من الطبيعي ان يكون الفعل التأثيري في النص الموروث واضحا في مرجعية كل نص تدويني ينقل لنا حيثيات المعتقد الديني والبحث في سبيل شرعياته، ويعد هذا الفعل ناتجا من النتائج النصية ذات الأثر الواضح من انعكاساته على المتلقي فكريا، كما له تأثيرات واضحة على الذائقة الفكرية من خلال تشعبات البنى المنهجية التي ستعمق قيمة الاداء، وفي سلسلة المشتركات الفقهية بين السنة والشيعة الامامية والتي تصدرها وحدة الدراسات - الاعلام - قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.
الكتاب السادس بعنوان الشفاعة والتوسل بالأنبياء والأولياء:
لقد خُصص القسم الثاني من الكتاب بموضوعة الشفاعة، وسعيا لاحتواء فاعلية البنى التكوينية، سلط الضوء على دلالتها اللغوية كتعريف يراه ابن منظور: طلب... والشيخ جعفر سبحاني عنده تعني المزاوجة بين جهود الوسيط مع عوامل الإنقاذ... ثم يذهب البحث باتجاه المنهج القرآني، وكشف العمق الثري للشفاعة، ليكون الحراك البحثي منسجما مع المسعى القصدي كنسق معرفي له قدرات الاحتواء المعبّر عن وعي الادراك لدى المتلقي كاشفا عن قسمي الشفاعة دنيويا واخرويا بفعل حيوي، ويذهب لإستيعاب البُنى المرجعية المتنوعة.
اولا: الشفاعة عند اهل السنة:
يرى البيضاوي ان من حق الرسول - صلى اللهُ عليه وآله - ان يقبل اعتذار التائب، ويشفع له بالتوبة، وهذه كرامة إلهية للأمة حيث امر نبيهم ان يستغفر لذنوبهم، وهو الشفيع المجاب فيهم، ويرى ابن الجوزي: ان الله تعالى امر نبيه بالاستغفار من المؤمنين والمؤمنات احتراما لهم، بينما نرى السيوطي يأتزر برؤية ابن عباس بأن استغفار النبي - صلى اللهُ عليه وآله - للأمة وصفه الله تعالى: (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وتعني سكينة.
ثانيا: الشفاعة عند اهل البيت عليهم السلام:
محاولة جمع البنى الاستشهادية لرموز المذهب الشيعي يعد مدخلا من مداخل الاحتواء الأمثل للتكوين العام؛ فالشيخ الكليني اورد في باب زيارة المدينة عن معنى السؤال والحاجة، وطلب الشفاعة... والشيخ الطبرسي قال بما يراه البيضاوي وهو اصلا ما يراه ائمتنا ائمة الخير بأن النبي - صلى اللهُ عليه وآله - هو الشفيع المجاب.
تطرّق البحث في فصل خاص عن شبهتين لابن تيمية، واردف بردهما، وما هو واضح للمتلقي ان ابن تيمية يتلاعب في تفاصيل السرد، ويموّه عباراته باتجاه غايات مرسومة في دواخله اي قصدية التحريف التأويلي، فينتقي من القرآن الكريم ما يغذي دلالات التأويل باسلوب المراوغة الدالة على مرموز مختلف، فيذهب مثلا الى ما ينفي الشفاعة عند المشركين مثل قوله تعالى: (قُلْ للهِ الشَّفاعَة جَمِيعاً لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ثم إِلَيهِ تُرْجَعُونَ) وهذا المعنى موجّه لعبدة الاصنام ممن اعتقدوا من انها تقربهم الى الله سبحانه وتعالى، وهذا العمل لم يفعلـْه مسلم، ولم يدّعيه، وانما استغل ابن تيمية تشابه الألفاظ والمغزى المعد لموضع مسبق، وهذا يعني انه حاول تسطيح البنية الدلالية وتعميم مميزاتها الخاصة الى مسؤولية غير مسؤولة، لكونه يسعى وعن قصد لتجزئة المعنى الكلي لصالحه، ولو اكمل المشوار لتناقض مع تأويله عند قوله تعالى: (مَنْ ذَا الذِي يَشفعُ عِندَهُ إِلا بِإِذنِهِ) او عند قوله تعالى: (لا يَمْلِكُونَ الشفاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) واعتقد ان الدلالة واضحة عند الله تعالى: (يَوْمَئِذٍ لا تَنفعُ الشفاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمنُ وَرَضِيَ لَهُ قولاً) واما في الشبهة الثاني فقد ناقض ابن تيمية قول الله تعالى حين ظن بأن الشهداء والأنبياء موتى، وعند المعنى الكلي نجده قد خالف علماءه الشافعي، وابن حنبل، والمقدسي، والعتبي، والكثير من العلماء جاءُوا قبله وبعده.