر هذا الوفاء وهذه العاطفة الجياشة، يحترم فيك
هذا الوقار وهو ابن عمك، وليس غريبا عن هذا البيت، ولذلك سيكون ابنك
في احضان أب. شعرت بالعجز تماما عن مجاراة حوار عقيم قلت:ـ اسالوه هل
يرتضيه زوجا لأمه.. لا يا أبي، انا اعرف انه رجل ميسور الحال، ويستطيع
ان يوفر لي ماديات حياة شرهة، لكنه سيعجز ان يبني بيتا فيه السعادة
التي عمرها الشهيد كاظم في بيته.. انا لا احتاج المال يا أبي، عندي
راتب زوجي، ومحبة ابيه وأمه وإخوته وأخواته وناسه كلهم يحترمون حياة
ابنهم كاظم في بيتي، يدركون معنى ان اقول لهم كل صباح.. يسلم عليكم
كاظم ويقول انا بخير.