(من ذاكرة صدى الروضتين ) / الملف العاشورائي 1/ 307 (رسالة العشق)

2021/02/13

القسم الأول
سجاد طالب الحلو
 قلوب يعتصرها الألم, وعيونها ترقب هلال الحزن والأسى, تعد الدموع لاستقبال شهر المصائب والعجائب كل عام, مستعدة لبذل الغالي والنفيس, لا يثنيها حديث المشككين ومراوغة المهرجين, فهناك سفينة واسعة، تسعى جاهدة لنيل اللحاق بها, فهي تعلم اذا ما حلّ الطوفان لن يحميها سوى التمسك بباب نجاة الأمة والركوب بسفينة الرحمة.
 تتسابق تلك القلوب الولهة فيما بينها, فكلٌّ يعمل على شاكلته, ويسعى منافسة غيره من خلال تقديم كل ما هو محبوب لدى محبوبه, حينها يتعدد العطاء وتزداد نبضات العشق الحسيني، لنحظى برؤية أروع رسائل الانسانية السمحاء من خلال تلك المظاهر الولائية, فدعونا نقترب من تلك النبضات الثرية بالدروس والعبر، ونغرف من معينها الأخاذ.
 تتعدد المظاهر العاشورائية التي يقدمها المحبون في كل عام، وتزداد ألقاً وتطوراً ناهيك عن تأثيرها الكبير والمساهم في ايصال قضية الثورة الحسينية الى مختلف بلدان العالم، وتعريفهم بقضية السماء الخالدة ومعانيها السامية التي باتت مناراً للأجيال المتعاقبة، وطريقاً نحو بر الأمان والنجاة.
 ولأننا لا نستطيع حصر تلك القلوب المساهمة في هذا التأثير الفعال بموضوع واحد، سنذكر بعضاً منها بشكل متسلسل، لنستشف العظات والعبر التي تقربنا نحو من تفتخر ملائكة السماء بخدمته، وهو في المهد صبيا. 
 دروس وعبر بالمجان، يرسمها المحبون في كل عام، ومن أراد أن يستنير منها، فعليه النظر بزوايا تلك المظاهر بدقة، حينها حتماً سيستفيض عبراً دينية ودنيوية يرسم بها نافذة التغيير, ورسالتي الاولى سألخصها بجملة واحدة، وهي من أنبل المظاهر الحسينية حين نرى (الفقير يطعم الغني على حبّ مولاه).
&&
(أم أبيها) رُقية بنت الحسين (عليهما السلام)
مروة محمد كاظم/ بابل
 جدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وجدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي رقية(عليها السلام)، كلاهما صورةٌ واحدةٌ، قد عكستها مرآةُ التأريخِ لنا بين أزمنةٍ متفاوتة، فإن رُمتَ أن تستشف حبَّ الزهراء (عليها السلام) لأبيها نبي الرحمة محمد (ص) فانظر في حفيدتها رقية بنت الحسين (عليهما السلام)، فكلاهما أم أبيها، لم يعرف التأريخُ عشقَ الأبوةِ كعشقهما لأبويهما، حتّى اتحدتا في الكُنى، وصارتا روحًا واحدةً تشعرُ إحداهما بالأخرى.
 رقيةُ كانت هي والحسينُ(عليهما السلام) جملةً شرطية لا يكتمل فعل شرطها إلا بجوابها، وكمبتدئ لا يكتمل إلا بخبره، كفعلٍ لا يكتمل إلا بفاعله... تعاهدا أن يكونا معاً دوماً وأبداً، أينما حلّ الحسين حلّت رقية، وأينما رحل الحسين رحلت رقية، كانت رقية للحسين (عليه السلام) كجدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) لأبيها نبي الرحمة محمد (ص)، كانت ترافقه إلى كربلاء لتحيي معه شعيرة العشق الإلهي، ولتطوف حولَ جسدِ أبيها الحسين (عليه السلام)، ولكن أيّ طوافٍ وهن مكبلاتٍ في حرم الله؟! يطفنّ على الهوادج من جسدٍ إلى جسدٍ، محروماتٍ حاسراتٍ باكياتٍ صمتًا؛ خشيةَ السياط، محروقاتِ القلوب، والنارُ مازالت تحكي طهوَ طبخةِ الحربِ التي ظنّ يزيدُ وأعوانُه أنّهم طبخوها في قدورِ الحقّ لصالحهم..! فبئسَ ما طبختْ قدورُهم من الباطل، وتبّتْ أيديهم وشُلّت وأحرقت بنارهم الضارمة.. يُدلهمُ الليلُ بعتمتهِ الموحشةِ على رقية، فتبادر رديفتها الصديقة الطاهرة بمناجاتها أن لا تخافي يا عزيزة الحسين، عليكِ برقية الحسين يا زينب اذهبي لتفقدّها.. فتذهب زينب فتجدها خائفة فتضمها إلى صدرها، وتبادرُ أم أبيها بالسؤال: - عمتي زينب، أين أبي الحسين، لقد تأخر وأخشى عليه من انسدال الليل على وجناته القطنية؟!! :- حبيبتي لا تخافي، لعلّ موضع الماء بعيدٌ بعض الشيء مما دعاه إلى التأخر، هل مازلتِ عطشى؟ :- لا أريدُ ماءً يا عمة.. أخبري والدي بأنّه هو الماء الذي يروي عطشي.. كانت تنظرُ مستظلّةً بيديها الصغيريتين باحثةً عن مائها الحسين (عليه السلام)، فإن حصلت على قطرةِ ماء خبأتها لحبيبها الحسين حتى جفّ الماءُ من راحتيها...
 تنظرُ من باب الخربة الموحشة كأنها هيكل إنسانٍ أكلت لحمه السباع، ونخر عظمه الدود، وهي تجرّ بطرف عباءة عمتها زينب:- إلى أين يذهب هؤلاء الأطفال؟ :- إلى منازلهم وأهاليهم يا حبيبتي.. 
:- أوليسَ لنا منزل لماذا لانذهب إليه.. ماذا نفعل في هذا المكان الغريب عنا.. وأين أهلونا؟! ترقرق الدمع في عينيّ عمتها، وهي تمسح على رأسها، وتقول:- أهلنا في سفرٍ يا حبيبتي، ونحن هنا بانتظار عودتهم ليأخذونا... تنهدت رقية بأنفاسها تجرّ بحسراتها لحُسينها الذي ذهب ليجلبَ لها الماء ولم يعد... لاح لها نزول حمرة الشفق على شفاه مُحيّا الشمس المدوّر، راحت تسأل عمتها:- عمتي زينب، هل معكِ سجادة صلاةٍ كالتي كنت أفترشها لأبي، لعلّهُ يأتي بعد لحظاتٍ ولا يجد سجادة الصلاة... 
 نظرت عمتها يمينًا وشمالًا حيث لا يوجد إلا ترابُ الخربة الذي افترشه لهم الزمن السحيق، فما عساها أن تفعل، فقالت:- بنيتي الحبيبة، والدكِ سفرهُ طويل، اصبري لحين عودته.. بدأت تبكي روح أبيها، والرأس السامق فوق رمحه قد أدمعت عيناه، والجوى قد فتت صمودِ صبرها، فمتى ترى مُحيّاه.. بكى كلّ شيء معها، حتى تهرأت جدرانُ الخربة حزنًا على آلامها.. هدّأت من روعها عمتها زينب، وأسرعَ الليلُ ليُرخيَ سدوله عليها حتى تنامَ ابنةُ الكِرام.
  خفقَ القلبُ، واهتزت الأرضُ، وصرختْ رقيةُ (عليها السلام) كثوّار الطفوف بقلبها الملهوف ودمعها المذروف على قمرها المخسوف.. ثم صاحت بصوتٍ متهدِّجٍ:- عمتي زينب، رأيتُ أبي الليلةَ حزينًا جدًا، أشعرُ بأنّهُ ليس على ما يرام.. إنّه يناديني أريد الذهاب إليه الآن... علا صراخها وبكاؤها، صمتَ ذلك الليل البهيم، ولعمري أنّ العرشَ قد اهتزّ لبكائها، أي والله... كان صراخها كأنه سهم ثائرٌ، قد جَعجَعَ رأسَ الطاغيةِ يزيد كأنّه ينادي: (يا لثارات الحسين)، طالبًا بذحول الأنبياء وأولاد الأنبياء.
 نادى الملعونُ في الأرض والسماء، يزيد ابن الطُلقاء: ما هذا الصراخُ والبكاء.. قيل له: بُنيةً للحسين تدعى رقية، تطلب رؤية حسينها، وتريد أن تعرفَ القضية.. -ماذا؟!! أتوا لها بطبقٍ مغطى، خذي يا رقية.. (شممتُ ثراكَ فهبَّ النسيم... نسيم الكرامةِ من بلقعِ) أخذت تتلمس الغطاء المنسدلُ على رأسِ سيد الشهداء ثم ازاحته قليلا ورأته... 
:- أبي، أهذا أنت؟! أين كنت؟! كيف اختصروكَ في طبقٍ صغير يا عظمتي وهيبتي، يا براءتي الموؤودة.. يا دوحتي المجذوذة، أخبرني كيف سأتنفس بلا شهيقك؟! نظر الرأس وكأنّه يكلّمها بعينينِ محمرتينِ منهمرتين بالدموع:- بنيتي رقية، ماذا تفعلين هنا في الخربة؟! أريني يديكِ الناعمتين كيف استطاعت مَسكهُما القيود يا حُرّتي... مدت يديها تمسحُ عن وجهه الدماء، فأحسّ والدها بخشونة أصابعها الصغيرة، فبكى... قبّلتْ شفاهه بشفاها الذابلتين فزادَ بكاؤه، فقالت:- ما الذي يُبكيكَ يا حبيبَ بُنيتِكَ رُقية؟! 
:- بنيتي، شفاهكِ مازالت كأرضٍ يابسةٍ متشققة من العطش، ألم يسقوكِ الماء بعد؟! :- كلّا يا والدي، فمازلتُ منتظرةً لمائكِ الذي وعدتني به، وها قد ارتويت من رؤيتك.. ثم حَنَتْ عليه لتضمَّهُ إلى صدرها فتألمت.. :- بنيتي الحبيبة، ما الذي يؤلمكِ أخبريني؟ :- إنها أضلاعي يا أبتِ من ضرب سياطِ بني أمية، أنا متعبةٌ جدًا، خذني معكَ كي استريح... :- عمّا قليل ستكونين بين أحضاننا يا بنيتي.. :- أشمّ رائحة دخانٍ من ثوبكِ يا بنيتي؟! :- إنّها من حرق الخيامِ يا أبتِ، عندما غاب شخصكَ عني، رحتُ أتفقدكَ بين الخيام فلم أجدك فتماطرت النارُ علينا يا أبتِ بلا رحمة وشفقة، حتى نار القوم يا أبتِ لم ترحمنا ولم تحرك ساكنًا.. 
:- آه، يا أم أبيكِ، صبرًا على البلاء يا بنيتي، فإنّ موعدنا الجنة، تجهزي فجدتكَ بانتظاركِ ستلبسكَ ثيابًا فردوسيةً لا حرقَ فيها، هيا معي فلن يستطيعَ أن يؤذيكِ أحدٌ بعد الآن، فستكونين عمّا قليلٍ معي هناك... ثم أغمضت عينيها وسجد رأسها على رأس أبيها، وسكنت لتردّ لليلِ صمته، وللعيونِ نومها، وللباكين بكاؤهم، وللمشتاقين شوقهم.. رقية رقة وتراقي وحرية وثورة، حملت شعارها براءة موؤودة عجزت عن فقهها بني أمية..
&&&
آهات فاطمة العليلة
حنين صلاح ذياب الخاقاني
أعاتبُ مَنْ في وحدتي
ومَنْ غير صدى الفراق يمر بمسامعي
ايا مرض ابعدتني عن أبي 
غريبة في البيت خلفتني 
عليلة الروح انا بعدهم 
هائمةٌ انا في الديار الموحشة
قلب فاطمة ينادي وراءكم 
ليت لي مخرج من هذا الجسد
لأغادرهُ وأسير معكم
يا احبتي ابي وأُمي عمتي وعمي يا إخوتي لمَ تركتموني؟
هيا اجيبوني 
قولوا لي بأنكم عائدون 
هيا اكسروا ظهر آلام الفراق التي كسرت قلب حبيبتكم  
يا ظمأ أذبل شفاهكم 
ظمئي لرؤياكم اذبل عيوني
إلهي.. انت تراني اخبرهم بحالي ووجعي 
قل لهم ان هذا الامتحان سينتهي  ليعودوا الي 
او يأخذوني معهم 
او خذني اليك ياربي بقربي اليك يسقط عمود حزني.
عَلّنْي هناك اجلس في حضن جدتي فاطمة في الجنة لتلاطف أشجاني..
عَلّنْي على بابِ جنتك اقف.. والى ابي وعمي وأخوتي انتظر..
الانتظار الى جوارك ربي اطمئنان..
أيا مرضي.. ألا تخجل  من روح انت سبب في غربتها..؟ 
ألا تخجل وانت تجلسها وحيدةً بين جدران الاسى..؟
لو فارقتني لما كنت الان مفارقة لاهلي.. 
لكنت انظر الى ابي وأودع اخر نظرة منه الي.. 
لكنت مشاركةً معهم في السبي.. لكنت ضُرِبت بالسياط وشاركت معهم الآلام 
اهون عندي من ان تشاركني انت جسدي.. وتغربه عن احبته..
ايا جدراناً شاركتني حزني.. ويا ارضاً سُقيت من غزير ادمُعي..
قد شهدت وحشتي فقد اظلم حتى الصبح في عينيّ..
لا اقول الا اليك ربي مشتكاي
هوّن عليّ بصبري يا ربي..
ثم كان اللقاء..
&&&&
العلوية ميعاد كاظم اللاوندي
أنا لم أعد كما أنا.. حينما دعاني للوداع
شاخت طفولتي مذ مرر كفه الرؤوم على رأسي
استنشقت رئتاي هواء اليتم، وأنا بعد لا زلت لاجئة بين ذراعيه
ثم كان ما جرى.. وواضيعتاه مما جرى..!
على خطى السبي أريقت مشاعرها حسرات..
سفيرة محطات أغرقتها أحداق أسيرة
طوت خلفها أعز ما تملك، بل كل ما تملك.. ضحكاتها.. آمالها.. ألعابها..
سنينها الأربع ثم رحلت..
نعم.. رغما عنها رحلت.. تبحث عن نهاية لوجودها..
فليس بعد شمسها المنحورة من وجود..!!
حملت الفرات بعينيها.. فأطلقته طوفاناً محارباً جاب أمصار الدنيا..
فتقدحت على إثره مياسم للعزاء.. فوق كل حبة رمل صرخة وبكاء..
بوابة المدينة المشؤومة تنفرج..
وعلى قلاعها مكر يترصد أعياه الانتظار..
فانتشى.. حالما أشرقت أقمار ونجوم..
يا لهول الفجيعة..! 
طرقات اكتظت بعواء الشياطين
وسكك احتشدت بنظرات راحت تسترق خدور السماوات
وأبواق السرور صارت تنكأ جراحات الطهر والتبجيل..
الليل سكن للآمنين.. لكنه عبثاً يسكن روع الفاقدين..
 وما بين مجالس الكفر والجبروت.. تتبدد لحظاتها كأوراق الخريف المتكسرة..
وعلى أديم الخربة باتت تحتضر..!
أخذت تخط بإصبعها الهزيل موعد لقاء..
وأظنه كان وشيكاً.. أو هكذا أنبأها جبل الصبر..!
قال لها: إن شمسك ودعتنا لتزهر في عالم آخر..
لكنها لأجلكِ أنتِ ستعود.. فابتهجي..
الحلم يداهم اليتيمة النائمة.. شوق أسعر فؤادها الصغير
كان هنا وجه بثغر مبتسم كهلال عيد يتوق لرؤيته الوالهون
مملكة المجون تفزع لصرخاتها..
والطاغوت مرتعد من سطوة بكائها..
:- أسكتوها.. وابعثوا لها ما يكتم حسيسها والى الأبد..!
ها هو المسافر يعود مضرجاً على صحن من ذهب..
عناق لم يطول.. وشكوى لحبيب أضناها فراقه..
عتاب.. وحنين.. وأنين.. ثم كان اللقاء..!
&&&
الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي (رضوان الله تعالى عليه)
الشيخ باسم عبد الله الكربلائي
السلام عليك أيها العبد الصالح يا حبيب بن مظاهر الأسدي..
لقد اكتسب العلم الجم من مدرسة سيد الموحدين(عليه السلام)، وحري أن تذكر بعض علوم هذا العبد الصالح، وذلك ما رواه الكشي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال، بسنده عن الفضيل بن الزبير قال: مر ميثم التمار على فرس له، فاستقبله حبيب بن مظاهر عند مجلس بني أسد، فتحدثا حتى اختلف عنقا فرسيهما، فقال حبيب: كأني بشيخ أصلع ضخم البطن، يبيع البطيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حبّ أهل بيت النبي (ص) على خشبة، ويبقر بطنه..!
فقال ميثم: وإني لأعرف رجلاً أحمر، له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه، فيُقتل ويُجال برأسه في الكوفة.. ثم افترقا فقال أهل المجلس: ما رأينا أكذب من هذين، فلم يتفرق أهل المجلس حتى أقبل رشيد الهجري يطلبهما، فسأل عنهما أهل المجلس فقالوا: افترقا وسمعناهما قالا كذا وكذا..! فقال رشيد: رحم الله ميثماً، يُزاد في عطاء من يأتي بالرأس مئة درهم، ثم أدبر..! فقال القوم: هذا والله... فما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثماً مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر، وقد قُتل مع الإمام الحسين (عليه السلام).
 فهذا من بعض علومه، ولقد تحصل على الكرم والسخاء اللذين هما المكرمة الجليلة، ويكفينا من كرمه هو وقوفه مع مسلم بن عوسجة قائلاً: لولا أعلم أني على أثرك، لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك.
ففي كلامه دلالة على علمه وكرمه، وأعظم من هذا فأنه توصل بكرمه الرائق أن فدى بنفسه سيده الامام الحسين (عليه السلام)، وأراق دمه تحت رايته.
&&&
حكـايا الطف..(2)
حسين علي الشامي
خليفة المسلمين: 
 بالتدريج سلب الحكم من الذين هم أهله، والأولى بقيادة الأمة نحو المجد بعد رسول الله (ص)، لتصل الأمة الى حافة الجحيم بمبايعة يزيد الجائر الماجن.
الخلافة التي كانت أمراً إلهياً، تحولت الى بدعة استغلتها النفوس الضعيفة، وأصحاب الهوى، حتى باتت الارادة الشيطانية تحكم.. نست الأمة تلك اليدين الملكوتين في غدير خم، حين رفعت لتبشر الناس بكمال الدين واتمام النعمة، لتتحول فيما بعد القضية الأهم من قضية سماوية الى قضية خدعة قادها مجموعة ممن بحثوا عن بصيص يستغلونها لتحقيق مرادهم، واستمر الحال حتى تفشى السرطان بجسد الأمة، ليخرج من يطالب بقميص عثمان الذي تحول فيما بعد لبحر من الدماء.
 وجاء الامر الجلل الذي كتب النهاية المأساوية بقتلهم للوصي علي شهيد المحراب (عليه السلام)، ولولا الحسن خليفة المسلمين الحقيقي، وقراءته العبقرية لدهاء معاوية حتى خنق عليه الوثاق، وجعله قاب قوسين او ادنى من فضيحة امره، وما هي الا لحظة من معاهدة حتى نكث معاوية بالعهد، ونقض المواثيق، ولم يبقَ من امر معاهدة صلح الحسن (عليه السلام )الا من هو الخليفة المسلمين، وباستشهاد الحسن بالسم صار الحسين (عليه السلام) الخليفة الاولى بالطاعة، اذا مات معاوية حتى هذا الامر الذي لم يخف على الناس نقضه معاوية ليطالب بالبيعة ليزيد.
يزيد ليس الخليفة انما هو الحسين الذي جاءه الناس افواجا، لتحاصره بصحراء كربلاء، وتمنعه من الماء لتضييق الامر عليه، ليسلم الامر للخارج على خليفته، ولم يكتفِ امام المسلمين من المجابهة العسكرية حتى ذكرهم من يكون، وخطأ خروجهم عليه، وارادتهم لقتله، ولكن الاذان الصم التي لا تقبل ان تسمع للحقيقة وتتقبلها، وتوقف نزف الحقيقة في محاريب الوعي المتمرد.
العقول المتحجرة وقفت حاجزا منيعا امام عودة الحق وتسنمه زمام الامور، ليتحول حصار كربلاء الى ابشع جريمة يرتكبها انسان بحق اخر، خصوصا وانها وقعت على أهم الموجودين في الدنيا...
 بل ان كل شيء كانوا هم سبب في وجوده، ولكنها اردة الشيطان التي همها من الدنيا عودة فرعون من الغرق، وتسنمه زمام الامة، ليديرها بهوى بشع، وضلالة ترابية جاهلية تحقيقا لمراد الاجداد من قريش الذين دخلوا الاسلام مؤلفة قلوبهم فقط، للسلامة على ما بقى من تراثهم بعد الضعف الذي تعرضوا له، ولم تكن الا سويعات حتى جاء الظلام ليتحكم بمصير الجيل الجديد ليغير كل شيء حوله، ويرفع رأس الحقيقة على سنان الغدر، لكنه ابقى الحقيقة التي لا يمكن لجاهل ان يمنع ظهورها، لتنتقل شمسها الى الشام، وتضرب يزيد على وجهه، ويتحول الناس هناك الى الاعرف بمن هو الخليفة ومن هو الخارج، اذ لم يبق ليزيد وطغمته شيء يكذبون به على الناس الذين رفعتْ عنهم غشاوة الضلالة والمكر.
بمجرد وصولِ زينب الكبرى الى دمشق تحول فرحهم الى مأساة، وسياط الألم ضربت حاكم الكفر قبل أساراه، لتسقط اكاذيبهم عندما نطقت عقيلة الهاشميين ببيانها وجه الحق للأمة هناك.
وداع على التل: 
لم تفصح عن انينها التلال، حتى يهيج بركان الجبل الصارخ بصوت الحق امام جبابرة الزمان.. كان التل في كربلاء الشاهد والمؤرخ لحقيقة ما جرى بالقرب منه.. كان الحسين هناك مكلوم الجراح، ودمه الطاهر نداء الحقيقة الباحث عن الانسانية المفقودة..
لم يكن التل بمقدوره ان يحتمل منظرا بهذا الحجم من الدموية والاعتداء على اشرف الخلق بعد النبي (ص) حتى جاءت زينب لتكتب الموقف، وتناديه بصوت المفجوعة بامامها، وقد حاصرتها خنازير البشرية تريد سبيها.. صوتها الذي حطم قيود الموت وفجر انهر الحياة: "نور عيني يا حسين، يابن اُمّي يا حسين، عزيزي يا حسين، إن كنت حيّاً فأدركنا؛ فهذه الخيل قد هجمت علينا، وإن كنت ميّتاً فأمرك وأمرنا إلى الله".
هناك كان كل شيء اسود حتى الشمس اتشحت بسواد الحزن، وكادت ان تنزل الى الارض وتثأر، فالقمر على المشرعة ذبيح واصل السماء لا يفصله عن الشهادة الا خنجر الكلب الذي سيقطع اوداجه.. في كربلاء حدث كل شيء مأساوي، ولم يبق هناك حتى من العروبة شيء، ومنذ ذلك الوقت انتهت كل المبادئ التي عرفتها صحراء العرب، لتكن نهاية اليوم اقتياد النساء على الجمال نحو الكوفة..
هاجر معهن التل، ليكتب كل شيء، ويسجل كونيته مؤرخ الحقيقية التي اكملتها زينب العقيلة في مشوار مواجهة الظلمة، فتضرب بخطابها وجوه المعتدين، وتفضح الناكثين والقاسطين والقانطين، فكان النصر حليف مسيرتها الكبيرة..
&&&&
درب الحسين (عليه السلام)..(1)
رجاء محمد بيطار
في الموكب الخامس التقينا، سايرني وأنا أمشي الهوينا، أقصّر الخطى تارة وأسرّعها أخرى، وهتف بي متلطّفاً:
_ ما بك يا أخي؟! لا زالت الطريق طويلة، فهل تعبت؟!
التفتّ إليه، طالعني وجه وسيم حليق، وعينان زرقاوان صافيتان كموج البحر، كان في لهجته لكنة أعجمية، فعلمت أنه ليس عربياً، تبسّمت رغم تعبي وأجبت:
_ الطريق طويلة، نعم، ولكني أقصّر خطاي لتزداد طولاً..!
_ وتزداد أجراً بعدد خطاك، أليس كذلك؟!
لم يكن سؤالاً يحتاج إلى جواب، بل إلى بسمة وهمسة:
_ وأزداد شوقاً للحسين..!
دمعت عيناه، فسارع ينظر بعيداً، ثم عاد يسايرني، وصار رفيقاً للطريق... وأي طريق..!
كانت الجموع تجري كالسيل، بل كالينبوع الغزير الصافي، لا تستوقفه الحصى ولا التواءات المجرى، بل ينساب معها في رفق ولين، ويتابع السبيل، والهدف، الغاية الأرقى التي تتسلّق نحوها القلوب قبل الأبدان، أرض الوفاء والفداء، بقعة تهوي إليها الأرواح الظمأى لترتوي من معين النور، نور سيد الشهداء..!
 لم نتبادل الحديث كثيراً أثناء الطريق، فقد كنت منشغلاً بأورادي أتلوها ما شاء لي الله أن أفعل، وأربت على صدري بكفي كلما قرع سمعي صوت ندبة صادرة عن أحد العاشقين، الميممين شطر كعبة العشق الأبدي، ولعلني كنت أهدّئ وجيب قلبي الثائر الخفّاق بالحنين..! أما هو، فقد بدا لي غريب الأطوار قليلاً، فقد كان يغيب عني أحياناً، ثم يظهر حاملاً لي طعاماً من موكب هنا أو شراباً من مائدة هناك، كنت أتناول ما يأتيني به شاكراً، وأذكر الله، ونتابع... وعندما قاربنا مشارف كربلاء، كان الشوق قد بلغ بي غايته، حتى أصبحت قليل الملاحظة لما يجري حولي، فما كان بجري أمامي وفوقي وفي أعماقي كان يملأ عليّ حواسي، وكل كياني، كانت الأصوات المترددة حولي تخترق وجداني، كلها تنادي بحرقة وعيون لاهفة: "يا حبيبي يا حسين"، وكان المدى يتوهج بعطر غريب، يفوح في كل مكان، يخالط الأنفاس والزفرات وذرات الهواء، ويشق الطريق قدماً نحو منبع الضياء. تلاحقت زفراتي وأنا ألمح القبة المذهبة من بعيد، بل القبّتين، وتساقطت دموعي دون أن أدري، وارتفعت الأصوات، نظرت من بين أغشية الدموع التي غلّفت ناظريّ، كان الجميع في مثل حالي، وكان صاحبي يذرف الدمع كإياي، ويردد معي بصوت واحد، جمعه الفضاء ووقع الخطى وعمق النداء: "يا حبيبي يا حسين".
واستوقفنا صوت يتوسل:
_ على حب الحسين، تفضل..!
كان فتى يافع يعترض سبيلنا، قد وضع على رأسه طبقاً نحاسياً واسعاً فيه بعض الكعك المحلى، وبزغت من عينيه السوداوين ووجهه الأسمر الناحل علامات الرجاء وهو يقول:
_ زائر أبي علي، على حب أبي الفضل، لا تخيّبني..!
 وأهوت الأيدي على الطبق تستجيب لرجائه، بل هفت القلوب، وكان صاحبي كعادته أرشق مني حركةً، فمد يده يتناول كعكة ويقسمها بيننا، ويربت على رأس الفتى قائلاً:
_ شكراً يا صغيري، ما هو اسمك؟
نظر إليه صامتاً، وتابع طريقه، وغيّبته الجموع.
 همست في أذن صاحبي، ولا أدري إن كانت نبرتي هي التي وصلته أم نبض فؤادي، فقد كان هدير الحشود يعلو على كل شيء:
_ أخي، لا اسم هنا سوى الحسين، كلنا حسين..!
هزّ برأسه مستدركاً وهو يتمتم:
_ فعلاً، كلنا حسين..!
 ووصلنا.. لم تكن الطريق واضحة المعالم، فقد كان جزءٌ منها، بل كلُّها، متون البشر ورؤوسهم وراياتهم، وأيديهم المرفوعة المغروسة في عمق التراب المقدس، وتذكرت يوم الحشر، وتمنيت من كل قلبي أن أُحشر في كربلاء.
ووصلنا ثانياً، إلى الأبواب المفتوحة كأبواب الجنة، بل هي أبواب الجنة حقاً، يتزاحم عليها المحسنون، ويخطو نحوها العاشقون، وتنفرج مع اتّساع خطاهم وتشوّق نظراتهم لولوج النعيم، تماماً كرحمة الله تعالى التي تتّسع حتى للخاطئين..!
ووصلنا ثالثاً، إلى الحرم المطهر لأبي الفضل، لم أكن بصدد الإجابة عن أي سؤال في تلك اللحظة، لحظة اللقاء بعد طول فراق، ولكن صاحبي لم يستطع إلا أن يستفسر:
_ لماذا العباس قبل الحسين؟!
وقبل أن أجد أنفاسي التي ضيّعها النشيج، كان صوت آخر يقاطعنا ويقول:
_  يا عباس، يا باب الحسين..!
نظرت في عينيه اللتين زادتهما ملوحة الدمع زرقة ولمعاناً، وعلمت أنه قد فهم الجواب..!
ثم التفتُّ إلى صاحب الصوت علّني أميّزه في هذا الخضم، لم أدر لم شاقني أن أعرفه رغم أنني كنت في شغل عنه بأشواقي وبثّي ولواعجي الكامنة، ولكن، حالما رأيت وجهه، علمت أن ما يجري لنا ومعنا هو تدبير إلهي، لقد كان الفتى نفسه، صاحب الكعك المحلى.
&&&&
زيارة الأربعين..
  م.م. وسن الجبوري 
 إن كلمة الأربعين تعد من المصطلحات المستعملة كثيراً في المتون الدينية سواء الروائية منها او التاريخية، وقد حدد الكثير من الامور بهذا العدد الخاص منها مثلاً كمال العقل في الاربعين، والدعاء لأربعين مؤمناً ومؤمنة، وزيارة الأربعين تعني زيارة الامام الحسين بعد مرور اربعين يوماً على استشهاده في العاشر من المحرم، وتصادف يوم العشرين من صفر من كل عام، وفيها يتجمع الزائرون من انحاء العراق والعالم العربي والاسلامي في كربلاء لأداء هذه المراسيم.
ولم يرد في الأحاديث استحباب زيارة الاربعين إلا في حق الامام الحسين(عليه السلام)، وهذا يعد من الامتيازات الخاصة بالإمام الحسين في يوم الاربعين، هو اعادة ارجاع الرؤوس الطاهرة الى الأجساد الشريفة على يدي الامام السجاد(عليه السلام)، وهناك الكثير من المصادر عند فرق المسلمين كافة التي تؤكد على أن رأس الامام الحسين رُدّ الى جثته الطاهرة ودُفن معها. كما أن الكثير من الخاصة والعامة ذكروا ورود اهل البيت الى كربلاء في يوم الاربعين، وبأنه رجوع حرم الامام الحسين من الشام.
ويوم الأربعين هو اليوم الذي زار فيه الصحابي جابر بن عبد الله الانصاري قبر الامام الحسين، وفي نفس المكان والزمان حصل لقاء بين جابر وأهل البيت(عليهم السلام) عندما رجعوا من الشام لزيارة قبر الحسين.
وفي سياق زيارة الأربعين، هنالك روايات كثيرة ينقلها الشيعة عن أئمتهم منها: رواية للإمام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: "من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي ان كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة، ومحا عنه سيئة، حتى اذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجين، حتى اذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى اذا اراد الانصراف اتاه ملك فقال ان رسول الله يقرئك السلام، ويقول لك استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى".
 وهناك رواية للإمام الحسن العسكري(عليه السلام) يقول فيها: "علامات المؤمن خمس: صلاة احدى وخمسين، وزيارة الاربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين بالسجود، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم"، وهذه الزيارة شأنها شأن الشعائر الاخرى، لها آثار تحويلية فقهياً تحسين المستوى المعاشي للزوار في هذا العالم، ولمنحهم المغفرة والعفو عن ذنوبهم وثواب الدنيا والآخرة.
 كما يسعى الزوار الى طلب شفائهم من الامراض، وحماية ممتلكاتهم وابنائهم، وتحقيق امنياتهم الشخصية بوجه عام. كما ان المكانة الشخصية للزائر تتعزز بين اقرانه وفي داخل جماعته، وتعد النذور والتضرعات والصلوات جزءاً من الزيارة.
 في الزيارة الاربعينية تختلف الاجواء كلياً عما هو عليه في باقي الزيارات، حيث أن المرء يشعر أن المرقد الحسيني أصبح له من التمدد المعنوي الكثير، بحيث ان ذلك التمدد يغطي كل مسالك الزوار، لذلك نجد ان طبيعة العلاقة بين الزوار في هذه الزيارة لها خصوصية واضحة، بحيث ان الزائر خارج المرقد يعيش في مجتمع مماثل لما هو موجود في داخل المرقد، وكذلك طبيعة الخدم داخل المرقد.
زيارة العاشقين..(1)
نرجس هاشم الرميثي
 حينما يؤمُ الكلام نحو كربلاء، تتدفق المشاعر لتلك نقطة من هذا العالم، نقطة اختزلت وجود الجنان، واختزلت مضمون الكون بآفاقها غير المحدودة.
كربلاء بلاد السماء، تدغدغ مشاعري هذه الكلمة، وأرى كل العالم سجناً صغيراً أهفوا لأتحرر منه لكربلاء.
كربلاء المكان الذي سقط فيه جسد سيد الشهداء مقطعاً على رمضائه؛ لتصبح ترعة من ترع الجنة، اختلط ذرات ترابها بقطرات دمه الشريفة، وبقطع كبده المقطعة .
من أكبر ممن شرفه الله تعالى ووفقه للتشرف بزيارة المولى أبي عبد الله (عليه السلام)، والزائر بذلك المكان يكون تحت العناية الالهية تحت عرش الرحمن، ذلك المكان الذي تحفه الملائكة بأعداد هائلة .
عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((ليس شيء في السماوات إلا وهم يسألون الله ان يؤذن لهم في زيارة الامام الحسين (عليه السلام)، ففوج ينزل وفوج يعرج)).
 فقبر الامام الحسين (عليه السلام) هو نقطة، ليرحم الله تعالى بها العباد رأفة بهم من ثقل الذنوب، فكان الواجب على كل فرد مسلم شيعي أن يشكر هذه المنة بأدب الزيارة واحترام المكان الذي يزوره، والإمام الذي قد رقد فيه. 
كتب الحديث تعج بفضل زيارة المولى أبي عبد الله (عليه السلام) بشكل لافت للنظر لتصنع صورة في الذهن الشيعي عن مدى أهمية الزيارة .
 رواية عن معاوية بن وهب عن الامام الصادق (عليه السلام): قال لي ادخل فدخلت فوجدته في مصلى، فجلست حتى قضى صلاته، فوجدته يدعو وهو يناجي ربه: ((يا من خصنا بالكرامة، وفضلنا بالوصية، ووعدنا بالشفاعة، واعطانا علم ما مضى وما بقي، وجعل افئدة الناس تهوي الينا، اغفر لي ولإخواني ولزوار قبر ابي الحسين صلوات الله عليه الذين انفقوا اموالهم واشخصوا ابدانهم رغبة في برنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسرور ادخلوه على نبيك صلواتك عليه، واجابة منهم لأمرنا، وغيظا ادخلوه على عدونا ارادوا بذلك ارضاءك، فاكفهم عنا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم واولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصبحهم واكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك وشديد وشر الشياطين والجن والانس، واعطهم افضل ما املوا منك في غربتهم عن اوطانهم، وما اثرونا به على ابنائهم واهاليهم واقاربهم.. اللهم ان اعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص الينا، وخلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجود التي غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة ابي عبد الله (عليه السلام) وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا اللهم اني استودعك تلك الانفس وتلك الابدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش)) .
فما زال وهو ساجد يدعو بهذا الدعاء فلما انصرف، قلت: جعلت فداك لو ان الذي سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت ان النار لا تطعم منه شيئا، قال الامام (عليه السلام): "لا تدعه، فمن تركه رأى الحسرة ما يتمنى ان قبره كان عنده.
 أما تحب ان يرى الله شخصك وسوادك، فيمن يدعو له رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والائمة (عليهم السلام)، أما تحب ان تكون غدا ممن تصافحه الملائكة، اما تحب غدا ان تكون ممن يصافح رسول الله (ص)"(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
&&&
السيدة زينب (عليها السلام) التاريخ المشرق
عروبة قحطان حسن الخفاجي
يا كعبة الأحزان.. أي حزن عميق بقلبك تحملت..؟ 
وأي عناء طويل للسفر ذقتِ..؟ 
بك دام الفخر مشرقاً يا فخراً للوجود صنعتي.. 
بك تمسكنا عشقاً، وهوينا طريقاً به سرتِ.. 
أهديك قلباً ذاب حباً بك، فيا له من حب فينا تركتِ.. 
يا أختاً، ويا جمال الإخوة فيك أنتِ.. 
يا وفاء شامخاً نحو السماء، ويا أميرة للطغاة أرعبتِ..  
لعيال أخيك صرتِ أمّاً وأباً وأختاً وأخاً.. 
ومن حر الشمس لهم ظللتِ.. 
صرتِ تبعدين السياط عنهم، ولزجر السياط أنتِ صبرتِ.. 
بكِ وقف التاريخ متحيراً: 
كيف سار بك صبرك، ودون الإخوان كيف رجعتِ..؟ 
نعم.. إن الصبر فيك ومنك يا ابنة الزهراء أنتِ.. 
نبكيكِ حزناً سيدتي، ونرفع شعار الحزن إليكِ.. 
وساعد الله قلباً تملكينه، وأروع المصائب بعينيك رأيتِ.. 
يا امرأة شامخة للطغاة زلزلتِ..
&&&
(سؤال شاعر): 
هل حقاً للحسين (عليه السلام) ابنة اسمها رقية؟
علي حسين الخباز
 سألني الشاعر مهيمن الأسدي: هل حقا للحسين (عليه السلام) ابنة اسمها رقية؟ حملتُ السؤال أجوبُ به أزمنة مختلفة ألتقي فيها بعلماء مفكرين، فالتقيتُ الشيخ عبد الوهاب بن احمد الشافعي المصري المتوفي سنة 973هــ على متن كتابه (المنن) الباب العاشر، وهو يحدثني عن مقام السيدة رقية (عليها السلام)، فقال:ـ هذا البيت قطعة شرفت بآل النبي (ص) هي الشهيدة رقية.
 ورحت ألتقي العلامة الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي المتوفي سنة 1294هــ فقال: لقد ذكر اسم رقية (عليها السلام) على لسان الحسين (سلام الله عليه)، فهو ينادي: (يا أم كلثوم، ويا سكينة، ويا رقية، ويا عاتكة، ويا زينب، يا أهل بيتي، عليكن مني السلام).
 وجاء هذا التأكيد في اكثر من مصدر في كتب ارباب المقاتل، وفي مقتل ابي مخنف، والتقيت الدكتور عبد القادر الريجاوي على متن كتابه (روائع التراث) ذكر السيدة رقية (عليها السلام) ضمن من دُفن في دمشق. 
&&& 
ليلة الوداع.. الموقف رهيب 
حوراء خضير
 وها هي الجيوش تحيط بظعن الحسين (عليه السلام)، والنساء والصبية من آل الرسول يرقبون المحنة بقلوب حرّى ونفوس واجفة، يتحرك الحسين حول المخيم ويخطط لحماية الأطفال والنّساء من غاراتِ الجيشِ المتحفز بروح الحقدِ والكراهية للإجهاز على هذه الكوكبة النيرة، وإطفاء نورها من أُفق الإسلام.
 كان الوقت مساءً، والشمسُ قد أرهقها المشهدُ الكئيب، وأثقل خُطاها مسير ذلك اليوم الثقيل، فراحت تتوارى خلف أُفق الصحراء، وتبتعد عن رحاب الأرض لئلا تشهد الكارثة والمأساة، ولتترك الأرض للقمر في ليلته العاشرة يرافق الحسين ويشهد دعاءه ومناجاته.
قُبيل المغيب وقف الحسين في أصحابه وأهل بيته خطيباً ليخبرهم أن القوم لا يريدون قتل غيره، وبوسع كل واحد أن ينسحب تحت جنح الظلام، وينجو من القتل، فرفض الجميع ذلك وأصروا على القتال والفداء.
جنّ الليل، وأرخى الصمت سدوله، وهدأ الطير والهوام، ونامت جفون الخلائق كلها إلاّ آل محمد وانصارهم باتوا ليلتهم بين داعٍ ومصلٍّ وتالٍ للقرآن ومستغفرٍ في الأسحار، وبين مودع وموصٍ بأهله وابنائه ونسائه، فكان لهم دويّ كدويّ النحل وحركة واستعداد للقاء الله سبحانه.
يصلحون سيوفهم، ويهيئون رماحهم، فباتوا تلك الليلة ضيوفاً في أحضان كربلاء، وبات التأريخ أرِقاً ينظر الحدث الكبير، وما يتمخض عنه ميلاد الصباح. وباتت سيوفهم ورماحهم أقلاماً تتهيأ لتخط في صفحات التاريخ بمداد الدم المقدس أروع فصل كُتِبَ في عمرِ الإنسان.
الحسين يودع أهله وأحبابه، ويوصي آخر وصاياه، ويعهد بآخر عهد له، وباع نفسه لله تبارك وتعالى، وقرر أن يسقي شجرة الهدى والإيمان بغزير دمه وفيض معاناته(من ذاكرة صدى الروضتين ) / الملف العاشورائي 1/ 307 (رسالة العشق)
أخترنا لك
المطبخ الكربلائي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة