قراءة في دعاء الجوشن الكبير
2021/02/11
إن أغلب مسارات الأدب هو أنتاج فطرة إنسانية لا تحتاج إلى تكتيك
أكاديمي لمعرفة وتقويم المنتوج وخاصة لو كان يحمل مقومات إيمانية تبث
فيها وجدانا يلهب أحساس المتلقي فالأثارة هنا ستكون وليدة الخشوع الذي
تهيئه أنظمة الطرح الدقيق وإعلان ظرف الحدث بحد ذاته يفصح عن رغبة
المنتوج في التقرب إلى المتلقي بوسيلة الاقناع وتلك أخص خصائص
التوصيلية.. ففي دعاء الجوشن الكبير نرى أن الظرف المطروح هو إحدى
المعارك الإسلامية حيث تم هبوط جبرائيل( عليه السلام) على الرسول
الكريم (صلى الله عليه واله) وأخبره باستبدال الذي يرتديه في الميدان
بهذا الدعاء.. لو ركزنا النظر في ماهية العنونة لرأينا استبدال الجوشن
الملبوس بالجوشن الدعائي أنتج لنا قيمة الترابط التماثلي بالدعاء ، من
خلال المرتكز الطلبي ( اللهم احفظنا من النار يا رب) .. يتكون دعاء
الجوشن من الف أسم من أسماء الله وفيهم أسم اله الأعظم حسب رواية
مسندة للإمام علي ( عليه السلام)، ونرى أن الدعاء قد قسم إلى (25)
وحدة تعبيرية منتظمة لا تحتاج إلى تنظيم وكل وحدة تعبيرية تحتوي (40)
أسما مقترنا بـ (40) ياء النداء ورقم الاربعين يساوي (م) حسب الحروف
الابجدية وللميم أهمية خاصة في الفكر الإسلامي أولا في القرآن الكريم
نجد أن الميم تكررت ضمن الحروف المفتحة بها بعض السور القرآنية فهي
تشكل 69% لسائر الحروف أما في الأحاديث النبوية والأثر وما ورد عن
الأئمة الأطهار (عليهم السلام) هناك أحاديث كثيرة تؤكد أهمية الرقم
(40) وأحاديث للرسول (صلى الله عليه واله) مكونة من (40) فقرة مثل تلك
التي أوصى بها الإمام علي (عليه السلام). لكن لا ندري ما هو التبرير
الذي اقتنع به العلامة المجلسي رحمه الله حين قسم الدعاء على مئة فصل
وجعل كل فصل مكوّن من (10) أسماء دون مسوّغ يدعيه ( الا اللهم لسهولة
الحفظ) ثم نلاحظ عدم وجود الطلب سوى طلب واحد ورد في بداية الوحدة
التعبيرية الأولى وكرر في نهاية الوحدة التعبيرية (25) الأخيرة، وهذا
هو الشكل الفني للدعاء وهو مهيمن اسلوبي فالموضوع مقصوده الاستغاثة
بالأسماء والغاية ادراك الطلب أيّ ثمة مواصلة جوهرية في طريقة التوسل
بذكر أسماء الله لتكوين شكل بلاغي وطريقة معالجة بلاغية ، ولكن
العلامة المجلسي(رحمه الله) يطلب منا أرفاق الطلب بعد كل عشرة أسماء
ولا نعرف المستند أو الغاية وماهية الوضع، وميزة هذا الدعاء هو
الاسلوب (الشكلاني) المحتفظ بسلاسة لغوية في التفكير والنوايا
فالأسلوب التوسلي بالأسماء لها حكمة تعزيز الطلب وهذا تكوين اخلاقي
والا لكان من الأجدر أن يكرر الطلب تلقائيا وليس وضعيا أي دون الحاجة
إلى اجتهاد أحد لتكراره كما فعل في دعاء المجير حيث كرر الطلب (90)
مرة (أجرنا من النار يامجير) ونرى اقتران الأسماء بـ (ياء النداء) وهي
أداة للاستغاثة و(ياذا) وهي صيغة بلاغية وردت على تشكيل مضاف ومضاف
إليه و(يامن) صيغة بلاغية وردت بصيغة أسم الموصول (الذي) ولاحظنا
اعتماد السجعية على حرف الروي وعلى حركة حرف العلة حيث يعتمد السجع
على الحرف ما قبل الاخير.. فباليقين الإيماني في الكتابة الأدبية يخلق
استقرارا نمطيا ينهي الفوضوية الشعرية فتحتاج حينها إلى كلمة تجيد
الاتصال بأعلى قيمة هي الذات العليا وتقدر أن تفصح عن ما يعتري
دواخلنا من خوف وإيمان وشعور بالعدمية وعليها الابتعاد عن أمور الخيال
لتحقيق التقارب الفني، فالمسألة ليست سهلة وهي صعبة المنال، فعلا
للداعي إذا اراد لنصه البقاء فهو بحاجة إلى خبرة عالية في قيادة لغة
حسية تأخذ دلالتها شكل الوضوح واليقين الايماني مبعث أساسي للمتعة
الحسية، ولا أدري كيف فسر (نيتشه) وغيره بان المتعة الحسية ضرب من
التشاؤم، الآن مثل هذه النصوص تذكرنا بالموت .. الموت حقيقة والحقيقة
قيمة والقيمة توقع والتوقع إثارة والإثارة لذة تبعث الشعور بوجود أمور
أصعب ممن الموت الا وهو الحساب