قراءة في المقتل الحسيني

2021/02/14

1)
سألوا الشيخ  عبد الزهرة  الكعبي رحمه الله   عن المصادر  والمرجعيات  التي استقى منها معلومات  المقتل  الحسيني  فاجاب ( نحن  ورثنا  الواقعة  ابا عن جد )  وبهذا المعنى  نستطيع ان نقول  انه اشتغل  على نص ( ابي مخنف  ) بتصرف  كامل لأغناء  النص  بتلك  المعلومات المكتسبة  وراثة حسب  قوله لايعني  مثل هذا القول  ان يكون  النص عامل  أخصاب  المخيلة  بل ثمة  عوامل ايمانية  تدعو  للاحتفاظ بقيم الواقعة  وبها ابعد  الرؤية  التقليدية  لحرفنة  الكتابة  ويعني  من باب آخر ان للواقعة ذاكرة  منورة  في عقول  وضمائر  الناس  وكل ذات  من ذوات  الطفوف  تشكل موضوعا بحد ذاته  ينبض  بالحياة  وهذه الواقعة  لاتعتبر  حدثا  مستقلا  عن باقي  احداث  التأريخ  بل هي وحدات التأريخ فيها يتبلور  الصراع  الحقيقي  وفيها تكمن قيمة الرؤية الانسانية  ونقدر ان نؤكد  باننا فعلا لسنا بحاجة الى مصادر تروي لا جرح التأريخ  كما نعتقد  ان أي مصدر كتب عن واقعة الطف لابد ان نكون نحن مصدره  ومثل هكذا  نص يحمل الكثير  من الرؤى الروائية  وسماتها  فكل رمز  منهم يحمل  رؤى قد تختلف  من حيث المعطى  لكنها تتوحد  في قناتين  يشكلان  يؤرة الصراع  ـ / الخير ـ الشر /  وكل قناة  لها مكوناتها واسسها .. ولها صوتها وحواراتها وانعكاسات  مدلولاتها والمهم ان  جميع وجهات  النظر تبلورت عبر الزمن  الفعلي  وأنعكست  عبر  موجات  بشرية  متعاقبة  من جيل الى جيل كونت قناعة  ايمانية  ومعرفة  بالمروي  لكن الامر  يختلف عن الأعمال  الروائية  بسبب امتداد  الفعل  الناشط  عبر الأحداث  حتى كونت  لنا الواقعة  حدثا  حاضرا  رغم وقوع  الاحداث في الزمن  الماضي  ـ لوجود  ابعاد حقيقية  لتلك الرموز  ما زالت تعيش  يسننا صراعها  التأريخي  وهذه  هي النقطة الاساسية  التي جعلت  رواية  المقتل  على درجة  عالية من الأهمية  ـ وقد نجد ان النقد الحديث3 وضع استغربه  الشديد امام أي منجز  يقدم وصفا كاملا  للتجربة البشرية  لكون  مثل هذا المسعى سيأخذ الواقعية الكاملة وشكك  النقد بوجود  مثل هذه الواقعية  الا بحدود  ( الثورة  ضد الظلم ) ومقاومة الظلم  رغم ضعف  الامكانيات  والتضحية  حد الاستشهاد  دون المبدأ  .. 
ولاشك  ان واقعة  الطف تضم  كل هذه الحقائق التي اسماها  التقد حدودا  ونرى من حيث  صيغة الطرح النقدي  بانهم يعتقدون  بان مثل  هذه الصفات  والسمات  هي من قبيل  الخوارق ولذلك  مثل مقتل سيد الشهداء  الحسين عليه السلام منعطفا تأريخيا  مهما في حياة  الشعوب  كافة  ولا تقتصر  انعكاسات سماته  عند حدود  معينة   فلهذا ما زلنا نسمع  عن شخصيات  دنيوية مرموقة تأثرت بموقفه المبارك  رغم اختلاف اديانها  ، ومثل هذه المواقف  الثورية  تظهر لنا خصائص  الواقعة ـ وانعكاسات  قيمها  لأيجابيتها  والتزامها  ومسؤولياتها ـ والتي انعكست على المستوى  النفسي  العام للحاضر المعاش  وما يسهل عمل الروائي  ان ابطاله  ليسوا بحاجة  الى تضخيم  وصف والى زورقة  عباراتية  بل كان موقفهم  وصمودهم وتضحياتهم يشكل  مستوى  فكري خارق  لنصل  الى نتيجة  مفادها ان مقتل الحسين (ع)يمثل قيمة  غنية  تعبر عن تجربة  بشرية مهمة ، ولابدلنا من التذكير  بان النقاد كانوا  في التفصيل  الكامل مشروع  غير عملي  ونحن نرى  ان تفصيل الحدث  في مقتل  الكعبي  اثبت فاعليته  لقوة وفاعلية  الذات البطلة  لقادة  الحدث التاريخي والذين اكتسبوا  الفعل الحقيقي  لأنسانيتهم وثوريتهم  ولنورد مثلا  ولنقرأ عن شخصية الحسين  عليه السلام .. قال بعض الرواة  : والله ما رأيت  مكسورا قك قد قتل  ولده واهل بيته  واصحابه  .. أربط جاشا  ولا أمضى  جنانا ولا أجرأ  مقدما  منه ... والله ما رأيت  قبله ولا بعده  مثله  وأن كانت الرجالة تشد  عليه يشد عليهم  بسيفه  فتنكشف  عن يمينه وعن شماله  انكشاف  المعزى  اذا اشتد فيها الذئب ... ولقد كان يحمل  فيهم  وقد اكتمل  عددهم ثلاثين الفا فينهزمون  من بين يديه  كأنهم  الجراد المنتشر  ثم يرجع  الى مركزه  وهو يقول  : لاحول ولا قوة  الا بالله ... فنجد ان الشعور   بانسانية  الذات الفاعلة تتحدى  كل قواعد  اللعبة الكتابية  المقننة  لوجود حقيقة  اكبر من حقيقة  الكتابة  نفسها  الا وهي حقيقة  الانسان  ـ ايمانه ـ صبره  ـ قدرته العظيمة امام المحن  ، هذا هو البطل الحقيقي  الذي يفتح ... اولا افاق فلسفية  يستطيع  من خلالها  ان يبلور  لنا  أي كاتب  الفة  مثل  هذا البطل في كل محاور  الحياة وقيم  الايمان  وحقيقة الظلم  .. وثانيا  انه يبحث  في حقيقة الوجود  الانساني  وليست المسألة  متخيلة  لكنها تفتح  ابوابا  واسعة  للتأمل  فيصبح  البطل ذاتا وموضوعا  والمسألة  ربما اعمق  بكثير مما نتصورها  ، فلنحاول  تغيير وجهة الحوار  ونسأل :ـ كيف يتحول هذا الانكسار العسكري  الى قوة  ؟ سيكون الجواب  هنا لايعتمد اطلاقا على  المعطيات المادية  للموقف  ، بل على  المعطيات الروحية  ـ صلابة  البطل  هي صلابة  الموقف الايماني  وهذا الموقف  يشكل لنا قيمة  الظاهرة  ولنعد الى النص   ثانية ( قال  هلال بن نافع :ـ اني لواقف  مع اصحاب عمر بن  سعد اذ صرخ صارخ  ابشر ايها الامير  فهذا شمر قد قتل الحسين  فخرجت بين الصفين  فوقفت عليه  وانه ليجد بنفسه  فوالله ما رايت  قتيلا متضمخا بدمه  أحسن منه  ولا انور  وجها  منه وقد شغلني  نور وجهه وجمال هيئته  عن الفكرة  في قتله  فاستسقى في الحال ماءا،... فسمعت رجلا يقول  والله لاتذوق  الماء حتى ترد  الحامية  فتشرب من حميمها  فسمعته يقول  :ـ انا أرد الحامية  فاشرب من حميمها ؟ 
لا والله بل أرد على جدي  رسول الله (ص) واسكن معه في داره  في مقعد صدق  عند مليك مقتدر  واشرب من ماء غير آسن  ... وأشكو  اليه ما ارتكبتم  مني وفعلتم بي  ، فغضبوا  باجمعهم  حتى كأن  الله لم يجعل  في قلب احد  منهم من الرحمة  شيئا فرفع الحسين  طرفه نحو السماء  الى ان قال :ـ ( اللهم متعالي المكان عظيم  الجبروت شديد  المحال غني  عن الخلائق  عريض  الكبرياء  قادر على  ما تشاء  قريب  الرحمة صادق الوعد سابغ النعمة  حسن البلاء قريب  اذا دعيت  محيط بما  خلقت قابل  التوبة لمن تاب  اليك قادر  على ما أردت  تدرك  ما طلبت  مشكور اذا شكر ت  ذكور  اذا ذكرت  أدعوك محتاجا  وارغب  اليك فقيرا  وأفزع  اليك خائفا  وأبكي  مكروبا  واستعين  بك ضعيفا  واتوكل  بك كافيا  .. اللهم  أحكم بيننا  وبين قومنا  فانهم غرونا  وخذلونا  وغدروا بنا  وقتلونا  ونحن عترة  نبيك وولد  حبيبك  محمد ( ص) الذي اصطفيته للرسالة  وائتمنته  على الوحي  فاجعل  لنا من امرنا مخرجا يا ارحم الراحمين  وصبرا  على قضائك  يارب  .. لااله  سواك  ... ياغياث  المستغيثين ) فنحن  نجد ان تفويض الامر الى الله  قوة والقوة  هنا من حيث  ان التفويض  كان مستمرا منذ الخطوة الاولى  واستمر الى نهاية  الحدث فاين  الانكسار اذن ؟ واين  هو النصر  الذي توهموه  ؟ واعني  ان مسألة  التفويض  بقت في جبروتها  وبقى الرمز  منتصرا بعناده الايماني  الذي لم ينكسر  ، وثمة مسألةمهمة لابد ان تذكر هي  شعورنا بان مثل  هذه الاحداث  لها قدرة  عالية على استدرار  الدموع  ، اي ان المسألة لها  حيثيات عمومية  .. لكوننا سنحزن  اذا ماتعر ض  امامنا اي انسان  لمثل هذا الموقف  فكيف  به وهو الحسين  ابن بنت رسول الله  الكريم  وابن علي أمير المؤمنين  وفاطمة سيدة نساء العالمين وكل  من هذه الاسماء  قصة حزينة  لوحدها  في ذاكرة المتلقي  ووجدانه وكأن  الجوهر واحد في تلك الفاجعة ، 
أخترنا لك
الإنتقاء

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة