حاولت أن أشرك أبي في رؤية البحث الذي سأعده للندوة المخصصة عن معركة أحد فقال:ـ عليك أن تنتبه لمسألة مهمة أن مؤرخي السيرة تحدثوا عن قضية بدر وكأنها عملية استيلاء على قافلة تجارية من أجل البضاعة والمال..! ومن خلال هذه الرؤية، سيتم انتقاد النبي (ص) شخصياً والإسلام بإعطائه الوجه العدواني الذي يعمل من أجل الغنيمة، لا من أجل الوصول الى الأهداف الكبيرة التي تتمثل فيها قيم الحياة.
لو تأملت في كتاب الله تعالى لرأيت نوعية الاهداف المطروحة في الساحة، قلت لأبي:ـ نورنا ينورك الله بنوره، فقال:ـ المسلمون يعيشون ايامها شعور الرهبة من قوة قريش، ويتمثلون الخطر فلم تكن المواجهة للمقاتلة إلا وسيلة من وسائل ايصال الموقف الى مستوى التحدي الذي يدعو قريش الى القيام برد عنيف، والمشركون ما قصروا في محاربتهم من جميع الجوانب: (المادية والمعنوية والإرهاب والتعذيب الجسدي..) من أجل فتنتهم عن دينهم واخراجهم من بلادهم بغير حق، لا لشيء إلا انهم كانوا يقولون: ربنا الله.. فأراد الله تعالى للحق ان ينتقل الى جانب القوة.
إذن، لابد ان تركز في بحثك يا ولدي عن أن القضية ليست قضية اموال وغنائم كما توحي كتب السيرة، بل القضية قضية حق يراد له ان يحق، قلت:ـ يا أبي، لكن قضية الغنائم كانت واردة، فأجاب فوراً:ـ نعم لكنها لم تكن هدفاً ذاتياً للرسول (ص) بل كانت وسيلة من وسائل الضغط على قوة قريش التجارية التي كانت اساسا لقوتها العسكرية والسياسية، وهذا الموقف لم يكن منسجماً مع الاسلوب الجاهلي للفرد الذي كان يستهدف الحصول على المال من اجل الحاجة الى المال.
قلت:ـ كيف نستدل على ذلك يا أبي؟ اجابني:ـ بالتأمل في الاجواء الروحية التي حشدتها الآيات القرآنية في اجواء المعركة، الى جانب الاساليب النفسية التي أعطت المسلمين الشعور بالقوة، من أجل ربح الموقف لمصلحة الاسلام.
والمسألة المهمة التي لابد ان تركز عليها ان توحي للناس بأن قريش ليست مركز القوة الوحيد، قلت:ـ يا أبي، يعني كان لابد من معركة حاسمة فاصلة تعرض الموقف الجديد، قال لي:ـ بالضبط انطلق الهدف من خلال معركة بدر من منطقة لا تدين إلا بالقوة، والنقطة المهمة في هذا الحوار يا بني ان المسلمين ما كانوا يملكون أي مستوى من مستويات القوة المادية في المعركة، إلا الاستناد على ملكة الصبر التي تشد من عزيمة الانسان والتي تخضع لقوة القدرة على التحمل، وأراد الله تعالى لهم ان يستنفروا طاقاتهم لتضاعف القوة، ويكون النصر هو الحقيقي، ابتسمت حينها فرحا وقلت له: لقد انجزت لي البحث، أطال الله عمرك يا أبي.
