تذكرتك..

2021/03/11

- ألو... من أنت..

:- من أنت... أنا لم أعد أتذكر شيئاً... يبدو أن الشظايا عبثت في الذاكرة..

قلت له:ـ أنا متأكد بأني ما زلت في الذاكرة، سأنثر أمامك بقاياي لتذكرني، أنا الذي كنت دائماً أحدثك عن المنفى، فتحدثني عن الوطن، البقعة التي نسميها الوطن تتسع أحياناً وتضيق أحياناً أخرى، كنت أشعر بقربك الأمان، فلذلك اتبعتك كظلك، ألجأ اليك حتى في وحدتي، أراك أترقبك، وأنت تستلقي فوق التراب تسكنك المرارة:ـ حين يستلقي الانسان على التراب تنهض روحه لتحميه، ولهذا كانت روحك دائماً يقظة..

تذكرتني؟

:ـ لا لا للأسف.. لا لم أعد أتذكر شيئاً بعد يبدو أن الشظايا عبثت في الذاكرة، من أنت؟

قلت له:ـ حين حملتنا السيارة في آخر الجولات جنوب مدينة تكريت، واستقرت مواقعنا في قرية العوينات، كان الطقس حاراً، والأرض عطشانة، ورحت تحدثني عن تاريخ العطش، يبدو أن كل شيء هنا معد لهجوم كبير، وكاد أن ينفد الماء، سرعان ما اكتشفت السر، فهذه المواضع المنتثرة هناك احتلت موقعاً مهماً في قلب المعركة، رغم انها على أطراف غير مسوبة، لكنها أغلقت على داعش المنفذ الاحتياطي، ويبدو أن منفذهم الرئيسي قد سقط، ولذلك صار لابد عليهم من فك الحصار، وفك الحصار يعني خلق حصار متين حولنا.. 

الله عليك يا عزيز، كانت تسكنك البطولة والشجاعة واليقظة دائماً ويسكنك الوجع، في وسط هذا القتال المرير، ونحن قاب قوسين عن الموت، كنت توصيني بالحياة، اقتصد في عتادك وهم ينتظرون نفاد الحياة في جعب الرصاص، نرمي ونحلم بالحياة، تحلم تسجل ابنك محمد هذا العام في الروضة، وتحلم أن تشتري لزوجتك الحلقة التي باعتها ساعة عوز، وتحلم متى ستتخلص من الايجارات، ويكون لك بيت، وتحلم متى يعود السلام لبلد السلام.

عشت معك أخاف عليك ومنك أحياناً كنت أخاف أن تفاجئني بموقف لا أحتمله، فأنت وطن في رجل، حملت انين الشوارع والحارات، كل المدن فيك كربلاء، وجميع المحلات عندك المخيم، حتى في ضحكك كنت أشعر ببعض بكاء، الهجوم وشيك، وشيك جداً وأنت تقف امام الموت بشجاعة، قلت: اسمعوا.. لابد أن نباغت العدو، كيف؟

:ـ أولاً.. عليكم أن تعرفوا أن الدواعش جبناء يخشون المواجهة، لابد أن نهجم نحن على أقرب المواضع؛ لنتزود بالسلاح والمؤونة، وبهذا وحده سنكون قادرين على تحصين مواضعنا بعدما حاصرها الداعشيون، ونفذنا الهجوم بدقة، وكانت المباغتة مذهلة، أفقدتهم الصواب، لكننا تألمنا كثيراً؛ لكوننا جلبنا معنا ما يكفينا للمواجهة مقابل انا فقدنا احمد جاسم الزجاجي (رحمه الله) كربلائي وبيتهم في منطقة الجمعية.

تألمنا لكوننا اضطررنا الى تركه هناك، وكنت طموحاً جداً، وقلت لي: لا بأس.. سنأتي به، ها هل عرفتني؟

:ـ لا... لا لم أتذكرك رغم أن الصور جالت في رأسي.. لكن.. يبدو أن الشظايا عبثت في الذاكرة، رجاء قل لي: من أنت؟

قلت له:ـ في لحظة الهجوم الكبير والذي كنا نتوقعه كبيراً.. تمترسنا في أماكن مخفية لا تكشف بسهولة، واكتفينا بالرمي فقط في المواقف الحرجة؛ كي لا يكشفنا وميض الرصاص، قمنا نحصدهم حصداً أذهل جميع العقول، وربما ظنوا بأننا جيش، وليس حظيرة صغيرة، طالت ساعات المواجهة والدواعش عجزوا تماماً ماذا يفعلون معنا، كنت تقول لنا: انتبهوا لا تأمنوا الصمت، وفعلاً حدث ما لا نتوقع.. انتشر طيران قوات التحالف في السماء.

قلت: ربما جاءوا لإنقاذهم وتخليصهم من كماشتنا، قلت لك: انه طيران صديق، ضحكت حينها وقلت: امريكا لا صديق لها.. وبدأت الطائرات تقصف مواقعنا، تبحث عنا.. قطعنا الرمي واختبأنا عن الطائرات، وفجأة قصف موقعنا وتناثرت أجسادنا، ولم ينجُ من المقاتلين سوانا.. أنا عدت بلا قدم.. وأنت عدت بلا ذاكرة.. 

صرخ بفرح عارم: أوه تذكرتك... كيف حالك يا علاء.

أخترنا لك
في ذمتك كعبة مذبوحة الوريد.. يزيد...

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة