أنا صديقكم (جيب ايشيل) ألماني أعمل طبيب عيون، فرحت كثيرا حين
وردتني بطاقة تهنئة بتعييني رئيسا لبعثة علاجية لأمراض العيون في
الصومال. نعم أفرحتني لأني سأكون رئيس بعثة انسانية تحمل الخير
والعلاج للناس هناك. لكن قبل أن استلمَ مهام عملي، وردتني برقية من
رئاسة منظمة (التنصير) تطلب حضوري الى انكلترا لقضاء فترة
تدريب!!
لم أكن اعرف نوع هذا التدريب إلا بعد وصولي انكلترا، فأنا عضو بعثة
تنصيرية اتخذت خطتها مشروعا لتنصير الأفارقة، وكانت الصومال هي
المنطلق الأول، وأعدت هذه البعثة مشروعا علاجيا لأمراض العيون كحالة
تخفي وترغيب لادخال الصوماليين للديانة المسيحية. قلت مع نفسي:
لابأس فذلك يحقق لي منجزين؛ الأول: مادي معنوي شخصي دنيوي. والثاني:
ديني تبشيري ينفعني في آخرتي. وهكذا ذهبت الى الصومال متوّجا برئاسة
تحيطني هالة الوقار والاحترام من الجميع كرئيس بعثة اطباء، تعرفت
على رجل مسلم يدعى (محمد حسين باهور) شخصية مثقفة.
ارتحت اليه كثيرا ورحت احلم كيف سأكسبه الى ديني، وبعدها يكون
منطلقي الى مجاميع المسلمين هناك. جميع افراد البعثة حذروني منه،
لما يمتلك من اعتداد بهويته الدينية والانسانية. صرت افكر به كثيرا،
أراه في أطيافي حاملا في يمينه كتاب دينه، وانا احاول أن اسلبه منه،
لتكون اول خطوة لي في النجاح. حدثت مفاجأة كبيرة حين دعاني الى
بيته، وصار الموضوع لي اجمل، هناك استطيع ان أؤثر فيه، وأفتح مناقشة
لابد ان تنتهي لصالحي لما احمله من مميزات ثقافية عالية اضافة الى
دورة تنصيرية علمتني كيف احاور وكيف اصطاد فريستي.
دخلت الدار فوجدت هناك رجلا كبير السن يستقبلني بلغة انگليزية
طليقة، عرفت انه والد صديقي، ففرحت به كثيرا، شعرت بسعادة وانا اجذب
مضيفي بالحديث عن المسيحية بينما هو ينصت لي بانصات تام. قلت مع
نفسي خلاص اني كسبت الرجل، ومثل هذه الشخصية اكيد ستؤثر بتنصيرها
على المنطقة كلها لكن الذي فاجأني ان الرجل كان يمسك بنسخة من
القرآن، وسألني حين أتممت كلامي كله: أتعرف هذا الكتاب؟ قرأته
فجعلني ادرك اولا ان المسلمين يحبون المسيح، ويعترفون به نبيا، وهذه
القضية لم تكن في بالي من هذا المستوى من الاحترام ثم طلب مني ان
أوجه له اي سؤال عن المسيح او الانجيل لأن في القرآن كل شيء.
وهنا بدأ الحاج (ابو محمد) يدخل الى أعماقي واخذت زيارتي تتكرر على
بيت صديقي حتى تم تحذيري من قبل اللجنة المراقبة للبعثة، وطلبوا مني
عدم الذهاب الى بيت (محمد حسين) لا استطيع ان انقطع عن دار علمتني
كيف انظر الى الله تعالى الذي بلا ولد، وعلمتني حب الرسول واهل
بيته، صرت ابكي لمصيبة الحسين عليه السلام أشياء غريبة تسافر معي
الى عوالم الطف الحزين، احلم بالحج وزيارة قبر النبي (ص) وائمة
البقيع عليهم السلام... الان اشعر ان الدمع هوية كان سخيا عن مقتل
صديقي محمد قتلوه، واغرب ما في القتل انه قتل على يد مسلمة كما
يقولون.
ازداد حينها ارتباطي بأبيه اراه وهو يعيش المصيبة يتذكر الحسين عليه
السلام ويقول: ساعدَ اللهُ قلبَ الحسين وهو يرى ابناءه يُذبحون
امامه، وساعد الله قلب الزهراء عليها السلام. عجيب هذا الرجل خلق لي
ارتباطات وكأنها كانت موجودة فيه وبعدها بمدة وصلني كتاب من المنظمة
يطالبني بالانتقال الى (كينيا) وابي يطالبني بالعودة الى المانيا
وبعدما قررت أن أكتب لهم رسالتي: اطمئنوا كل شيء على مايرام انا صار
اسمي عبد الحسين وسأعيش هنا، واموت لأنجز رسالتي كطبيب مسلم أعرف حق
الله.