من جواذب اي منجز ابداعي هي ان يضعنا بمواجهة احاسيسنا مباشر ة وامام هذا المنجز عشت احساسين متناقضين متضادين اولهما الاحساس بالامتعاظ مما يفعله الجناة الاوباش ضد اهل بيت الرحمة ومثل هذه الاعمال لابد ان تورثنا الكره ضد أي فعل مشين يظلم الانسان ..
والاحساس الثاني احساس ايماني يثير فينا الولاء لآل البيت عليهم السلام لكون المنجز نفسه يسلط الضوء على التضاديين ولايكتفي النص بان يرينا النقيض الخارجي وانما يريد ان يدخلنا الى الذوات المتناقضة لتعرف مواقفهم ومفاهيمهم في الدين ـ السياسة ـ الحرية ـ ولندخل معترك الصراع النفسي التضادي من خلال مفهوم الحوار وتحديد الحيز الايماني ... أي اننا سنعتمد بادراكنا على وجهتي نظر احداهما للرمز الذي يمثلنا في الواقعة والثانية للنقيض وبهذا ستتضح الرؤية من ذات الخصائص والانشطة التي يقوم بها المفهومان وندرك خصائصهما المستترة عنا ونحس ان ثمة تحليلات في دواخلنا نحن لكوننا سنشارك في الواقعة من خلال النص فعندما أمر الحسين (ع) بحطب وقصب يجلب من وراء البيوت وا ن يترك في خندق ، كانوا قد حفروه في ساعة من الليل ليحمي ظهورهم مخافة ان يقاتلوهم من وراءهم فنفعهم ذلك ، واقبل عمر بن سعد نحو الحسين عليه السلام واقبل جنده يجولون حول البيوت فيرون النار تضطرم في الخندق فنادى شمرا
:ـ ياحسين تعجلت بالنار قبل يوم القيامة . فقال الحسين عليه السلام من هذا؟... كأنه شمر .. قيل :ـ نعم . وقال (يا بن راعية المعزى أنت أولى بها صليا ) فنجد ان الحوار قد امتلك قدرة التركيز والايحاء وكأننا نعيش اجواء معركة الخندق وتمرد الاحزاب واعتمد المنشىء على الحس لدرامي من خلال تعدد شخوصه المحورية والتي ساعدت على تنامي الحدث العام ، ولو قرأنا المحاورة التي دارت اثناء خطبة الحسين عليه السلام عندما قال :ـ أولم يبلغكم ما قال رسول الله (ص) لي ولأخي ، هذان سيدان شباب أهل الجنة ، فان صدقتموني بما اقول وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت ان الله يمقت عليه أهله ، فان كذبتموني فأن فيكم من اذا سألتموه ذلك أخبركم .. أسألوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك والبراء بن عازب ـ يخبروكم فهم سمعوا هذه المقالة عن رسول الله (ص) اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ فقال شمر بن ذي الجوشن :ـ هو يعبد الله على حر ف ان كان يدري ما تقول فال له حبيب بن مظاهر ـ والله أني لا اراك تعبد الله وعلى سبعين حرفا وانا اشهد انك صادق ولا تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك ، اذا تأملنا هذه الحوارات سنصل الى مفهوم أحساسي حيث شعورنا باستقلالية المحاور الايجابي وتبعية الرمز السلبي وذلته ، فحين يسألهم الحسين (ع) :ـ ( أنشدكم الله هل تعرفوني ؟ قالوا نعم انت ابن بنت رسول الله وسبطه .. فقال أنشدكم الله هل تعلمون ان جدي رسول الله (ص) قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان امي فاطمة بنت رسول الله ؟ قالوا اللهم نعم . قال :ـ انشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامة اسلاما ؟ قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ قالوا اللهم نعم . قال :ـ انشدكم الله هل تعلمون ان هذا السيف هو سيف رسول الله انا متقلده ؟ قالوا :ـ اللهم نعم . قال أنشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله انا لابسها ، قالوا اللهم نعم . قال انشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان اول القوم اسلاما واعلمهم علما واعظمهم حلما ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا :ـ نعم . قال :ـ فيم تستحلون دمي وأبي الذائذ عن الحوض يذوذ عنه رجالا كما يذاذ البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة ، قالوا :ـ قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشانا )
ومثل هذه المحاورات تغنينا عن اللوائح التعريفية وتغنينا عن تقديم الشخوص وتغنينا ايضا عن اي استهلال فنحن لا نحتاج الاستهلالات بقدر احتياجنا للعمق الحواري والذي سيكشف لنا العمق التكويني لكل شخصية فمثلا محاورة ( وهب أبن حباب الكلبي ) وهو نصراني اسلم على يدي الحسين عليه السلام حرضته امه لنصرة الحسين وعارضته زوجته لكنه وجدها بعد حين في المعركة ، فسألها مستغربا :ـ الآن كنت تنهيني عن القتال ، والآن جئت تقاتلين معي ؟ قالت :ـ يا وهب لاتلمني ان داعية الحسين كسر ت قلبي يا وهب ، رأيته جالسا بباب الخيمة وهو ينادي واقلة ناصراه ... فنجد ان لكل حوار ثمة وظيفة ، حوار يحتوي الكم الوجداني العاطفي وحوار يحتوي الكم الوجداني العاطفي وحوار يحتوي الصلابة الروحية وابراز صلابة موقف أو تضمين لبطولة وجدية التضحية والاصرار على الشهادة وهي ابعاد تكوينية تشكل بؤرا نفسية والانكسار العسكري يتمحور ليصبح انتصارا معنويا للدين وللانسان ويفهم كل مثقف ان مثل هذا النصر كان غاية الرمز التأريخي فحين يصيح الحسين :ـ ( ويلكم يا شيعة آل ابي سفيان ، أن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافوا يوم المعاد فكونوا أحرار في دنياكم هذه وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ، :ـ ماذا تقول يا بن فاطمة ؟ قال :ـ أني اقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم من التعرض بحرمي ما دمت حيا .. قال أقصدوني بنفسي واتركوا حرمي قد حان حيني وقد لاحت لوائحه . فقال الشمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح ... اليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه لعمري هو كفؤ كريم ...
****
&& تعدد صوت الراوي &&
يسعى المنجز للانتقال من صورة لآخرى من خلال تنويع الصوت ( الراوية ) والغرض المتحقق من هذا التنوع هو لأبعاد الملل الذي يخشى ان ينتج من طول النص ويساهم تنوع الصوت في دخول العمق الحدثي فينوع لنا زوايا التقاط الحدث وعندها تنكشف تجارب مختلفة تنتمي الى ظاهرة واحدة منتظمة هي ظاهر ة النص فتجدد لنا بين فترة وفترة ايقاعات الروي وبطبيعة الحال لايستطيع المنشىء في مثل هذا النص ان يستعين بذاكرته وانما بذاكرة الحدث نفسه لتنكشف كل جوانب الصراع منها تبرز الموضوعات الدلالية لأسس التكوين الخاص والعام ، وهذا ما سيولد لنا حالات فكرية لها عمق جذري في الحدث واذا قرأنا شهادة ( مسروق بن وائل الحضرمي ) :ـ ( اقبل قوم يزحفون نحو الحسين (ع) منهم( عبد الله بن حوزة التميمي .. فصاح أفيكم حسين ؟ وفي الثالثة قال اصحاب الحسين (ع) هذا الحسين ماذا تريد ؟ قال يا حسين أبشر بالنار!! فقال الحسين :ـ كذبت بل اقدم على رب غفور مطاع شفيع فمن انت ؟ قال انا حوزة بن عبد الله التميمي فقال الحسين عليه السلام :ـ اللهم حزه الى النار ... فغضب أبن حوزة فاقحم الفرس اليه وكان بينهما نهر فتعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها وانقطعت قدمه بالركاب ، وجالت به الفرس فسقط عنها وانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى الآخر معلقا بالركاب وأخذت الفرس تضرب به كل حجر وشجر حتى مات ... وكنت في اول الخيل ، التي تقدمت لحرب الحسين (ع) لعلي اصيب راس الحسين فاحظي به عند ابن زياد فلما رايت ما صنع بابن حوزة عرفت ان لأهل البيت حرمة ومنزلة عند الله وتركت الناس وقلت لاأقاتلهم فأكون في النار ) لو تأملنا في بعض بؤر الدلالات لوجدنا .... ان هذه الحادثة تعد معجزة من معجزات الطف وتعطينا الدوافع التي كانت تعتمر نفسية المقاتل الضال ولنعيد قراءة هذه الجملة ( لعلي اصيب راس الحسين فاحظي به عند أبن زياد ) ويعني البحث عن حضوة الامير كانت هي الدافع الاول وليس هناك مبدا ـ ليس هناك دين وجهاد وطموح بل هناك طمع وثم ننظر الى الجهل الذي يشكل جزء من شخصية هذا المقاتل ابن حوزة لايعرف من هو الحسين ابن علي (ع) ومسروق لايعرف ان لهذا البيت حرمة وحوبة بينما نجد ان الحجر والشجر والرمل كله اشترك في القتال وناصر الحسين ضد ابن حوزة وحتى الجواد الذي غضب ونفر على حمق صاحبه ، ومثل هذه المدلولات تساعد في بناء الهيكل والعمق وتنشط لنا الحدث المروي من خلال اعطاء دور للوعي المتأمل عند القارىء ـ نوع من الادراك لجزيئات المتن الخارجي ـ وفي رواية ( ربيع ابن تميم الحارثي ) فلما رايت عابس بن شبيب الشاكري عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي وكان اشجع الناس فقلت :ـ ايها الناس ايها الناس هذا اسد الاسود هذا ابن شبيب القوي لايخرجن اليه أحد منكم بل ارموه بالحجارة ـ فرموه من كل جانب فلما راى ذلك القى درعه ومغفره وسد على الناس فهزمهم بين يديه فقال الراوي فو الله لقد رايته يطرد أكثر من مئتين مقاتل ثم احاطو ا به من كل جانب فقتلوه فرايت راسه بين رجال ذوي عدة كل يقول انا قتلته .. فقال عمربن سعد :ـ لاتختصموا هذا لم يقتله انسان واحد حتى فرق بينهم بهذا القول .. لاأعتقد اننا بحاجة الى خبرة تفسيرية لمتابعة المضامين التأويلية فالحذر والخوف من مواجهة الشاكري والصمود والمواجهة لدى الرمز الشاكري ولو نظرنا بالاتجاه المعاكس لوجدنا الروح الانانية التي يحملها القتلة هذه الانانية الطامعة التي تجعل من كل محارب خائر القوى يريد المفاخرة بانه القاتل ليحظي بحظوة الأمير .
****
( اللائحة التعر يفية )
لا نريد أن نتحدث عن البيان العددي أو المهام القيادية للمخطط الحربي كوسيلة تعريفية حتى الأسئلة التي أطلقها الحسين ( عليه السلام ) لمعرفة قيمة الرمز الحقيقية من خلال قربه للرسول الكريم (ص) وهو أبن علي (ع) وعم أبيه الحمزة وعمه جعفر الطيار وأخوه الحسن (ع) أو حتى ذكر أسماء قادة الخيانة أمثال شبث أبن ربعي وقيس أبن الأشعث وزيد أبن الحارث الخ .
ولكننا نجد أن هذه التعريفات هي سمة من سمات الفضاء الروائي الذي يحمل جمالية الحدث دون مزركشات لغوية .
تأخذ تلك التعريفات بعين الاعتبار الجانب الإيماني وقيمة التقوى فالكاتب يعرّف لنا بريراً ناسكاً تابعياً ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة أو يعرف سويدً بن عمرو ابن أبى المطاع بأنه كان شريفا كثير الصلاة . ورغم انه اعتمد التعريف الشخصي من خلال رجز المعركة . ألا انه أورد بعض التعريفات التي ترتكز على المسعى الفعلي كفعل التوبة عند الحر الرياحي والكندي يزيد المهاجر ومنها ما يأخذ الشكل الإعتراضي كإعراض ربيع ابن تميم لمعرفة فعل البطولة عند عابس الشاكري أو بطولة مسلم بن عوسجة من خلال إعتراض شبث أبن ربعي .
أو الإرتكاز التعريفي على بعض الوصفية فحين يصف عبد الله بن عمير ( كان طويلاً بعيد المنكبين ) أو بجملة تعريفة للعباس (ع) ( وسيماً جميلاً جسيماً يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان على الأرض ) أو بناء التعريفية على مبنى حكائي فرعي بسرد قصص تعريفية كقصة وهب أو قصة عبد الله الكلبي ( وكان قد خرج من الكوفة ليلاً ومعه امرأته أم وهب إلى الحسين (ع) لأنه لما رأى العساكر تعرض بالنخيلة لتسير إلى حر ب
الحسين (ع) قال والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً وأني لأرجو أن لا يكون جهاد هؤلاء الذين ينصرون أبن بنت نبيهم أقل ثواباً عند الله من جهاد المشركين ) .
وذكر هذه التعريفات تعتبر نواة صغيرة لدخول الحدث ودخلت إلينا من أبواب عدة ومنها ما جاء معرفاً الجنسية _ كما نقرأ في تعريف
( أسلم ) غلام تركي أو الهوية الدينية في تقديم (وهب ) نصرانياً فأسلم أو تعريفاً عرقياً في تعريف ( جون ) عبداً أسود أو ذكر الحالة الإجتماعية في تعريف ( علي بن الحسين ) عمره ثمان عشرة سنة وكان متزوجاً وأمه ليلى بنت أبي مروه عروة بن مسعود ...