محطات من حياة الشاعرة والمربية.. سحر سامي الجنابي (رحمها الله)
2021/03/15
يرى النقد الاجتماعي أن البحث في سرديات التكوين الاجتماعي الأول
لولادة شاعرة شيئاً مهماً، لابد أن يكون مرتكزاً لأي مدخل يبحث في
تكوينها الفني من اجل اظهار العلاقة المتكونة بين المدون
الاجتماعي لتأريخ انسان وبين اشعاعات فنه الادبي. الشاعرة سحر
الجنابي من مواليد (3/5/1974م) في مدينة الحب والجمال والثقافة
والبساطة والحياة سدة الهندية، وعاشت في ظل أبوة نشأت النشأة
العسكرية، تجلت في انضباطية السلوك الممنهج، وأم بسيطة علمتها
الطبيعة العفوية.
وهذان السلوكان أسسا لها الانتماء الحقيقي للبساطة
والاعتماد على النفس لتحقيق حصيلة ثقافية اكاديمية، وهذه
المعيشة الخشنة التي تمخضت في ظل حروب وحصار قاتل انضجت لديها
روح الكفاح، والمثابرة، وصحوة الضمير، وروح التفاؤل، ومحبة
الناس، والحراك الواعي للابتسامة والحياة.
ثمة مقياس ضميري يعود للشاعر وآخر للناس المحيطين في
دائرة حياتية شهدت فاعلية النهضة الفكرية عند مدرسة، في ورقة
سيرة ذاتية وردتنا من اهل بيتها ورد فيها شهادة الاستاذة
اشراق عبد العباس فهي ترى ان سحر الجنابي تعد من افضل
المدرسات من حيث العمل الدؤوب والعطاء المثمر، كانت تجهد
نفسها من اجل ان تكون الأم المثالية الحنونة للطالبات، مع
وجود اسلوب خاص عركته الحياة الادبية عند سحر الجنابي؛ لتكوين
علاقة صداقة اثرت ابداعياً في الطالبات، وكونت منهن براعم
ادبية، حصلت المدرسة بوجودها على العديد من جوائز الابداع،
وكانت حتى جوائزها الادبية الخاصة بمسعاها كشاعرة تعتبره من
جني المدرسة مع وجود شواهد كثيرة على مشاركاتها الانسانية في
مساعدة الطالبات من بنات العوائل المحدودة الدخل، ولها
مبادرات اجتماعية، اذ كانت تساهم في اصلاح الامور العائلية
للطالبات، ولذلك كانت السبب الرئيسي بعودة الكثير من تاركات
الدراسة الى صفوف الدرس والمثابرة بعد اقناع عوائلهن بجدوى
العمل التربوي.
وأسست للمدرسة اصداراً خاصاً بنشاطات المدرسة، وتنشر
فيها مواضيع ثقافية ودينية، وهذا بحد ذاته كان عملاً
مبدعاً.. ميزت مدرستنا عن بقية المدارس بسبق اعلامي غير
مشهود سابقا وكانت تحقق نسبا عالية، وتصر على تدريس السادس
الاعدادي للصفوف المنتهية.
وفي جولة مع طالباتها، كان هناك رأي لإحدى طالباتها
المقربات لها نفسياً تقول الطالبة فيض علي رحيم: كنا نحس
ونشعر بقوة ما تعانيه من خلال دقة ما تطرحه من دروس
وتحليلاتها الصائبة في كل موقف، مع رهافة احساس ترفع
الضيم دون ان تجرح أحداً، وكانت تصف المجتمع بإمعان؛ كي
لا نسقط يوما في اليأس، فقد زودتنا بقوة الاصرار على
الحياة، وتجاوز انتقادات المجتمع للمرأة وهي التي كانت
تطالبنا باستثمار سبل التواصل الاجتماعي من اجل تحقيق
الجرأة الادبية الصادقة، ولذلك خصصت وقتا لحل مشاكل
الطالبات الاجتماعية، وترفض التنابز، فلا تسخر طالبة من
اخرى مهما كان هذا التنابز خفيفاً.
وحدثتنا الست اميرة ناصر حسن مدرسة مادة الكيمياء
قالت عن زميلتها الاقرب في المدرسة: وفي زيارة بيت الله
الحرام لأداء العمرة، كان التزامها الديني والروحي يشكل
ابعادا لتكوينها التربوي.. اجتازت المرحومة الست سحر
الجنابي الكثير من الصعاب الحياتية، رحلت وحيدة دون ان
تعيش تجربة الارتباط الاسري كزوجة.. ومنع البكاء تكملة
الحوار، فكان بيت الشاعرة الفقيدة شاهداً على كل كلمة
قيلت بحقها.
تقول اختها نغم سامي راضي الجنابي: لقد فقدت
برحيلها الاخت والصديقة والأم.. مجيئكم فقط جعلني
أصدق انها ماتت، ورغم جنون المباغتة، قد حصنتني
المرحومة بالصبر.. ذهبت فذهب المعين والمعيل.. كانت
امرأة دائمة الحراك، كل حياتها شغل كل يومها عمل دون
أن تجلس او تنام إلا حين يأخذ منها التعب مأخذاً.
تقضي الليل كتابة وتأملاً، تسعى دائما لتطوير
قابليتها الادبية، تدرس في المدرسة ونشارك في
المهرجانات من اجل ان تقدم لنا ولنفسها غداً زاهياً
بالأمان، وكتابة انموذج من السيرة الذاتية لشاعرة
موهوبة لابد ان تهيمن اسلوبايات حياتها اجتماعيا
وتعكسها ابداعيا على الروح الفنية، اذ يتماهى
المورد الاجتماعي مع حراك الكاتب؛ ليصوغ رؤية
تقيمية فنية تكون هي الاقرب الى حقيقة الواقع
الفني.
ولاشك ان للفطرة وجودا ابداعيا في حياة كل
شاعر، وكل رؤية نقدية لابد ان تتأمل في مناطق
الجمال؛ لتصل الى ما تثيره من احاسيس، بما تمتلك
من قدرات ابداعية. ونجد ان الشاعرة سحر الجنابي
(رحمها الله) قد امتازت بالتكثيف الجملي القادر
على خلق مساحة روحية، وهذا ما وجدناه في دواوينها
الشعرية: (على جناحي زاجل، وضفاف ملونة)، تنوعت
تجربتها الابداعية بين العمودي المتمكن، ثم قصائد
النثر التي تأتي بخبرة شعرية عبر امتلاكها لزمام
التمكن في العمودي، اي أن كتابتها للنثر لا يأتي
لعجز في الاداء الوزني.
ومن ثم كتبت الحر، ومن نتيجة التكثيف
الابداعي يولد التركيز المضموني لبلورة الحدث،
كما يؤدي الى حبكة اقناعية؛ لكونها كتبت
المباشر الشعري اي احتواء الواقع مع اقترانها
بقوة تخيلية لذات خصبة بالجمال.
ومن المؤكد ان لنا وقفة تأملية متعمقة
مع مجاميعها الشعرية... رحم الله شاعرتنا
الشابة سحر سامي الجنابي.. وسقاها الله من
معين هذا الولاء الحسيني المبارك.