أضواء على محاضرة السيد أحمد الصافي (دام عزه) ( النبوة )
2021/02/07
من أعظم الشخصيات التي عرفها التاريخ الأنساني في جميع مراحله هي
شخصية الرسول الكريم محمد (ص).
أن الحالة التأملية تمنح المتأمل أشياء غنية لتشخيصات دقيقة
تدخل ضمن مدركات التحليل الأمثل لمعالجة المواضيع التاريخية
وتشخيص مواطن ضعفها التي اخذت طابع الرسوخ الذهني من خلال طبائع
قرائية اسست نشوئها ومهدت لتناميها سياسات ذات ستراتيجيات
ممصلحة ليكون هدف هذه المعالجة الأسمى ليس في أعادة صياغة كتابة
التاريخ فحسب بل في بلورة النتائج الموروثة برؤىً موثوقة تنسجم
وجلال قدر النبوة واطروحة السيد أحمد الصافي (دام عزه) في
محاضرته التي القاها في مهرجان ربيع الرسالة الذي أقيم في
العتبة العباسية المقدسة تحت عنوان (الشاهد الذي لا يغيب) وهي
إحدى المعالجات التأريخية لهذا الموضوع حيث بين بشكل جلي أن
قداسة النبوة تنصب في عرض رؤى تفصيلية تأخذ هذه السمات على محمل
البحث والتحليل ولا شك أن الرسول العظيم محمد (ص) هو من أعظم
الرموز الإنسانية التي عرفها التاريخ وبأمكان المتمحص المدرك أن
يلمس وبوضوح المعاناة التي كابدها هذا الرسول العظيم ليكون
الأكثر مظلومية لما تعرض له في حياته من جفاء ولما تعرضت له
سيرته من تحريف فقد استحضر السيد المحاضر قيم التمثيل الرسالي
وناقش مفهوم النبوة ومديات التبليغ الإلهي وبين أن النبوة
ارتباط بمعنى عبادي وركز على حالة هذا الارتباط الذي يحتاج إلى
تأييد إلهي أيضا ليستحضر يقينه حسب مقتضيات الوضع الخاص ويسمى
علمياً بـ (المعجزة) وجميع الأنبياء تمتعوا بمثل هذه المعاجز
التي تتناسب مع التكوينات الفكرية الزمانية والمكانية
لمجتمعاتهم.ومن حيوية قراءة التاريخ الفاعلة هي النهوض برؤى
فكرية فقد شخصت لنا هذه الرموز في سرديات التدوين المزيف
والموضوعة بتقنيات مسيسة لذلك نجد أن مقترح السيد أحمد الصافي
(دام عزه) في تشكيل لجنة علمية تتكفل قراءة البحوث المدونة في
سيرة الرسول الكريم (ص) وهو توثيق مدرك يشهد أن التاريخ المقروء
الأن لا يحمل مواصفات حقيقية لسمات فضلها الله (عزوجل) على جميع
البشر بل هي تكوينات مزورة وشهادات أثبات لواقع تخيلي بعيد كل
البعد عن اخلاقيات النبي (ص) بما حفظه الله من الزلل وتعهد له
السلامة من الخطل وشهد له القرآن الكريم بصفات جليلة وخلق
عظيم.
وأهمية شرح الأبعاد الفلسفية لماهية الانتداب الرسالي تثير في
المتلقي الكثير من المحفزات الذهنية لكون اغلب الأدراك العام
يحمل الكثير من الموضوعات كمعتقد آثر عملية الترسيخ. فالعملية
تحتاج إلى نضوج فكري لتنشأ علاقات الحوار الجاد داخل كل نفس.
لذلك كانت معالجة السيد المحاضر محاولة تجميع هذه الحيثيات
التكوينية بشكلها الحسن والصحيح فيقول سماحته : أن الله خلق
الخلق من غير حاجة لكنه كلفهم بمضامين عبادية وخلق إناس
تساعدهم للوصول إلى هذا الرشاد هؤلاء الناس ( هم الانبياء )
حيث يتم أختيارهم بطرق وتهيئة خاصة ويمنحهم سما ت الجلال
والبهاء من أجل أن تكون لهم طاقات كبيرة بالتأثير العام من
اجل حمل الناس للهداية فهل يعقل أن يصوروا لنا النبي أيوب (ع)
مثلاً بهذا الضعف والذبول وهو نبي اختاره الله لأتمام الحجة
على البشرية وهذا يعني لنا كمقاربة تأملية فلو درسنا الآيات
الشريفة التي وردت بحق النبي(ص) واستعرضنا تلك الصفات الجليلة
التي بينها القرآن الكريم ومقارنتها بتلك التدوينات لوجدنا
فعلاً سخافة الروايات المنسوبة والمكذوبة عن النبي (ص).
هذا النبي الذي ميزه الله ليكون افضل المخلوقين ولو نضرنا
كمثال إلى شخصية أمير المؤمنين علي عليه السلام سيد البلغاء
وحكيم الحكماء وقدوة الشجعان وما هو إلا تلميذ ناجح من
تلامذة هذه المدرسة المحمدية ولذلك نعتبره ميزان الإنسان.
وعلي وفاطمة حجة دامغة على البشرية جمعاء. ولو تأملنا في
هذا الصدق المفعم بالحيوية لمقاربات تسا مت لتصل إلى حقيقة
المعنى وإلى جوهره لوجدنا أن لا بد من وجود موجهات قرآنية
حكيمة تدلنا على قيم الجوهر المكون لشخصية الرسول(ص) أي ان
الرؤية ستكون مستندة على نهج مبين لا يخضع للامزجة أو
المعتقدات ومعالجة السيد المحاضر استندت على مثل هذه الأسس
اليقينية.
أن القرآن يشير صراحة إلى ان النبي (ص) لا يتكلم بكلام
فيه هوى نفسه وإنما كلامه بأشارة من السماء ( فيه حالة من
حالات الوحي ) ولا وجود أطلاقاً لهوى يشكل خلاف ما في
السماء والشيء الذي ينطقه مسكوت عنه فنلاحظ أن الاسلوب
المعروف للسيد المحاضر يعتمد على التعبير المتأني والدخول
إلى العمق عبر تشخيصات دقيقة واضحة كالأستدلالات القرآنية
التي أبعدت جانب الهوى عن المنطوق النبوي ليثبت جدية
الوحي وبما أن الله سبحانه وتعالى اختار لنبيه الكريم
محمد(ص) المرحلة الاخيرة لزمنية مستمرة فكانت تهيأته تتم
بواسطة الانتقال من أصلاب موحدة وكان النبي دائما يؤكد
هذا المضمون والقرآن وضح بعض صفاته الحميدة – نسبه – خلقه
– تكوينه البيئي فقد كان محبوبا واشتهر بالأخلاق الكريمة
قبل البعثة النبوية حتى أكد القرآن على جوهر هذه الصفات(
أنك لعلى خلق عظيم) وهذا الاستدلال سيأخذنا إلى محصلة
مهمة أنما ينطقه الرسول الكريم ليست له أي علاقة بالعواطف
أو الميول وأنما تعني نسبة النبي (ص) إلى السماء وقابليته
على الأرشاد هي قابلية يقين فكيف سنتصور يوما ان مثل هذه
الشخصية العظيمة تمتلك قصورا. فقد حاولت المحاضرة أن تجمع
الحضور الفاعل لشخصية النبي (ص) فهناك التزام وهناك
مشاركة تتباين ردود افعالها وهناك أحتمالات حاولوا
تفعيلها مثلا أن ابن النبي نوح عليه السلام حين عصى هل
يعني هذا أن شركه وجهله لرسالة النبوة تعتبر قصور من
نوح(ع) وبعد هذا يأتي التأكيد على ان وراثة النبوة غير
واردة في مرحلة معينة ومن غير الممكن اسقاط هذه المحدودية
على عمومية المد النبوي...
وقد تعرض القرآن إلى كثير من التهم فقد اتهموه بالكذب
والزور والسحر فالعملية المعروضة إذا هي صراع مفاهيم
عقائدية منها تقليدي والذي يعتقد أن من حق اي مسلم أن
يدعي التمسك بالنبي (ص) وهناك مفاهيم ادراكية ترى أن
مستوى التمسك لا بد أن يكون ايمانياً مدركاً لرسالة
النبي (ص) فالله سبحانه وتعالى الذي لا يحتاج لقسم يقسم
بالله عن طريق النبي(ص) (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت
ويسلموا تسليما) النساء-65 .ليتحول الوعي الأدراكي إلى
تأمل في ثنايا الواقع التاريخي لمعرفة حقيقة المدون
فالبحث تمحور في عدة نقاط كانت كاتمة وظهرت بعد وفاة
النبي (ص) حيث انقلب اغلب المسلمين وتعرضت طقوسهم
العبادية إلى تغير كبير فجهلوا الصلاة وأصبح الوضوء غير
معروف وحصل القضاء في وقتها على منع تدوين الحديث
النبوي الشريف تحت مبررات ضحلة فسحت المجال للكثير من
المدعين ومنهم كعب الأحبار وسواه من الذين اعتمدوا على
التوراة والأنجيل فدخلت إلى الدين عناوين ليس لها
ارتباط به وطرحت نظرية مراوغة هي (حسبنا كتاب الله
)
ليصبح النبي (ص) أكثر شخصية مظلومة عند المسلمين
أنفسهم فشخصية الرسول العظيم لا ترتبط بشخصية محمد بن
عبد الله البخاري. ونجد من يطلع لنا وهو(ورقة بن
نوفل) أكبر عقلية من النبي (ص) وخديجة عليها السلام
تفعل الأفاعيل لمعرفة النبوة وبهذه الضبابية وبهذا
النزق وبهذا المروق تعاملوا مع الموروث الرسالي حتى
دونوا لنا التأريخ وأعدوه غذاءً روحيا وزاداً فكريا
يتزود منه المنهج الأكاديمي المدرسي بصورة عجيبة لم
يراعِ قداسة الرسالة النبوية بشكل يليق بمكانتها.
فالنبي (ص) حسبما تروي بعض مصادرهم ( كان يبول
واقفاً) وهذا يعني أن هناك محاولات لتمزيق هذه
القداسة واذلالها. وإلا هل يعقل أن يتسابق النبي (ص)
مع زوجته أمام الملأ ؟ هذا ما جادت به كتب الصحاح
وبالطرف المقابل نرى هناك تمجيد وتعظيم لمن لا يستحق
الذكر حتى أصبح حظ المنافقين الذين وردت أفاعيلهم في
القرآن صار حظهم كبيرا في الصحاح. فلذلك نجد أن
القيمة الأجمالية التي كونت جمالية موضوعية لخصت
البحث في بعض المطالب الجادة التي أثارها السيد
المحاضر وهو يدعو إلى عدم المجاملة على حساب التأريخ
الموروث عن النبي (ص) وشخصيته ومهما كان نوع هذه
المجاملة والمطالبة أيضا بأعادة كتابة سيرة النبي(ص)
بدقة تسعى لتنزيه هذا الخطاب الرسالي من الأكاذيب
الموضوعة ومتابعة لما عرض من تشويهات بعضها يشيع أن
النبي (ص) لا يحفظ القرآن لزرع حالة التشكيك فلذلك
نحن نحتاج إلى بحوث جادة تعرض سيرة النبي (ص) ولا بد
إذا من جهد مبدع ودقة أكاديمية وجرأة حق ولنتذكر
دائما قول النبي (ص) ( ما أوذي نبي قط مثل ما أوذيت).