(استطلاع الرأي) (العزلة)

2020/01/29

  تقوم بعض الأمثال الشعبية بدور تربوي سلبي، يعمل لترسيخ الإحباط في عقلية الشاب العراقي، وبصنع اليأس بعدما يفقده الثقة بالنفس والقدرة على الرؤية، ومن هذه الأمثال مثل يكثر استخدامه بين عامة الناس، وبين طبقة الشباب من المثقفين، وخاصة عندما تستفزهم بعض مشاكل المجتمع المحيط، اوقفنا المثل الذي يقول: (البعد عن الناس غنيمة)؛ ليكون عنوان التحاور، هل حقاً ثمة غنيمة توجد في العزلة عن الناس؟ والتفسير الأقرب لمعنى الانسان انه يأنس بمن حوله من الناس، نلتقي ببعض الشباب الواعي لندرك أهمية البحث في هذا الرأي:

 

(سكينة محمد/ بكلوريوس علم النفس):

 أغلب دراسات علم النفس تشير الى خطأ الاعتقاد بأن العزلة مبعث للراحة، بينما أغلب نوبات القلب وضغط الدم وتقرحات المعدة سببها الابتعاد عن الناس، وتجعله يفقد طاقته الإيجابية..! أي سعادة يشعرها الانسان بالعزلة هو وهم يقود صاحبه الى عجز المواصلة مع الناس، أنا شخصياً كلما انعزل عن الناس يزداد اكتئابي وضيق النفس، اعود لأجد نفسي وسط الناس سعيدة، وأشعر أن التقوقع يقود الى ادمان العزلة، والادمان سيجعل الانسان عاجزاً عن معايشة الناس او تحملهم، وأجد ان الطريق الوحيد للوصول لغنيمة الحياة الانصهار في العمل والانشغال بالشغل الذي هو انسب الحلول.

ومن محاسن طبيعة العراقيين ان يذيبوا الفردية في روح الجماعة، فهناك عزلة محببة لا تتم إلا بمحبة الناس ومنها عزلة القراءة وعزلة التفكير، خلوة مع النفس، الانصهار في قلب المجتمع، وليجذب البهجة والمعرفة وتلاقح العقول وتداول التجارب.

 

(المهندس زيد علاوي السعدي):

 تواجد الآخرين في حياتنا مبعث شعور نحتاجه كمؤثر شعوري يغذي البهجة، ووجود الأهل في حياتنا أمان ومحبة وشعور وانتماء، ثم علينا الايمان بعدم إمكانية العيش بعيدا عن الناس والاستغناء عنهم.

 لقد مررنا بتجارب مؤلمة صورت لنا الآخر بلا ضمير، لكن وجود الايمان بقيمة الانسان وبالصبر والتصابر جعلنا نحب الألفة، وأهلنا كان لهم قول جميل: (الجنة بلا ناس ما تنداس).

 البعد عن الشر غنيمة، وأين ما تكون، دعني اقولها بقوة: ان البعد عن الناس نقمة؛ لأننا لا نستطيع ان نعيش بلا ناس، وهناك فارق بين العزلة المؤقتة والانفصال، والبعد عن الناس هزيمة يقرها الانسان لنفسه، وعليه الانخراط الحياتي مع الناس حتى لو كان مثيرا للمتاعب، فهو يقوي ملكة التصابر والعزيمة لامتصاص الصدمات وهذا بطبيعته افضل من العزلة المتوحشة التي تجعل المهارات الحياتية في ضمور.

 قد اصل الى نتيجة تجعلني ابتسم أحيانا وهي ممكن ان يعزل الانسان نفسه وهو يعيش فيهم ينتقي ما يصلح وينبذ ما لا يصلح له: أفكاره، مشاعره.. وهذا يجعلني افكر في قضية عدم تعميق العلاقة لدرجة الغاء الحدود، لماذا لا تكون محبة بأصول التعارف المعمق، ليصبح البعاد والألفة أشياء متوقعة وعادية، وهذه هي العلاقة التي ترتكز على النصح والتدبر والألفة الموقرة.

 

 (مريم جاسم/ التاريخ الاسلامي):

 كنت اعاني من الانطواء والعزلة، وكان الجميع يصفون لي علاجي الحقيقي بمعايشة الناس ومحبتهم، فهل سأصدق مغزى الغنيمة البعد؟ أم أصدق علاجي الحقيقي بالاختلاط بالناس؟ وإلا كيف يستطيع الانسان ان يوازن شخصيته دون الناس، لكن علينا ان نعرف معنى الالفة الحقيقية مع الاخرين، دون التدخل في الأمور الشخصية والسطو على خصوصيات الآخرين.

 

(قاسم محمد/ بكلوريوس علم النفس):

البحث عن الشعور الذي تتغذى عليه الالفة والمحبة يأخذنا نحو قيمة التصابر، وتحمل الآخرين، وعدم الرضوخ عند صغائر القول، وانما الموقف العام هو الذي يؤهل الانسان لهذه الالفة حين يصطدم بواقع مربك، وتجرح له مشاعره يردد كلمة الغنيمة في العزلة، لكنها لا تعني بمعناها الاشمل.

قد يحتاج الانسان أحيانا الى الجلوس مع نفسه، وهناك تشخيص مهم لابد ان نقف عنده، وهو ضرورة الانتقاء، انتقاء الناس، الأصدقاء، العزلة، وتعني الهروب والنتيجة سلبية، والالفة تمنحنا مهارات التعامل مع الناس، وتصقل شخصية الانسان وتمنحه قوة مواجهة الخطأ.

الخاتمة:

 واستخلاصا للآراء المعروضة في هذا الاستفتاء يتبين لنا ان ذاكرة الشباب لم تذكر شيئا عن عزلة وسائل التواصل الاجتماعي؛ لكونها وسائط اجتماعية، ومن أساء استخدامها اختار العزلة التي لا تختلف عن غيرها من العزلات.

 ونلاحظ ان الروح الشبابية العراقية تجنح دائما للتعايش مع الناس، والالفة المحببة، وتعتبر البعد عن الناس انكسارا نفسيا لابد ان يعالج، نقدر في من التقيناهم من الشباب روح التواصل المثقف، ونبارك فيهم جوهر الوعي.

 

 

(الوساطة)

 من أشد الأمراض الاجتماعية الفتاكة والتي تنهش بجسد الناس، هي تلك الامراض التي تمرست لتخلق لها حضوراً اجتماعياً يتعالق مع حياة كل انسان، ويشاركه رغيف الخبز دون أن يبالي من أي فم سرقه.

 المشكلة ان نطرح هذا الموضوع في زمن استهلكت كل وسائل الوعظ والارشاد والتنبيه فصار الموضوع كأنه نفخ في قِربٍ مكسورة..! ومن اشد هذا الامراض فتكا هي الوساطة والتي تعني في لغة الواقع امراضا اخرى متنوعة التأثير: السرقة، الرشوة، التجاوز على حق الناس، لذلك سيكون لدينا استطلاع يمتلك اصرار الوجدان على رفض الباطل في أي موقع كان:

 

(الأستاذة ذكرى هاشم رضا/ بكلوريوس محاسبة):

 

 أخطر ما في الوساطة ان تصبح ضرورة من ضرورات البقاء لنعيش الفشل بكل انواعه وان يدخل الحرام في كل تفاصيل الحياة: العمل، السكن، العلاج، وخدمات كثيرة لا تتوفر الا عن طريق الوساطة، وهذا كله نتيجة غياب الضمير، وخيانة الامانة، فلو كان كل عامل يعمل في وظيفته بمسؤولية ما كنا لنعاني يوما من هذه الظواهر التي تحد الانسان الى اقصاه، وهي السبب بما وصلنا اليه، فرغم كرهنا للوساطة، إلا اننا نضطر احياناً للاستعانة بها، مثلاً لديك مشروع وقد شارفت على نهايته وتحتاج توقيعا فقط ولديك صديق أو قريب سيخدمك ان لجأت اليه هل ستستعين به؟ لأن أمورنا ستتوقف بدون (واسطة) سنضطر لها، لهذا نحتاج الى ضمائر واعية لا تحب التجاوز على حقوق الاخرين؛ كي تنتهي مثل هذه الظواهر المريضة.

 

(الشيخ سعد مهدي الحجية/ رجل دين):

 ممكن ان نضع امام أنفسنا الكثير من التبريرات خاصة لو امتلكنا الظروف المناسبة، لكننا للأسف نضع كل الامور في الحسبان، ونبرر كل ظرف بما يحسن تداوله، كل شخص ممكن أن يكمل أموره بالواسطة، لكن القليل منا من يحسب بالحلال والحرام، القليل يخشى ان تصبح حياته حراما، معيشته حراما، ويخسر الدين والدنيا ويخسر البركة ويكسب البلاء، وخسر دينه ودنياه، ويفقد بركة رزقه، وسيصيبه البلاء.. لا اعرف كيف صار الحرام عند البعض حلالاً والتعويد على تعاطيه..؟

 

(ملك جاسم محمد امين/ ماجستير هندسة):

 الموضوع حساس، لكن عطف الله ورعايته موجود، وإذا كان التشخيص موجود والحالة المرضية موجودة، هذا يعني اننا بحاجة الى معرفة اسباب استفحال هذا المرض؟ قد يكون سببه النزعة القبلية التي تناصر ابن العائلة والعشيرة والجيران على حساب حقوق الاخرين..! وقد يكون السبب الجشع، فتتم المناصرة مقابل ثمن وهذا الداء هو المستفحل. ما ينقصنا لتجاوز الحالة ان نمتلك الوعي والضمير والايمان بالله وتنقية عيشنا، وابعاد لقمة الحرام عن سفرة عوائلنا.

 والوساطة من أعراض الفساد الاداري أحياناً تنشأ بسبب ضعف سطوة القوانين وغفوة عيون الرقابة، واحياناً بسبب القوانين نفسها وما تحمله من تمايز واستثناءات لا يمكن القضاء عليها إن لم تأتِ الحلول من أعلى سلطة تعيد ضبط هياكلها الادارية، وتعزز هيبة القانون والرقابة، وتعلم شعبها ثقافة احترامه، أو أن يصل بنا الوعي الايماني الى موقع تحصين النفس، ونصبح امة مؤمنة، وهذا متوقع وأرى أننا نمتلك القدرة على النهوض.

 

(ناصر عبد الرسول عبد الله/ تاجر):

 لنقف عند جوهر الموضوع بين الوساطة المحمودة شرعا والتي تعني الشفاعة، وبين الوساطة المذمومة، وهذه لا يرضاها الشرع المطهر، فالوساطة المذمومة: هي توسط لدى شخص ذي نفوذ لقضاء منفعة لشخص ما.. ويترتب عليها ضرر أو هضم حق إنسان وإعطاء هذا الحق لغير مستحقه..!

 أما الوساطة المشروعة: هي التوسط لدى شخص ذي نفوذ لقضاء حوائج الآخرين دون أن يكون في ذلك مضرة لأحد. ومثل هذه الوساطة ينتج عنها قضاء حاجة إنسان دون التعدي على إنسان آخر.

 ونحن في حياتنا نحتاج في كثير من الأحيان لموضوع الوساطة، بشرط ألا يكون فيها تعدٍّ على حقوق الآخرين، والإسلام قد حث على نفع الناس، والسعي في حاجة الآخرين، وقضائها، وقد سئل رسول الله (ص): أي الناس أحب إلى الله يا رسول الله؟ فقال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعاً)) لابد من التفرقة بين النوعين؛ لكي لا يكون في انفسنا حرج في بعض الامور الانسانية التي نحتاجها.

 

 


 

أخترنا لك
الخصائص الاسلوبية لكتاب جواز الجمع بين الصلاتين

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة