شعرية السرد في رواية عبد شاكر

2021/03/14

رغم محاولة استيعاب الواقع وقراءته قراءة معاصرة، وإعادة انتاجه، اندفع السرد الروائي اتجاه التجاوزات المنطقية الواقعية، واحتضان الخرق المبدع، وتغريب السردي بتحقيق دلالات معينة، والاحتفاظ بالتفاصيل الواقعية الدقيقة.

 ومن ضمن محورية النص الروائي، وتشكيل مناخات ملائمة لتكون حاضنة فكرية تحتوي اللغة المجازية المعبرة، أسس الروائي عبد شاكر في روايته: (وجوه في ذاكرة رجل ميت) مشروعه الروائي بلغة شعرية لها دقة الدلالة، وقدرة الايصال، واحتواء تجربته المعاشة بواقع غير محدود, له امتداداته وتغيراته الدائمة, منذ استيلاء الطواغيت على منصة الحكم بالعراق، مرورا بالحروب المفتعلة، وثورية الانتفاضة الآذارية الشعبية،  ومعاناة الوطن الجريح في خضم الواقع وعمقه وثرائه، بواسطة انزياحات لغوية منثورة على طوال جسد المنجز، تصنع حراكا شعوريا يعطي مساحة تخيلية، نراها عبر متابعة الجملة الشعرية: (دكاكين (الجينكو) التي تبيع الفقر)، او نقرأ جملة (البيوت التي اورمتها الاحزان) ص7.

 وهذا يعني ان الروائي (عبد شاكر) وازن بين قبح تفاصيل الواقع الذي يصل بالمتلقي لحد القرف والشرخ الشعوري، وبين جمالية لغة انزياحية تخفف عن المتلقي الاحداث التي عايشها في مديريات الامن.

 انزياحات خفيفة الظل مثل: (عبق الامطار المخبأة بمعطف الشتاء)، ونقرأ ايضا في المسعى الانزياحي: (الجبل الشاهق الذي بقي رابضا فوق صدور السهول)، ومثل: (خوذة الواقع الملتهب) ص19.

سعى النص ان يعرض علينا المشاهد مفصلة وواضحة، تمنح الفرصة للراوي ان يروي كل ما يراه، مع اعطاء الرأي في كل شيء يريد ان يعطي الرأي فيه.

 رواية (وجوه في ذاكرة رجل ميت) انفتحت على التجريب في المستوى الشكلي  والمضموني، ليمسك الراوي بملامح الواقعية مع تجاوزات ابتكارية, لم تستعمل اللغة استعمالا مرجعيا، بل اتجهت نحو الاشتغال الاستعاري والانزياحي مثل: (سقط الصمت الى قاع النهر) ص27 (حاولت المدن الآمنة اخفاء عريها، بعد تجردها من كل شيء) (الصمت رعب داكن/ ايقظ فيهم كلس الموت رعشات مضطربة) ص75.

تنوع مستويات الحدث هو السعي لاحتواء شمولية الجذر الواقعي، وابعاد الملل عن المتلقي. وشعرية السرد التي اشتغل عليها الروائي (عبد شاكر) ابعدت منجزه عن السرد التقريري.

 ويرى معظم النقاد ان اللغة الشعرية تقوم بتمويه الواقع، بل تخلق مقاربات مجازية وجمالية لها وقعها المؤثر مثل: (النار اتت على اعمارنا كلها/ ثياب الملائكة/ مدن الموت المملح) بهذا يصل محتواه الشعري الى غرائبية اسلوبه السردي اذ يقول: (تداخل عندي الواقع بالخيال, اصبحا معا أسيري حالة من الكوابيس المتصلة والمستمرة, الاحياء والاموات اتحدا في مخيلتي) ص137، ليصل بنا الى خاتمته: (كانوا جميعا يطلبون مني أن أعود الى قبري, فقد اجاد الروائي (عبد شاكر) لعبته الشعرية، ليملأ بها فضاءه النصي، ويقدم لنا نصا روائيا مبدعا.

أخترنا لك
اتصال هاتفي من صديقي البهلول

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة