أمام بيت الشهيد أحمد كاظم هادي، اجتمع أصدقاء الميادين
ليتفقدوا حال والدته، استقبلتهم الأم استقبالاً حاراً، مكللاً
بالدمع والصلوات، وسألتهم عن أحوالهم واحداً واحداً، وبدأ الجميع
يصغي لوجيب قلب أم شهيد:ـ كان ابني احمد ودودا يحب الناس، ولديه
يقين عالٍ بالتضحية.
وهي تتحدث، كنا نرى فيها صديقنا أحمد (رحمه الله)، وأكيد هو
موجود في قلبها وروحها، المسألة الى الآن لا شيء خارج منطق المألوف،
لكن في نهاية الزيارة، سألناها أحدنا:ـ عمة، هل تريدين منا شيئاً،
اطلبي ما تردين، فكلنا احمد؟
قالت: نعم، انا كنت انتظر منكم هذا السؤال، لأقول لكم: إن
وصية ابني احمد كان يريد مني ان افتخر حين يلف بالعلم العراقي،
ويأتيني شهيدا، وانا اريد منكم ان تهبوني هذه الفرصة، ان اقف على
الأرض التي استشهد فيها ابني، وان امر بجميع المناطق التي قاتل
فيها، اريد ان ازور النباعي وسامراء ومنطقة الملابسة والحويش التي
استشهد فيها ابني، أريد أن اقابل نساء الحويش، أن أقول لهم: طوبى
لكم بهذا السلام الذي تعيشونه اليوم، لكن لا تنسوا ان هذا السلام
شيّد بدم ابنائنا وفلذات اكبادنا، هذا الأمان، كان ذابلاً لولا دماء
ابني احمد ومن معه من الشهداء.
يا اهل الحويش وكل المناطق المحررة، كان ابني مغواراً صاحب
الغيرة والشهامة والشرف والضمير، ابني الذي لم يرتضِ أن ينال منكن
العدو حتى لو خادعكم بالالفة الكاذبة والوعد الزائف. قمصان الخيانة
عارية لا تجلب إلا الذل.
حدثيني يا حويش: كيف سقط ابني هذا المغوار الذي ما كان يهاب
الموت، ابني الذي قالوا عنه: انه رفض الانسحاب، وبقى في مكانه ثابتا
يقاتل، تمكن من قتل العديد من الدواعش، قال لي احد المقاتلين:ـ انا
رأيته يا عمة، خرج من الموت المحقق في موضع الملابسة، ولكنه أصيب في
الحويش.
يا نساء الحويش، أيتها الأمهات المباركات، انعمن بأولادكن،
هذا ما أرادته المرجعية المباركة، وما صمم عليه أبناؤنا، لكن عليكن
ان لا تنسين تلك الدماء التي سالت هنا، ارفعن للدعاء يد التضرع، بأن
يرزقهم ثواب الجنة، واقرأن في كل وقت ما تيسر من سورة
الفاتحة.