يرتبط مفهوم الاحتفاء بمواليد ووفيات ائمتنا (عليهم السلام) بالكثير من القيم العامرة بالمثل والقيم الأخلاقية المعبرة عن معنى الايمان، والاحتفاء لا يقف عند حدود التبجيل، بل يذهب الى الالتزام والاعتقاد السلوكي باختيار هذا الرمز أنموذج القدوة لحياته؛ كونه يمثل التكامل، وهذا الالتزام بفرض الطاعة والانقياد والمواظبة على تجديد الحضور المدعوم بالولاء، وكون المسألة تتعلق باستحضار مولد الامام علي الهادي (عليه السلام) لابد على الاطلاع على تجربته الحياتية بالتفصيل اثناء تلك المحافل؛ لتفعيل الدور التأثيري.
وهذا السعي الاحتفائي يؤدي الى تحقيق التوازن النفسي، فيعمم لنا
الجانب الثقافي والسلوكي للشعائر الولائية، وجوهر الاحتفاء بالإمام
المعصوم هو بنية ثقافة ووعي وهذه الذات المعصومة المرتبطة بالله
سبحانه وتعالى تمثل الانسان الملتزم ـ النموذج الحياتي الامثل.
والإمام علي الهادي(عليه السلام) الامام المعصوم العاشر ابوه الامام
محمد الجواد (عليه السلام) ولد في قرية ريا وهي قرية اسسها موسى بن
جعفر(عليه السلام)، وتبعد ثلاثة اميال عن المدينة المنورة.
تحتاج أمور العقيدة الى معرفة سلوكية وأخلاقية تقوّي أواصر العلاقة
الروحية، وما يميز الولاء هو البناء المعنوي القادر على إرساء قواعد
سلوكية قويمة، وتنظم علاقات الانسان الحياتية بالعالم المعاش، وهذه
الاحتفاءات هي ممارسات شعائرية ولائية لصيقة بالفعل الاجتماعي
تحملها عقلاً وروحاً، تنتمي عبرها ثقافة الانتماء.
لا بأس اذا ما عدّها بعض المفكرين بأن هذه الاحتفائيات بالمواليد هي
مناسبات تعبوية تسعى لتجييش الوعي الجمعي بطاقات من المعنى، اذ تنهض
الممارسات الولائية بوظائف اجتماعية حاسمة تزيدنا شرفا وتقديرا،
عندما نحتفي برموز ائمتنا ونستذكر من خلالها ما جرى على امامنا
الهادي (عليه السلام).
فلقد أجمع أرباب السير أنّ الإمام الهادي (عليه السلام) كان علماً
لا يُجارى من بين اعلام عصره، مائة وخمسة وثمانون تلميذا وراويا
يتتلمذون عنده، ورووا عنه، وكان مرجع اهل العلم والفقه والشريعة،
وحصلت كتب الرواية والحديث والمناظرة والصحة النفسية بأثر عنه،
واستلهمت من علومه ومعارفه.
فالإمام الهادي (عليه السلام)، استخدم منهجا تربويا متكاملا لبناء
المجتمع الصالح وحصانته في مواجهة الانحراف وتقديم نموذج المجتمع
الايماني، الذي كان يمثله أهل البيت (عليهم السلام) واتباعهم، وهذا
المجتمع لابد من تعبئته من الداخل والخارج، أولاً: بناء النفس
تهذيبها. وثانياً: نقاء المقدرة على الصبر والتصابر.
ويعد الاحتفاء بالأئمة استذكاراً واعياً، أي استنهاض روحي يسعى لخلق
التماثل السلوكي في وعي الناس، ليخلق منهم الجوهر الانساني.
ولو تابعنا ما تعرضت له رموزنا المقدسة لأدركنا قيمة الصبر، الذي
لابد أن ننهله منهم ومن حياتهم الجهادية التي عاشوها، فالإمام
الهادي (عليه السلام) استشهد ابوه وهو ابن الثمان سنوات، وانتقلت
الامامة اليه فعاش في المدينة الى ايام جعفر المتوكل، حين عرف
الامام الهادي (عليه السلام) كتب الى المتوكل يذكر تحامل الوالي
عليه وكذب كل سعي كاذب كان يوشي لديه.
والكثير من العلماء أكدوا ان هذه الطقوس الولائية والشعائر هي
مداليل ايمانية كامنة في ذات الناس، وهذه الاحتفائيات تمثل تنشيط
الصبر والحس الجمعي، وخاصة عندما تكون النهايات مفجعة، وجميع ائمتنا
عاشوا النهايات المأساوية والإمام الهادي (عليه السلام، استشهد
مسموما وهو في عمر الاربعين عاما، وعاش تحت الاقامة الجبرية في
سامراء لمدة عشرين عاما الى ان استشهد مسموما ودفن في داره، حيث
مدفنه الشريف، نودع الذكرى ونحن نأخذ معنا كلمة (العُجب صارف عن طلب
العلم، داعٍ إلى التخبّط في الجهل).