رحلة إلى القداسة في زيارة ابي الفضل العباس عليه السلام ( الجزء الاول )

2021/02/08

( حاوره علي حسين الخباز )

نحو تفسير واع نسعى به لاحتواء مكونات القداسة لكل ما يمت لشخصية ومقام مولاي أبي الفضل العباس (ع) ومن أجل الدخول إلى عمق هذا المحتوى الايماني نلتقي أحدى العقليات الناضجة لندرك من خلالها ما يمكن أن نحمله زادا لوعي شفاف..

فهي رحلة أذن بصحبة سماحة الشيخ ( صلاح الخفاجي ) احدى الشخصيات الدينية المعروفة في كربلاء

س:ـ ثمة تعدد في صيغ الزيارة .. كيف تقرأها ؟

الشيخ صلاح :ـ نجد في بعض الكتب التي جمعت كل ما ورد بدليل أو بغير دليل معتبر في الكثير من الزيارات مثل كتاب الانوار وبعض الكتب الاخرى ما نستطيع نوعا ما من الاعتماد عليها مثل كتب الشيخ المفيد وكتاب مصباح الزيارات وكتاب وسائل الشيعة للحر العاملي .. فعموما نر ى ان لكل معصوم من الائمة عليهم السلام اكثر من زيارة اثناء توجهه إلى كربلاء ولكل زيارة لها أسلوبها الذي يختلف وهذا يبرر وجود أكثر من نص لبعض الزيارات المطلقة للمعصومين عليهم السلام بعد ذلك نجد خصوصية كل أمام في زيارته الخاصة بوقت محدد أو المطلقة

س :ـ اذن لنتحاور في موضوع السلام؟

الشيخ صلاح :ـ أشرف الكلمات( السلام )وهي مشتقة من صفات الجلالةوكلمة أهل الجنة فالسلام مبارك ولا أعتقد أن ثمة كلمة أجمل من السلام مؤهلة أن تقف بها امام حضرة المعصوم عليه السلام أو أمام أي صاحب مرقد مطهر من المراقد المقدسة

 

س :ـ هل نستطيع أن نركز على ترتب السلام عندما نذكر العبارة التالية سلام الله وسلام ملائكته الصالحين وسلام ... ؟

الشيخ صلاح :ـ نعم لان الرفعة الحقيقية تاتي من المكان الذي نزل منه السلام فالرسول (ص) يقول لأحد أصحابه:ـ جبرائيل يخصك بالسلام ويقول لأحد من أهل بيته :ـ الله يخصك بالسلام فهذا يتبع شرف المنزلة فعندما يخاطب أمامنا الصادق(ع) عليه السلام يقول سلام الله وسلام ملائكته يعني بهذا الانتساب إلى الذات المقدسة وأن ينزل منها السلام ليصل إلى نتيجة أن روح أبي الفضل (ع) وصلت إلى درجة الارتقاء الذي يستحق نزوله السلام المباشر من الله جلت قدرته دون وساطة الملائكةوبالمقابل نجد تفسيرا اخر لبعض الفرق الاسلامية حيث لايرون مشروعية السلام على الميت ولو كان خاتم الانبياء (ص) لأنه لايسمع ولا يمكنه رد السلام ولو أن هذا البعض ولأسباب سياسية معروفة تنازل الآن وجـــّوز ذلك بقوله يمكن أن يسمع الميت بواسطة الملائكة ونحن لسنا بصدد الرد على مثل هذه الاراء والمهم إن إمامنا يريد أن يوضح أن روح أبي الفضل العباس (ع) وصلت إلى مرتبة من السمو والارتقاء والعروج إلى ملكوت الاخلاص في خدمة الرحمن تستحق أن ينزل عليها السلام خاصا من الله ثم الملائكة ثم الرسل ثم الانبياء .. هذه أشارة واضحة إلى هذا المعنى .. فهذه المنزلة العالية التي تصل حد أن يأتيهم الكأس مباشرة فيه ألذ ما يكون عنده ولو لاحظت فالتعبير هنا جاء دون وساطة بينهم وبين الشراب لا ملك مقرب ولا ولدان مخلدون

س :ـ هناك من يفسرها تفسيراً ترتيبياً ؟

الشيخ صلاح :ـ عندما تتعدد الصفات يمكن فيها ملازمة الترتيب الطولي ما بين المراتب وتارة ثمة تمايز زمني مثل عندما نقول ( سيدات نساء أهل الجنة أربع .. آسيا ، مريم ، خديجة ، فاطمة (ع))فهنا أخذنا الترتيب الزماني وأحيانا نأخذ الترتيب العمري وأحيانا أخرنأخذ الترتيب الشرفي في جملة والترتيب الزماني في باقي الجمل فلابأس أن نظرنا على ترتيب العبادة والشهادة

س :ـ ثمة حركة في معنى (الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك)

الشيخ صلاح :ـ هناك روايات عن الائمة الاطهارتتحدث عن صفوف من الملائكة تنزل لزيارة الامام عليه السلام ثم تعرج وتحصل على آثار مميزة في تلك الزيارة وبها تعرف الملائكة الباقون وهناك صفوف أخرى مقيمة في المرقد المطهر وملازمة له لوظائف وعنايات قد لا نفهم بعض معانيها

س :ـ لنعد إلى الترتيب ثانية لنجد أن عملية الشهادة ورد فيها مثل هذا الترتيب مثل التسليم والتصديق والوفاء والنصيحة

الشيخ صلاح :ـ أعلى درجات الايمان هي التسليم واقرب ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى هو عندما يسّلم أمره وأموره واقواله إلى الله وحتى كلمة الاسلام منبثقة من هذا المعنى فدرجة التسليم هي أفضل درجات الانبياء والعباد الصالحين وعليه التسليم أفضل من التصديق وأكبر من الوفاء وأكبر من النصيحة وهذه الصفات جميعها منبثقة من التسليم فمتى ماسلـّم وأذعن الانسان إلى الله حصل على الوفاء والصدق والاخلاص وهناك مبحث خاص في هذا فالامام عليه السلام يريد أن يبين إلى أن عمه العباس (ع) حاز على درجة المســّلمين أمرهم إلى الله الذين فوضوا امرهم بشكل كامل إلى رحمته سبحانه وتعالى

 

 

س:ـ هل شخصية مثل شخصية العباس عليه السلام يحتاج الى شهادتي .. انا عندما اقول اشهد لك بالتسليم والتصديق ؟

الشيخ صلاح الخفاجي :ـ هناك اختلاف في وجهات النظر أود ان ابينها أولا فبعض المؤمنين يقعون في الوهم حين ينظرون الى نص الزيارة على ان الامام قالها لكي يعلمنا كيف نزور هو زار لكي نزور مثله ودعا كي ندعو مثله وأنا اعتقد ان في ذلك وهم ..

س :ـ اين التمثيل الجمعي هنا؟ سأعطيك مثالا .. فعندما يقول الامام علي عليه السلام وهو سيد المعصومين من الائمة .. يقول ( اللهم اغفر زلتي وعثرتي ) ونحن نؤمن بإن الامام علي عليه السلام هو رجل معصوم من الزلة والعثرة .. فاليس هذا تمثيل لزلتي وعثرتي ؟

الشيخ صلاح الخفاجي : اولا نحن عندنا تفاسير كبيرة لهذا الدعاء بما يعضد مقولتي االتي هي ليست اجتهادا شخصيا وانما هي تعتمد على الكثير من المصادر والكتب الموثوقة في شرح الصحيفة السجادية وفي شرح الادعية لندرك من خلالها ان مقام العبودية الى الله تبارك وتعالى مقام لايدرك فالسؤال الذي لابد ان يطرح هل انا وانت نرى ذلة انفسنا امام الله اكثر من علي بن ابي طالب عليه السلام ؟ طبعا لا فالثابت في العقل والببديهيات ان كل معرفة الى الله ينبثق منها عمل تذللي الى الله فانا وانت من الطبيسعي ان نمتلك التكبر اكثر من الامام علي عليه السلام والذي يرى نفسه بذلة امام مولاه يحتاج الى الفاظ يعبر عن ذلته امام خالقه وحتى يستشعر تلك العظمة .. مثال يقول اممنا السجاد ( انا مثل الذرة او دونها ) يعني عندما يتطلعون الى عظمة الله لايستطيعون ان يبقوا لذواتهم شيئا فنكران الذات عندما يصل الى مرتبة لايستطيع ان يقول عنها عدم وهو موجود فيعبر عن عدميته .زمجموعة من الزلات والاخطاء فامامنا ابو عبد الله الحسين عليه السلام يقول في دعاء يوم عرفة ( الهي من كانت حقائقه دعاوى فكيف لاتكون دعاويه دعاوي ومن كانت محاسنه مساويء كيف لاتكون مساوءه مساوىء فالامام عليه السلام يشعر ان كل ما يدعي بحقيقته بالنظر الى الوجود الاقدس هو مجرد ادعاء ليس على ان الحسين عليه السلام كذات بل ينظر الى خالق تلك الذات .. اذن من يكون هذا الانسان ومهما عظمة منزلته امام خالقه ؟ والحسين يرى من خلال هذا المنظور فيما جاء في نفس الدعاء ( اذا المحاسن هي منك فلا فضل لي بها ) فهذا اثبات فلسفي يعني ان من يقول انا أحسنت فقد اساء فلذلك يقول عليه السلام ( مني ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك ) فيقول الحسين عليه السلام في قول آخر (الهي كيف اشكو حالي وهو لايخفى عليك أم كيف اترجم مقالي وهو محال ان يصل اليك أو يكون من الظهور لغيرك ماليس لك حت يكون هو الظهر لك ) فعندما اقول آلهي انا مريض الا يدري الله بي . اقول شافيني فلهذا لايمكن ان يدعو الانسان والله يسمعه لأن الله قد سمعه قبل ان يدعو حيث خلق تلك الاحرف على لسانه هذا هو التفسير الاول لأن استشعار العظماء لعظمة الله يجعل كل ما يقدمون يزيدهم اذلالا .. يقول امانا زين العابدين عليه السلام لو بكيت حتى تسقط اشفار عيني ولوانتحبت حتى يتقطع صوتي ولو ركعت حتى ينخلع صلبي ولو سجدت حتى تفقأ حدقتاي ولو قمت حتى تنشر قدماي ولو أكلت تراب الارض طول عمري ولو شربت ماء الرماد آخر دهري ولو .. ولو .. لما استوجب بذلك محو سيئة من سيئاتي .. أما التفسير الثاني فامامنا زين العابدين عليه السلام عندما كانوا يعاتبونه على تعمقه في العبادة كان يجيب ( أنى لي ان أصل الى درجة علي بن ابي طالب عليه السلام ) فاذا كان هناك شعور من امام بان هناك امام قد عبد الله احسن من عبادته الا يكفي هذا ان يشعره بالذنب العظيم فانت عندما تقوم بسلوك ما تجده طبيعي امام اخيك لكنك قد تجده امام الرجع تجاوزا

س :ـ لابد لنا أن نشعر بأن زيارة الامام المعصوم إلى مرقد العباس عليه السلام والشهادة والتسليم والتصديق له مبلغ رسالي الي لأني ارى فيه رجل رسالي في كل حياته لكن الوهم الذي انا وقعت فيه هنا هو جوهر التمثيل بما يتضمن الانابة

فضيلة الشيخ صلاح الخفاجي :ـ وعلينا اذن أن ندرك أن الفرق كبيرا بين نقول زار عمه العباس (ع) وبين أن نقول زار العباس (ع) عني فهو أن زار ودعا لله قد من حقنا أن نقطف من تلك الافاضات كي نستفيد منها لكون عطاءهم مشهود فهم منبع العطاء .. فحين يقول المعصوم (ع) :ـ (أن شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا) فلنتأمل هذه العبارة يعني انهم خلقوا من دماءنا ـ خلقوا من أعصابنا ـ من عظامنا فاتصور أن الامام ما كان يعنيه جوهر الانابة عنك وعني بقدر ما يعنيه أن ينقل لك هذه الشهادة كعبرة ودرس من الدروس التربوية اليقينية التي لابد أن نحتذي بها

 

س :ـ نعود لنسألك اذن كيف كان؟

الشيخ صلاح الحفاجي :ـ هذا ما أريد التركيز عليه ما دمنا تكلمنا عن دعاء الامام علي (ع)في إحدى الحلقات السابقة واكدنا أن فعل التوسل والشعور بالذلة امام عظمة الخالق هي نفس الامور التي عظمت لنا شخصية الامام علي (ع)وهذا الكلام ينظر إلى فلسفة المعلول والعلة فالمعلول كله معلول واستشعار العبودية يعظم المعلول الذي انكشف له ما أنكشف له وهو يدعو بهذا الدعاء

 

س :ـ الا تخشى من يفسرهذا القول ويأخذه ربما سهوا إلى الجبرية ؟

الشيخ صلاح الخفاجي :ـ القضية حسب ظني بعيدة عن مثل هذا التفسير فاذا رجعنا إلى القول سنجد أن إئمتنا إئمة الهدى علمونا أن الله جعل الانسان في بحبوحة وتكمن عظمة بديع صنع الله انه جعل هذا الانسان يتحرك اراديا ضمن المحيط المخلوق والمفردات المخلوقة له فهو يشعر إنه مخير في الادوات التي يمتلكها والطرق التي يسلكها فمولانا أمير المؤمنين يقول ( ما نظرتُ إلى شيء الا وجدتُ الله فيه عن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ) ويعني يرى قدرة الله جل تعالى أنسان يتعمق ليتعرف على الصفات الالهية سيؤمن بقيمومية الله في الاحداث اما الانسان البعيد عن مثل هذه التوجهات الايمانية قد لايؤمن بمثل هذه المفردات واما حين يحس الانسان انه بعين الله فذلك شعور ايماني فإما منا الحسين عليه السلام يقول ( هان علي بي ما نزل بي لانه بعين الله ) فهو يشعر أن الله معه والفرق بين مابين الشعور بالجبرية والانتماء الحقيقي إلى الله هو شعور يقيني تشعر من خلاله ان الله ومن الممكن أن يدافع عنك في أي لحظة يشاءها

س:ـ هناك رواية لاحد علماءنا واظنها لفضيلة الشيخ القريشي يقول سافرت ذات مرة مع بعض الوجوديين ممن لايؤمنون بالله وفجأة حدث خلل في الطائرة فوجدناهم يدعون الله أكثر منا

الشيخ صلاح الخفاجي :ـ هذا هو الشعور الذي نتحدث عنه فهم شعروا في لحظة من لحظات الوجود بوجود قوة مؤثرة وفاعلة تقدر أن تغير الحال وتقدم ما لايمكن أن تصل اليه كل مراتب القوة المخلوقة وهذا لا علاقة له بالجبرية ويمكن أن أعود إلى كلامنا الاول فاقول أن الامام المعصوم ما كان يريد أنابة احد في زيارته واذا اردت أن تأخذ التفسير الدقيق عليك أن تفسر اولا لماذا شهد المعصوم بهذه الشهادة ؟ أي بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة ؟ فستجد انه اراد أن يعبر عن عميق شعوره اتجاه عمه العباس (ع) سواء أن كان يريد عليه السلام أن يسمع الملائكة أو الملكوت اويريد أن يسمعها لكائن من كان أو ليجعلها صرخة للاجيال القادمة فهذا التفسير يعود اليك وفسرها كما تريد ..

    
أخترنا لك
قراءة في بحوث مهرجان ربيع الشهادة الحادي عشر

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة