قراءة في آليات التزود المعرفي

2021/02/26

تأخذنا الذاكرة ونحن نتصفح عوالم الانترنت المتشعبة، إلى ما قبل تسلمه زمام نشر العلوم والثقافات بين الشعوب، ولكن ما يلفت الإنتباه حقا، هو أن الفترة التي كان الإعتماد فيها على الكتب والمكتبات والمناهج الدراسية في تحصيل المعلومة، والتثقيف الذاتي، كانت تلك الفترة غنية بالتنامي المعرفي المبني على أسس رصينة، متربعة على الذات الإنسانية، حتى باتت جزءا لا ينفصل من الذهنية، وإن تقادم بها الزمن... 

والمتأمل بين الوعي المعرفي الذي يرفدك به طيّات كتاب، وبين ثقافة التلفزة والانترنت يرى بونا شاسعا من حيث السرعة في إيراد المعلومة، والكم الهائل من المعرفة المتنوعة التي لا تخلو من الغث والسمين، وكل من هب ودب، يدلو دلوه في عالم من التلقي المفتوح على مصراعيه، ودون عملية انتقائية التي إن توفرت فهي لا تخلو من الإتكالية، وعدم التجذّر في الذهنية العامة، ونفادها ونضوبها الذي يكاد أن يكون واقعا مزمنا وملازما للعقلية المعتمدة على ذلك الطريق من الإنماء المعرفي... لذا يبقى للمكتبة والكتب والتواصل معها مما لا غنى عنه، باعتبار التأني والإنتقاء والإستقصاء، ناهيك عن السلامة الجسدية، بعد ثبوت الآثار الصحية السيئة لكثرة استخدام الانترنت والجلوس أمامه طويلا...

فهل لثقافة تأتي بسرعة وتذهب بسرعة من دور في عملية الخلخلة والتغيير في منظومة المفاهيم أم هناك قراءات متأنية للمكتبة الإنسانية التي حوت أقطاب الفكر، وطرق الحراك المبوب بمنهجية فائقة؟ وليس هذا بمجمله معناه أن الانترنت بجملة الدراسات والبحوث والمقالات الواردة فيه لايصب في مجال خدمة الدارس والباحث - بل بالعكس - فدوره يكون عاملا قويا في سرعة انجاز التدوين، ولكن لا يعتبر أساسا مرجعيا لعملية صنع شخصية لها ثوابتها المعرفي الرصينة، حيث تنعكس في الكتاب المقروء معاناة القارئ الفرد من خلال الإمعان في تقصي المعلومة، لتشارك كل مقومات تكوينه الرئيسية: الجسمية، النفسية، الاجتماعية، بكل ما لهذه الكيانات من أبعاد وتأثير ومكونات، يتم بتداخلاتها بعضها مع بعض، وتفاعلها جميعاً ضمن عملية خلق الذات والبيئة والمجتمع، وإحياء التفاعل الثر مع المعطيات والإسقاطات المجتمعية.

وتتوقف قيمة الكاتب وما يكتبه على مدى قراءاته وسعة اطلاعه، ومدى ارتباطه بالحياة، وقدرته على التأثير والبقاء، كمدافع عن الهم العام، والشعور بواجب التنبيه عن مواطن الخوف والوجل للحذر منها، ومن مواطن القوة لتعزيزها في مجتمعه، وهذا ما يحقق جانباً كبيراً من الإبداع الذي يتوقف على نبل القيم والأهداف التي يناضل من أجل تحقيقها في الإنسانية، وعلى وضوح تلك القيم والأهداف ومدى توافقها مع الطبيعة والماهية الإنسانية التائقة للكمال، وأساليب العمل من أجل بلوغها.

أخترنا لك
(أنا صرفت الناس فانصرفوا) في استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة