( الركض بأربعة )

2021/03/27

صار واحدنا يعرف الآخر أكثر مما يعرف نفسه، قد يكون في هذا الوصف شيئاً من المبالغة، لكنه يعبر عن حقيقة ما أشعره اتجاه صديقي أبي منتظر المحمداوي الذي أصيب امام ناظري، وكانت اصابته ليست مميتة، لكنها بالتأكيد ستبعده عن مواقع القتال، وهذه بحد ذاتها تعد مصيبة كبيرة عند هذا الرجل، وقد تدمر له نفسيته.
أنا متأكد أن الموت عنده أهون من القعود بعيداً عن مواضع القتال، قال احد الأصدقاء: انه نجا من الموت بقدرة الله تعالى، قلت: ما دام هو يتنفس وبأي حال يكون هو لاشك سيعود للقتال مهما كانت الإصابة شديدة.
ظن البعض من الأصدقاء اني ابالغ في تقديري للقضية، صحت:ـ يا ناس، انتم تتكلمون عن القائد حاتم اسود محمد، هذا ابن ميسان العمارة، رجل صاحب قضية وخبرة قتالية، منحتها له الاهوار، قال احدهم يشده القلق الى حياة القائد:ـ العاطفة لا تمثل الواقع هي مشاعر وليست حقائق ماثلة للعيان، فنحن نعرف مثلك فدائية هذا الرجل، وقد خبرناه في الانتفاضة الشعبانية.
وبعد مرحلة الانتفاضة نجا من الجلاوزة بأعجوبة، لجأ الى أهوار العمارة، ليؤسس ويقود ويشارك في العديد من عمليات المواجهة مع رجال الامن وفدائيي صدام وغيرهم، وبعد سقوط العروش الخاوية اشرف على العديد من العمليات الجهادية ضد زمر الشر، وقرر الدفاع عن مرقد السيدة زينب (عليها السلام) في سوريا، ومن أوائل الذين نزلوا سوح الجهاد.
انا أتكلم عن قوة تحمل رجل يقدم كل ما لديه من أجل السلام، اشهد أني رأيت رجلاً يقاتل بلا ضغينة، ولا يتمنى الموت لأحد حتى للأعداء، فكان يتمنى لهم الهداية والرشاد، وأن يتوبوا من جرائم القتل، ويلتحقوا بركب الإنسانية، ومع هذا هو لا يملّ ولا يكلّ من القتال، كانت الإصابة بالغة، لكن رغم هذا بدأ يتماثل للشفاء، لكنه لا يستطيع السير الا بعكازتين، هذا ما جعل الجميع يتوقع ان لا يعود، لكنه عاد وابتسم لهم وقال:ـ من يتسابق معي انا اركض بأربعة اقدام، فكيف سيغلبني من يركض بقدمين ويضحك.
ولأني اعرف صاحبي خير معرفة، فلا تهمني استنتاجاتهم، فهم يروون ان القتال بعكازتين شبه مستحيل، لكن هذا الرجل الذي تعوّد ان يروّض قدميه على الانسجام مع اصعب الظروف، وحين عاد مكللا بدهشة المدهوشين، قال لهم: انا عدت من اجل ان أديم ابتسامة الأطفال.
وفي يوم 13/7/2015م وفي قاطع الصقلاوية، انفجرت تحت عكازيتيه عبوة ناسفة جرحت عكازة واستشهدت الأخرى، قالوا: رحم الله ذا العكازتين، قلت:ـ الرحمة عافية، لكن انتظروه سيعود لكم بعكازتين جديدتين.
أخترنا لك
يا حسين..

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة