فجوات التدوين

2021/02/28

من الضروري الانفتاح خارج حدود العنونة، نحو فضاءات أوسع من التقيد بمرجعية محددة السمات، كي ندخل الفجوات بأمان، دون أن نتهم خصوصية احد ما... فأعظم الانجازات التي حققها الإصرار الشيعي، تبدو واضحة في جميع الدراسات المتباينة، وأقصد الجادة منها، والمرتكزة على علمية منهجية لابد أن تمر بها من قنواتها الصحيحة، تناقش الثورة الحسينية من منطلق قرآني، يرتبط بالمعنى الرسالي المحمدي النير، وبنظام سلوكي يكشف المديات التضحوية المبذولة للارتقاء بالأمة، وإلا فالقيم التنظيرية الأكاديمية غير قادرة بدونه على استيعاب المضامين الجهادية الفاعلة، حتى لو كانت ولائية... وبمجرد العودة إلى الأس القرآني من قبل أي كاتب كان هو اعتراف صريح بمرجعية الثورة الحسينية، و هو انتصار واضح للجهد الولائي المبذول للنصرة الحسينية... لكن تبقى من الأمور المستغربة المستفحلة هذه الأيام، هي عملية الخلط المقصود في الخطاب التدويني، مما يثير الكثير من الأسئلة... كيف ينتمي الإنسان لدين لا يعرف مفاهيمه ؟!!!! ولا يعرف كيف يصون محتوياته وإنسانيته كعقل وضمير وخلق وفكر وعمل وتطلع ؟!!!! بينما الجميع يدرك حيوية المرتكز المفاهيمي، كداعم للمنهج الإسلامي، ويغني المعنى الحركي، وأغلبهم يؤمن بأن الثورة الحسينية امتلكت مقومات تضحوية سعت للخير دون انتكاس أو ملل، ويميزها بأنها بعيدة عن التعصب والتحجر والضمور الروحي، وبعيدة عن المصلحية، لكن البعض منهم يعود فينحرف باتجاهات وسياقات لا يهمها مناقشة ثورة الحسين كقضية تاريخية إسلامية أ خبر بها الرسول (ص) قبل ولادتها، وترك لنا أحاديث شريفة عن هذه النهضة المقدامة... ثم تبدأ المناورة بتوزيع التهم على خارطة جسد الولاء الشيعي، مثل عدم تمكن الشيعة من الاستفادة المعرفية الثقافية الدقيقة للثورة الحسينية، وهذا قصور بحق التمازج الروحي الولائي مع الثورة، والذي لولاه لكان يُشتم علي (ع) إلى الآن على منابر المسلمين. ومثل هذه الأحكام العجولة تأتي نتيجة لقراءات سطحية تفسر الظاهرة الطفية، وكأنها تاريخ سياسي لا علاقة له بالجذر الرسالي.
ولعدم جديتهم في قراءة التاريخ المقدس بدقة، تجعلهم يتخبطون دون وعي يقدر أن يميز بين من سعى لترسيخ القانون الإلهي في الأرض، وبين من سعى لتركيز القانون الوضعي بدلا عنه... يمزجون بين السياسة الآنية والمعتقد... يطالبوننا باحتواء الآخر وهم يهدمون الآخر الذي هو نحن... يطالبوننا باحتواء الآخر دون أن يحملوا هذا الآخر مسؤوليته التاريخية... يتنصلون بازدواجية عما وثقته مدونات سنية شيعية، ليتمحوروا داخل تشخيصات مزاجية متفردة تترحم على القاتل والقتيل، بحجة التعايش السليم مع باقي المكونات الفكرية، يتهمون المنبر الحسيني بعدم امتلاكه مقومات ثقافية علمية واعية، والمشكلة إن مثل هذه التشخيصات الغير أكاديمية، تحفل بها الكثير من مدونات الأكاديميين، فتأتي عاجزة عن تشخيص الظواهر السلبية الحقيقية، ولا شيء لديها سوى نكران الجهد المنبري الحسيني، بكل ما فيه من منجزات تاريخية مهمة، تسعى بمساعٍ قصدية لمحاربة عنفوان هذه العفوية المبدعة، التي سلحت الوعي العام بثقافة دينية واعية... فلا يمكن لتلك المدونات أن تشاغب بانحيازات مسيسة على حساب القيم السامية باسم الثقافة والتمدن والشفافية، تطالبنا تارة بإلغاء تاريخنا والتركيز على المدون السلطوي، مع وجود أدلة قاطعة على عدم مصداقيته، وتارة أخرى تطالبنا بإعادة كتابة التاريخ، وتتهم المنبر الحسيني بافتقاده إلى المعاني الحضارية الشاملة، وانقياد خطبائه إلى صراعات سياسية، وهذا ما يفقد حسب وجهة نظرهم المرتكز الانفتاحي.
ونحن نطمح فعلا أن لا يكون المنبر يوما مكونا لردة فعل، بل نطمح أن نراه فعلا قائما بذاته، لكننا نرى أيضا أنه لا يمكن تأصيل الجوهر المعرفي، وتقوية المنبر بلغة منفعلة تتهم بدل أن تشيد دعائم المنبر، وتعمم بدل أن تبضع، تقول أشياء وتفعل تضادها، تغالي وتتهم المنبر بالمغالاة، دون أن تمد أصبع الاتهام في محله، يوما تستغل المخططات الفتنوية باسم الانفتاح الرؤيوي بتحليلات لا تختلف كثيرا عن فتاوى الدمار التي يجب أن يستنفر المثقفون الأكاديميون همتهم لفضحها، وفضح مرتكزاتها، وإلا فبوجودها لا يمكن أن يتم انفتاح حلمي تدونه الخطابات التدوينية. فالمنبر الحسيني هو بطبيعته مسعى من مساعي الصلاح والخير... لحمل مقومات الثورة الحسينية للارتقاء بالمستوى الإيماني العام إلى حيثيات شعورية، خلقت محصنات واعية لأي تماس فكري.
أخترنا لك
لقاء في منتصف فجر آخر

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة