قراءة انطباعية... الكتاب/ القتلُ آفة الإنسانية

2021/03/15

المؤلف/ السيد أحمد نوري الحكيم 
الناشر/ قسم الشؤون الفكرية والثقافية/ العتبة العباسية المقدسة
الجزء الأول
امتلك البحثُ جاذبيته من أهمية الموضوع المعروض، ومعالجته لإشكالية العصر الهائجة، ومناقشة النزعات بأسلوب منهجي يعتمد على القاعدة القرآنية، وعرض مرتكزات فكرية عبارة عن رؤى الرسول الأعظم(ص)، والأئمة(ع)، كوسيلة إجرائية، وسعى لاستثمار العلاقة القائمة بين المنهج والمرتقى الإجرائي عبر التأريخ؛ لمعالجة قيمة المؤثر..
 مقارنات خفية، تناقش المؤول المؤذي، مما أعدته بعض الفرق الضالة لذبح المسلمين من شيعة أهل البيت(ع) بعد تكفيرهم باسم الدين؛ فلذلك قدم الكتاب تعريفات مهمة عن القتل، باعتباره وباء يغرر الشيطان به.. وقد بيّن الأئمةُ المعصومون(ع) دوافعه، كظاهرة (الغضب) الذي يعد دافعاً مهماً من دوافع هذه الجريمة،  يقول الإمام الباقر(ع): (جمرة الشيطان توقد في قلب ابن آدم، وإن أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض).
ينصح الإمام(ع) بلزوم الأرض، وهي معالجة نفسية أخلاقية اجتماعية وفلسفية، تشد الإنسان إلى المكون الأصل، واستحضار جملة مقومات لخلق فسحة تأملية متروية لامتصاص فورة الغضب، ويستمد الكاتب من قضية هابيل وقابيل قوة استدلالية متماسكة، فصلها الأئمة(ع)، فقال الإمام الصادق(ع): (إن الله أوصى لآدم أن يدفع الوصية (اسم الله الأعظم) إلى هابيل وهو الأصغر فغضب قابيل، فأمرهما بالقربان، فقبل الله قربان هابيل..)، ومثل هذا الإيضاح يساهم في بلورة فهم واع لإحدى قصص القرآن، ويقدم القصة بجميع جوانبها، يقول الإمام الباقر(ع): (قرب هابيل كبشا من أفاضل غنمه، وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق).. وقد بيّن الإمامُ السجاد(ع) تفاصيل أخرى عن حيثيات الحكاية، فيقول: (عندما غضب قابيل توعد أخاه بالقتل، فعلمه إبليس أن يضع الرأس بين حجرين، وتعلم من الغراب عملية دفنه).
 وبحث المؤلف في الظواهر التكوينية للقتل، كظاهرة(الحسد)، والحسد إرساء مبدأ اعتراضي على الخالق (عزوجل)، وعدم الرضا عن قسمة الله تعالى، وقد عبّر الإمامُ الصادق(ع) عنه بـ(آفة الدين)، وكذلك (العصبية) التي عرض تفاصيلها الإمام زين العابدين(ع): (ليس من العصبية أن يحب الرجلُ قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم).
صياغات تميزت بسمو الشهادة البالغة مرحلة النضوج الفكري والإبداعي كممارسة تقويمية، فذهب الباحث إلى ظاهرات تكوينية أخرى لفعل القتل وهي(عدم القناعة)، ومنحنا فاعليتها السلبية؛ كونها سبباً لإنشاء قاعدة أساسية لطلب ما ليس له، ويولد منها الطمع، قال الإمامُ الصادق(ع): (من رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل).

(الطمع): ظاهرة تكوينية مؤثرة في قتل الأبرياء، وغرس الاستياء من الحق، استنكرها أئمة الحق(ع)، فقال عنها الإمامُ جعفر الصادق(ع): (ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله). وضوح الدلالة في المرتقى البحثي، منحنا أكثر من وسيلة إجرائية تحمل قيمها المعنوية، وتستحضر جملة مقومات تغني الموضوعة المعروضة، وتضمينها بسمات اليقين المعرفي؛ إذ فصل أبعاد القتل المشروع كـ(القتل لأجل الدعوة).
 وقد غيّرت الفرقُ المذهبية -التي لبست لبوس الدين- مسارها المعنوي، وارتكبت تحت هذه اليافطة القتل من أجل تصفية المدّ الشيعي المبارك.. وقدم الكتاب استقراءً فكرياً استباقياً للإمام الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ)؛ فالإمام(ع) يرى أن هذه الآية الكريمة تبشر بنشر لواء الإسلام في عموم الأرض، على يد الإمام الحجة الغائب صاحب الزمان(عج).
 ومثل هذه التفسيرات الواعية ستقودنا إلى تغطية فكرية شاملة لجميع أنواع القتل: مثل قتل المشركين، وقتال ناكثي العهد.. واعتبر يوم البصرة المهيمن على مسارات هذا الحدث، قال الإمام علي(ع) في يوم الجمل: (لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله عزوجل وبينهم..)، فقام إليهم يحاورهم، وحين عجزوا سألهم مال بيعتي تنكث؟! ...(فلم أجد إلا الكفر أو السيف)، كذلك قتل البغاة.. قال الإمام جعفر الصادق(ع): (جاء تأويل قول الله تعالى في قوله: (وقاتلوا التي تبغي) يوم الجمل، حين بغى القوم على أمير المؤمنين).
 وعن قتال المنافقين، وقتال قطاع الطرق، وبقية أنواع القتال، ومنه غير المشروع المباشر وغير المباشر كقتل النفس، قال جابر بن سمرة: إن رجلاً قتل نفسه، فرفض النبي(ص) أن يصلي عليه.. وتبرز منطلقات احترام النفس بالعديد من النواحي، فقد حرم الإسلام(المثلة) احتراماً لقيمة الإنسان، وفي وصية أمير المؤمنين(ع) لقصاص ابن ملجم: (لا تمثلوا بالرجل، فاني سمعت رسول الله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور).
 وحرم الإسلام قتل الأولاد، ووأد البنات بحجة أنهم بنات الله..
 مجموعة من الرؤى أثارها السيد أحمد السيد نوري الحكيم بتمعن وتأمل شغوف احتوى جميع أوجه القتل، كقتل الأنبياء، ليحمّل هذا المنظور بقصص تضيف لعملية التلقي مسعى جمالياً، وفائدة كمعلومة تركز المنحى التثقيفي، فكان مقتل النبي يحيى(ع) بسبب رفضه الموافقة على زواج الملك من بنت أخته، وكانت تعجبه كزوجة، فلما بلغها نهي النبي يحيى، سألت ملكها رأس يحيى واستجاب لها..!
 وكذلك رفض النبي إبراهيم(ع) عبادة الأصنام، ولو وقفنا عند المعنى الأبهى لمعنى إصدار هذا الكتاب، سنجد هناك حقلاً من المغزى التأويلي، باعتبار الراضي عن القتل قاتلاً أيضاً، كما جاء في زيارة الحسين(ع): (لعن الله من سمع بذلك فرضي به). ووصل السيد المؤلف إلى ذروة المحتوى القصدي، ليطلق حرمة دم المسلم، وحرمة الاعتداء عليه وعلى حياته، هي صرخة إسلامية مؤمنة تعري كل الحجج الواهية، فلا شيء شرعي يمكنهم من قتل شيعة أهل البيت(ع).

أخترنا لك
تل الزينبية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة