ما إن يسأله أحد:
كيف حالك (شلونك)؟ يقول: الحمد لله ان شاء الله قريب..! يشدد على
اللفظة، وكأنها خارجة من القلب..! لذلك فتحت الكثير من التساؤلات،
وفهمها المقاتلون أخيرا انه يعني قريب الفرج ان شاء الله
تعالى.
كان (عوفي ساري سويد البخيتاوي) ميساني الطباع، عصبي المزاج، يظهر
التعب من ملامح وجهه، ويمتلك هاجساً أمنياً عالياً، ولذلك هو تنبأ
بكثير من تحركات العدو، وكشف مخططاتهم قبل أن تبدأ.
مازحته ذات يوم وقلت له: أنت تتمتع بهاجس ضابط مخابرات كبير. ضحك
الزملاء وقال لي أحدهم:
فعلاً هو عمل في الاستخبارات، وشغل مهام معاون مدير استخبارات محافظة
ميسان، لكنه ترك المنصب الحكومي، والتحق ليقاتل في صفوف الحشد
الشعبي.
قلت: لهذا يكون لمعنى (قريب) اكثر من تفسير، فهذا الهاجس يعمل عبر
العقل، وعبر القلب، عبر ما يتهيأ من مستلزمات القتال، وأمور الحرب،
وما يفتعل في ثنايا الايمان بالقضية.
مع كل هجوم، كنا نذكره (أبو قريب.. كيف الحال اليوم..؟) فيجيب: بعد
ستكون أقرب ان شاء الله تعالى..! يرى الحاج أبو تحسين، وهو رجل من
اقدم المقاتلين في الفوج، ونلقبه حكيم الفوج لوقاره وحكمته، فقال:ـ
القريب تعني الفرج، والفرج له أكثر من معنى: راية النصر فرج، والشهادة
فرج، فأي قريب منهما يقصده أبو حوراء، ويقصد المقاتل عوفي؟ قال الحاج
عوفي
في احدى
اماسي الجبهة: في واقعة الطف المباركة، ما كان أحد يتوقع
النصر العسكري، والسبب لوجود الفارق العددي والمادي بين الفريقين،
ووجود الامداد الذي هو بمستوى دول ضد نفر قليل، لكن كان انصار الحسين
(رضوان الله عليهم) يتوسمون الشهادة نصراً، انا وبهاجسي الأمني، اتوقع
اننا نتفوق عليهم بالإيمان وبالروح الوثابة وبيقينية الخاتمة الحسنة،
وسيلفهم عار الهزيمة الى أبد الآبدين.
مرت أيام.. قريب صارت هويته.. وذات صباح جلس يبتسم يقول لي: اليوم نحن
سنلتقي مع هذا القريب، الذي كنت انتظر، وتوجهنا الى القتال بروح
متفائلة، وما هي لحظة حتى سمعت به يصرخ: يا قريب، بكيت بكيت كثيرا،
أقول له: وأنا متى سيأتي القريب إليّ؟
