قراءة انطباعية في كتاب (الدعاء وأثره على المسلم) للباحث كامل حسين الجنابي

2021/03/07

لو سألني أحد: ما هو الكتاب الذي قرأته فأثر بك وجدانياً؟ لقلت فورا: انه كتاب (الدعاء وأثره على المسلم) للكاتب الاستاذ كامل حسين الجنابي؛ كونه باغتني بسطوته الشعورية المتمكنة بما يمتلك من حضور الفعل الحياتي والقيم الاخلاقية، وبهذا الهدوء الاسلوبي الذي اجاد التغلغل في شعورية المتلقي، جعلني ابحث في مؤثرات الجذب، وجدت ارتكاز موضوعه على شواهد قرآنية استحضرها كمشترك حضوري منذ مقدمته التي استشهدت بقوله تعالى: (ادعُونِي أَستَجِبْ لَكُم) وقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الداعِ إِذَا دَعَانِ)، ووجدت انه استطاع ان يمازج بين قيمة البحث المعنوية وأبعاده الفنية، فوصل الى روح الأدب التي تسري في مباحث الدعاء، يراه نداء بمعنى الاستعانة: (ادعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً..) (سورة الاعراف: 55).

ويراه عبادة، واستحضر وجدانية التعبير الدلالي لما تمتلك الشواهد من معان عميقة كقول النبي (ص): (الدعاء مخ العبادة)، وعن الامام الباقر عليه السلام: (افضل العبادة الدعاء)، والمعنى الذي يمكن استثماره لمعرفة معنى الحث القرآني على هذه المسألة باعتبارها تستند الى العقيدة والإيمان بالله، وتجاوز الظرف الانتقائي للحاجة، فيكون الدعاء بحالة الاحتياج شأناً مادياً، وإنما الدعاء ثناء بالتقرب اليه في كل الاوقات، عملية الجذب كانت عملية مدروسة من قبل المبدع الاستاذ كامل الجنابي؛ كونها توسلت الوسائط الروحية، وأضافت اليها التعابير الادبية وقوة الاستشهاد باعتبارها ثورة مضمونية، والكثير من التشخيصات البليغة لائمة اهل الخير (عليهم السلام) كتشخيص الامام الباقر (عليه السلام) ليثبت ان كثرة الرجاء افضل من كثرة القراءة: (قُل مَا يَعبَأُ بِكُم رَبِّي لَولَا دُعَاؤُكُم..)، او تشخيص لسيد انبياء الله (صلوات الله عليه وعلى اهل بيته): (أعجز الناس من عجز عن الدعاء).

القراءة النقدية في المشغل النقدي هي قراءة انطباعية بحتة تأثر وتأثير، وكانت الاستجابة الروحية بهذا الحماس هو مثار دهشتي، فهو قدم معالجة فكرية عززت الفعل الايجابي في منطقة شعورية اجاد الاشتغال عليها كمثال نأخذ تشخيص النبي (ص): (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وعززه بتفسير الإمام الصادق (عليه السلام): (اذا دعوت فاقبل بقلبك ثم استيقن الاجابة)، فسرها من قنوات الاحساس الشعوري اي روحية الدعاء وليس شكله الخارجي، وبهذا تكون الاستجابة التزاما.

وإشاعة روح الدعاء تعد مشروعاً قائماً، يبرز خصوصية المقومات الايمانية (هوية الاسلام)؛ لكونه يحث على السلوك الايجابي ويؤثر على الروح والجسد كقيمة من قيم تعزيز الثقة، فنجده يركز على تشخيص الرسول الكريم (ص): (من أعطى الدعاء لم يحرم الاجابة)، وهذا يعني ان ثمة حرص الى النهوض بقيم الاستجابة ورفض الكسل. كذلك نجده اشتغل على تكثيف الاسلوب الجاذب والذي يعني ضخ التشخيصات الموقعة بحكمة نبي كريم، وبعصمة ائمة اهل الخير (عليهم السلام)، موثقة بالعقيدة والأخلاق والتوادد، وإبراز قيمة الجوهر كدعوة الامام الصادق (عليه السلام) لحفظ ادب الدعاء والنظر الى كيفيته والسبب ومعاينته بالقلب والضمير، ومعرفة طرق النجاة والهلاك. واستخدم البحث التشخيصات المهمة بطريقة لا يشعر بها القارئ رغم كثرتها كالتشخيصات الواردة لمعرفة وجوه الدعاء وآدابه مثل: خفض الصوت، وسرية الدعاء مع وجود آداب ما قبل الدعاء: كالطهور، والتعطر، والصدقة، واستقبال القبلة، والإيمان يقينا باستجابة الدعاء.

وكل هذه الامور تعني ان البحث اجاد الولوج الى عمق الجذر الدعائي، وقدم صياغة مدروسة لجواذب التلقي الوجداني، وربط اهمية الدعاء بحضور النزاهة حسب تشخيص النبي (ص): (اذا كان مطعمه حراماً فانى يستجيب لكم)، وبهذه الجواذب كسر الباحث رتابة التدوين، ووسع شعورية النص البحث ودلالاته على الواقع المعاش، وانتج كتابا في غاية المنفعة والادراك.

أخترنا لك
زوج النور بالنور

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة