لحظة صمت أخذتني الى عوالم هذه الصرخة الرائعة، الى أعماق البحث
ورجاحتها، فكم استفدت من هذا اللقاء، وكم معلومة سأنقلها الى الناس,
سألني: مامعنى الجلوس؟ قلت: القعود. فقال: وما معنى القعود؟ قلت:
الجلوس. فقال: يابني اذا كان معناهما واحدا كان الاستغناء عن أحدهما
أوجب، ولكن لابد لهما من استعمالات خاصة.
قلت: صحيح، نهض من الأرض الى الكرسي أي (الى مرتفع) يسمى
جلوساً، وأما من الكرسي تنزل الى الارض (الى منخفض) يسمى
قعوداً.
قلت: ولكن في الجلسة المستوية يستخدمان سوية. قال: كيف؟ قلت: يقال
أقعد متربعاً أو اجلس متربعاً. فأجاب: بُني اجلس، وفي هذا شأن الناس
الخلط في كثير من المفردات، وعدم تفريق المعنى كما في الحسن والجمال.
قلت: الحسن للصورة والجمال للفعل.
صاح: رائع انت ايها الاعلامي الجميل.
قلت مازحاً: (هي بقت بيها اعلامي)؟ قال: لا يابني المسألة ليست معقدة
لكنها تحتاج الى متابعة، الآن مثلاً لو قرأنا قوله تعالى: (مِنْ كُلِّ
زَوْجٍ كَرِيمٍ) ماذا تعني (كريم) هنا؟ طيب لنقرأ قوله تعالى: (وَقُلْ
لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ماذا تعني (كريماً) هنا؟ قلت: تعني الحسن.
قلت: وهذا يعني إن الكريم أشمل من الجود. فقال: هذا طبيعي لكن هل تعرف
لماذا؟ قلت: إن الجود سمة العطاء. فقال: صحيح، ولكن العطاء هنا إن كان
بطيب نفس أو من غير طيب نفس فهو جود. أما الكرم فالاعطاء بطيب
نفس.
قلت: وقد يكون عطاء الجود مع السؤال. فصاح: جيد يابني جيد. أما الكريم
فهو الذي يُعطى من غير سؤال. قلت: ياحاج هناك مسألة مهمة لابد أن
تستوقفنا فسأل: وما هي؟ قلت: تقديم صفة الجود على صفة الكرم لله
سبحانه تعالى، وهو الجواد والكريم.
قال: هذه يابني تأتي لسمات الـترقي في الصفات من الادنى الى
الاعلى. انظر قوله تعالى: (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ
الْمِسْكِينِ) فما معنى يحض، والناس لاتفرق بينها وبين (يحث)؟ قلت:
صحيح ماهو الفرق؟ ضحك فقال: الحث يكون في السير والسوق. وهل تعرف
ياولدي الفارق بين الحلال والمباح؟
قلت: هذه بسيطة وأغلب الناس عندنا يعرفونها ياحاج؛ فالحلال خلاف
الحرام.
صاح الحاج: جميل، والمباح؟ قلت: خلاف المحظور.
صاح الحاج: جيد جيد يابني... وهذا يعني إن الحلال ماينص الشرع على
حله، والمباح مالم ينص على تحريمه في حكم خاص أو عام