(ابن جبريل)

2021/03/10

يتميز عن الآخرين بثقته العالية بالأرض والبيوت وكل ما في قريته المهجورة، منذ اول الاحتلال الداعشي، يحدثني احياناً عن روح الألفة بينه وبين الأرض 

:ـ ذاكرة القرية مثل ذاكرة اهلها، تتوالد كما الاجنة في الارحام، ورماد الحروب هو نفس الرماد في اي زمان او مكان.. كان عيسى شاباً بسيطاً غير معقد التفكير، ليس في حياته سوى البيت، العائلة، القرية.. لم يألف حياة المدينة وخاصة حين يكون المأوى خياما اعدت للاجئين..

 كيف لهذا الذي عاش طفولته بين المزارع والحقول حيث الاشجار الكثيفة التي تصير ظلا للعابرين، والنهر المعرش بالأحراش والقرية المفتوحة الاطراف على سهل واسع الحركة، كيف يستطيع ان يعبئ كل هذا العالم الفسيح في جوف خيمة صغيرة مع العوائل النازحة..؟ ولذلك اجده قرر منذ اللحظات الاولى ان يغادر هذا العالم البائس الى عالم ارحب الى حيث المواجهة والقتال.

 وحدثني كثيرا عن حلمه الكبير:ـ سأدخل القرية رغم حواجز الارهابيين.. سأقف امام المحتلين، احاسبهم اقول لهم: إني ابن هذه القرية.. ابن ارضها وشجرها انا ابن نهرها.. فمن انتم؟ ومن أين اتيتم؟ وكيف تجرأتم على احتلال قريتي؟ سأدخل قريتي وأتجول في بساتينها وأذهب لأزور قبر أبي، سأقول له:ـ ابي انا اصبحت كبيرا وصرت اشبهك الى درجة مذهلة، كل الذين يعرفونك يسألونني:ـ هل انت ابن حسن جبريل؟ أجيبهم:ـ لا انا هو حسن جبريل.

سأقول له: أبي حزنت كثيرا حين فقدت بندقيتك، حملتها امي لتخبئها تحت العباءة، رفضت يا ابي قلت لها: بندقية حسن مزعل لم تُخبأ يوما في حياتها ابدا، فكيف تُخبأ اليوم تحت ظل عباءة امرأة وان كانت أم البيت..؟ فلذلك أ حرقتها يا أبي.

 سألتني حينها أمي:ـ لِمَ أحرقتها.. بأي شيء ستقاتل اعداءك بعد اليوم يا ولدي؟ اجبتها :ـ لا تقلقي يا أمي هذه البندقية التي زغردت في كل المواقف ولدت في اعماقي بنادق كثيرة.

 كنت اراه فرحا جدا حين استلم عدة القتال مع فرقة العباس عليه السلام القتالية وانضم اليها مقاتلا، اراه وكأنه يفور من شدة الشوق الى المواجهة كنا نجلس بانتظار الاوامر لنبدأ هجومنا لتحرير العديد من القرى، رأيت في جعبته قطعا من قماش ممزق، سألته عنها..؟ قال لي:ـ في اثناء توديعي من قبل اهالي المخيمات طلبوا مني ان اجلب لهم صررا من تراب القرية، ولهذا أعددت هذه القطع لهم، سر خلفي ولا تخش شيئا.. من الممكن الاعتماد عليّ، فانا من يعرف هذه الارض مداخلها، مخارجها، صخورها، اشجارها، وناسها.. وأنا أولى بحمايتها.

 اجبته: نحن جميعنا ابناء هذا المصير وحدتنا الاوجاع والوطن المدمى.

 وقف قبل بدء الهجوم بلحظات وهو يرمي قطع الاقمشة التي اعدها لتكون صررا للتراب الذي سيأخذه هدية لأهل المخيمات:ـ لا لن آخذ لهم حفنات تراب بل قررت ان اجلب لهم التحرير والنصر وصاح بعدها: الله اكبر.. ولا ادري كيف تحول هذا الفتى الى عاصفة لم أرَ منه سوى الغبار المتناثر من وثبته، واسمع صوته وهو يصيح انا ابن جبريل يا أرض..

أخترنا لك
لقاء مع أديب

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة