كربلائيّات ( تكملة)

2021/02/25

ذكريات المدينة المقدسة
قال احد الشهداء: لقد كتب الحسني عن عمران كربلاء، فقال: تُقسم المدينة الى قسمين؛ (كربلاء القديمة): واقيمت على انقاض كربلاء العريقة. والقسم الثاني: (كربلاء الجديدة) خُططت في زمن (مدحت باشا) واقيمت على ارض سبخة، تسرّبت إليها المياه فتآكل أسس الجدران، ويحيطها مستنقع كبير هو علة وجود امراض مزمنة، تجعل ساكنيها صفر الوجوه، هزيلي الاجسام، معرّضين للأمراض المختلفة... 
قال شيخ وكان لصيقا بجدي لايفارق مكانه دائما بجانب الجد: يا ولدي لقد كرر المؤرخ (رزوق عيسى) ما قاله (الحسني) لكنه اضاف... وعلى مسافة ميل من جنوب البلدة الجديدة منزل واسع للزوار، وأما البلدة العتيقة فطرقها معوجة، ودورها متجمعة، وارتفاع سورها يتراوح بين (20 – 30) قدما وهو مبني بالآجر، وفي اعلاه برج. ويصف كذلك الاستاذ (عبد الرزاق الظاهر) كربلاء وصفا شعريا جميلا، ووصف (ابو طالب خان) الرحلة الى كربلاء... 
اكمل احد الشهداء المعجبين بتدوين (ابو طالب) الذي كتب عام 1803م: 
التقيت قاضي كربلاء (ملا عثمان) وكان عائدا الى كربلاء، وهو رجل سني، ورأيت بين كل ثمانية اميال خانات مسافرين مبنية بالآجر تشبه الحصون، ويندر ان يقيم بها المسافرون، وقضينا الليل في خان (المزراقجي) والتقيت حاكم كربلاء (أمين أغا)... 
اكمل الموضوع شاب من الشهداء: تشكل قصبة كربلاء من عدة محلات او اطراف؛ فالطرف الاول: محلة آل فائز (باب السلالمة ) والقسم الشرقي، وقسم من باب الطاق، وبركة العباس. 
اما الطرف الثاني: محلة آل زحيك (باب النجف) وباب الخان. والطرف الثالث: (آل عيسى) وتشمل؛ القسم الغربي من باب الطاق، ومحلة المخيم. وبعد ان اتم السيد علي (الطباطبائي) بناء سور كربلاء، جعل له ستة ابواب، واستبدل اسماء الاطراف بأسماء الابواب. ولدى مجيء الوالي (مدحت باشا) هدّم قسما من السور من جهة باب النجف، وأضاف طرفا آخر للمدينة. 
قلت:ـ لابد انه (العباسية)... 
وأكمل الشهيد: نعم تلك التي قسمت نفسها الى قسمين: العباسية الشرقية، والعباسية الغربية، فاصبحت لكربلاء ثمانية اطراف... 
ورحت اعدد لهم اطراف كربلاء؛ محلة باب السلالمة... 
فقال الشهيد: وسُميت بذلك نسبة الى العشيرة العربية المعروفة (السلالمة) التي قطنتها. 
قلت: ومحلة باب بغداد... والتي تُسمى ايضا (باب العلوة) نسبة الى وجود (علوة) لبيع المخضرات على ما اظن... 
فقال جدي مؤكدا: صحيح ذلك... 
فقلت: ومحلة باب الطاق، وسُميت نسبة الى طاق السيد (ابراهيم الزعفراني) ومحلة باب الخان نسبة الى وجود خان كبير، ومحلة المخيم نسبة الى وجود المخيم الحسيني، ومحلة باب النجف، ومحلة العباسية...
فعقب جدي: وفي عام 1956م استحدث متصرف كربلاء حسين السعد (حي الحسين) ثم توسعت كربلاء واستحدثت احياء كثيرة مثل: حي المعلمين، وحي العباس، وحي النقيب، وحي الثورة، وحي الحر، وحي رمضان، وحي الصحة، وحي الاسكان، وحي الاصلاح الزراعي، وحي القزوينية، والعدالة، والبنوك، والانصار، والموظفين، والبلدية، والعروبة، والسعدية، وحي العلماء، والمعملجي، وحي التعليب، وحي العامل... وانت تعرف باقي الاحياء التي استحدثت في زمانكم. وفي كربلاء الكثير من العمارات مثل (عمارة البهرة) والتي كان فيها مشروع اسالة ماء، ومؤسسة كهرباء، وصيدلية توزع الادوية مجانا. ومنها بناية دائرة الماء والكهرباء، وصرح الحكومة، ودائرة البرق والبريد، وعمارة القنصلية الايرانية، وعدد من الفنادق الكبيرة، ومكتبة للاوقاف، ومكتبات تجارية كثيرة... اضافة الى الكثير من المباني التي أنشئت حديثا... 
فقال جدي: في اوائل القرن التاسع عشر الميلادي دُمِّرت كربلاء من قبل الوهابيين، فهبّ لها احد ملوك الهند، وبنى في البلدة اسواقا وبيوتا اسكنها بعض من نكبوا، وبنى سورا حصينا لصد الهجمات، واقام حوله الابراج والمعاقل، فأمنت على نفسها، وعاد اليها الرقي والتقدم. 
فقال الشيخ صديق جدي وصنوه: وفي ايام الوالي (مدحت باشا) وكان ذلك عام 1871م بُنيت الدوائر الحكومية وعدد من الاسواق. 
فقلت: ياجد روى السيد سلمان آل طعمة عن (سوق البزازين)، والذي يُسمى عندنا (سوق العرب)، وقال انه كان يُسمى (سوق مدك الطبل). 
فعقب احد الشهداء:ـ لأنه كان سوقا للصفارين. 
فقال الجد: هل تعرف من بنى سوق القبلة؟ 
فأجبت:ـ هو السيد (احمد الدده) وكان السوق عبارة عن مجموعة دور، وخان كبير. ويروي السيد سلمان هادي آل طعمة طرفة التالية: (وضع احد الولاة (الجمّالي) أي المسقفات على سوق باب القبلة، فهزجوا له: 
(الله يديمه الوالي... سوه السوك جمالي) فضحكوا... 
وسألني احد الشهداء: هل مازالت اسواقنا موجودة؟ 
قلت: عن أيهما تسأل؟ 
فقال: سوق الحسين، سوق التجار الكبير، سوق العباس مثلا... وسوق الزينبية، وسوق العلاوي، وسوق باب الخان... 
قلت له: اطمئن فالأسواق قد كثرت، وخاصة اسواق الأحياء، وكثرت عندنا الفنادق...
فابتسم احدهم وقال: كان من اشهر المباني الحكومية الفخمة في كربلاء هو فندق كربلاء في حي الحسين؛ حيث كان يأوي الزوار والسائحين... 
فقال جدي: لقد تأخرت يا ولدي، قم ارحل سالما، وتذكر فقط ان مدينة الحسين اشتهرت بمواهب اهلها من الشعراء، والكتّاب، ورجال العلم والدين... 
وعقب صنو جدي الرجل الشيخ: واشتهرت بصناعاتها الفنية الشعبية الدقيقة؛ كصناعة السيراميك، والقاشاني الملون المنقوش بالصور الجميلة، والنقش على النحاس، وعملوا لوحات فنية متكاملة... 
فقال آخر: كانت كربلاء مجبولة على الصناعة اليدوية، وتعتبر مركزا لصناعة النحاس (الصفر) وراجت صناعة (السماورات) وصناعة الترب، والصياغة، وصناعة الأحذية(البستجة)، وصناعة الأواني النحاسية والبرونزية، وصناعة الغزل والنسيج، والصناعات الفرعية الاخرى...
وكأن الجد اراد ان ينهي اللقاء خشية على تأخري... فقال: هي كربلاء ياولدي مدينة الحسين عليه السلام وهي دائما فوق وصف الواصفين.
أخترنا لك
الناقص من القراءات

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة