رغيف انطباعي ... الكاتب وليد البعاج
2021/02/14
المسعى الروحي لاحتواء الأمكنة المقدسة من مقامات ومزارات
يعد موقفا يحمل اعمق مشاعر الغبطة ،فتتحرك جغرافيا المكان
عبر مساحات جمالية محملة بالقيم تصاحبها
يقظة التدوين عند السيد وليد البعاج
والتي جربت في العديد من الدراسات المهمة عن مراقد
ميسان في كتابه ( سلسلة المراقد الظاهرة في مدينة العمارة
الزاهرة ) ومن اهم ما انجزه في تجربته الطويلة هو
تسليط الضوء على شاعر أهل البيت عليهم السلام
الكميت بن زيد الاسدي .. انصهرت التجربة اليوم بكتابه ( مزار
على نهر دجلة ) والذي يسمى بمزار ( ابو سدرة ) فراح يبحث
عن اوجه المطابقة الجغرافية للمصادر التي اشارت لمرقد ابي
سدرة ، اولها ما ذكره الرحالة الايطالي بالبي سنة 1580م
اذ ذكر غابة ( ابو سدرة ) ومزار (ابو سدرة ) والمصدر الآخر هو مدون
الرحالة الانكليزي سوانسن كوبر سنة 1893م واشار الى
المزار بشكل صريح ، والمصدر الثالث ما جاء في
تقرير سفير بريطانيا لدى الدولة العثمانية السير
جيرالد لوثر 1908م والمصدر الرابع ..مذكرات الفريق
طونزند قائد القوات البريطانية سنة 1915م التي اسقطت
الحكومة العثمانية ، ومصادر اخرى كثيرة وقدم لنا
الموقع الجغرافي ومعلومات تغني الموضوعة وتؤسس لجذرية
الموقع وفعاليات التجارة النهرية وعدد النواظم التي
كانت مثل ناظم قلعة صالح وناظم الكسارة وعن
شركات الملاحة النهرية وقراءة بعض الوثائق المهمة .. أرى ان
السيد الباحث وليد البعاج قد غامر بجرأة كبيرة حين سعى لاستيعاب
كل حيثيات الموضوع دون ان يخشى ضياع موضوعه
الرئيسي وقد نجح بجعل هذه الحيثيات جميعها تعزز نجاحه بتقديم
المزار من كل جوانبه وقدم لنا معلومات جميلة عمقت الادراك
المعرفي الذي سيعمق بدوره المكانة الروحية الواعية
اذ عرفنا من خلاله ان اول باخرة رست دجلة اسمها ( بغداد )
وربانها ( هولاند ) وعن مدونات بعض الرحالة
العالميين وهم يوثقون معالم الملاحة
وبعض المعلومات النادرة مثل مدونة سبيستياني عن حملة من الزوار
وهم يحملون رايات خضراء وكان لايفارقهم لقب الزاير
، وذكر عدد من القرى والمدن بينما مدونة الرحالة (
كيوم لجان )1866م وهو يصف الكلك ويتحدث عن غرق بعض
الاكلاك وعن موقعة غرق ( 235) قطعة اثرية مهربة
رسميا من قصر خورساباد،وعن ظهور بعض الحيتان الكبيرة في دجلة
عام 1885م كانت بعض العشائر تعلن العصيان على الحكومة فتقطع طرق
الملاحة وتنقل لنا بعض المدونات الكثير من الاحداث المليئة بالعنف
والجور والقسوة التي يتعامل بها المحتل التركي
العثماني ، وجميع هذه المكونات المعلوماتية تلقي الضوء على مميزات
المكان وتظهر من خلالها العلاقات السلوكية
.. للاستشهاد بحالات الوعي الدؤوب بمكانة هذا
المزار .. وهذه علاقة ادر اكية مفعمة
بالعاطفة وهذا الشعور المتنامي جعلنا نرى
ملامح التقديس عند جميع الملاحين الذين يصلون لمرقد (ابو
سدرة) رغم اختلاف جنسياتهم وهوياتهم وجاء ذكر (ابو سدرة )والتعريف
بشخصيته في الكثير من المخطوطات .. هو السيد أحمد الماجد
الملقب ابو سدرة وقبره في منطقة ( ابو سدرة )
التابعة لمدينة المجر الكبير ( محافظة ميسان )
عالم فاضل جليل القدر ، عميد السادة
العلويين ـ وهو من ابناء ابو سبحة حفيد الامام موسى
الكاظم عليه السلام ، ومن ثم ذكر السيد وليد البعاج مراحل
بناء وتطوير مزار ( ابو سدرة ) ، يذكر الرحالة كوبر
1893م ان القبر عبارة عن ضريح داخل كوخ قصب والمرحلة الثانية
صار المزار عبارة عن قبر في غرفة صغيرة والمرحلة الثالثة
سنة 1965م بني القبر بالطابوق وغلف بالطابوق الفرشي
والرحلة الرابعة بناء فيه ضريح وشباك حديدي
مغلف بالقماش الاخضر والمرحلة الخامسة 1978م غرق المزار
فاقيم فوقه حضرة واسعة وبني فوقها القبريعدما رفع
بناء ه بما يناسب وارتفاع السدة ، والمر حلة السادسة 1988
م تم بناءه بناءا حديثا وبصورة اوسع هدم الحزب
المجرم هذا المزار عام 1990م بالشفلات ثم
سمحت الحكومة ببناء المزار اثر مراجعة اهالي المنطقة
والسدنة وتم تسجيل المزار اليوم عند الامانة العامة
للمزارات الشيعية وخصص امين عام للمزار
واربعة عشر موظفا لدارة شؤون المزار .. ومن
ثم تطرق الباحث عن كرامات ابي سدرة ... ارتكز السيد وليد البعاج
في دراسته هذه على ( 61مصدرا ) وعلى بعض المصادر التي هي عبارة
عن تقارير ودراسات وتعريفات وتحدث في الهوامش عن
بعض الشخصيات ومن حسنات البحث ان كاتبه لم يكتف بذكر المرجع
المصدري وانما يناقشه ويناقش رايه ليصل الى ما يقتنع به
من رأي صائب يقدمه الى متلقيه مع ايراد الكثير من
التعقيبات مجسدا ما جاء في مقدمته من توثيق
تاريخ هذا المزار المبارك ..