الترادف في بلاغة أمير المؤمنين(ع)

2020/01/25

علي حسين الخباز

اللغة العربية غنية بمفرداتها، ودلالة الترادف لغة: تعني ما يتبع الشيء (التتابع) ويعني عددا من الكلمات المختلفة، تحمل كل منها معنى واحدا كـ(الجود- السخاء). ويرى بعض العلماء اختلاف اللفظتين لإختلاف المعنيين مثلا (الحلم- الرؤيا) فالحلم: هو ما يراه الانسان في منامه من الشر، والرؤيا ما يراه من الخير.. و(الحمد والمدح) الحمد: يأتي على إحسان، والمدح: على صفة جمالية. و(الخجل والحياء) الخجل: مما كان، والحياء: مما يكون و(الغضب والسخط) الغضب: من الصغير على الكبير، والسخط: من الكبير على الصغير. وجاء في إحدى خطبه عليه السلام: (الْحَمْدُ لله... الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ ولا نَعْتٌ مَوْجُودٌ ولا وَقْتٌ مَعْدُودٌ ولا أَجَلٌ مَمْدُودٌ) فرغ من الكلام في الذات، وامتناعها على العقول، في تقديس صفاته عن مشابهة الصفات الحادثة، فكل صفات الممكن يبلغ اثرها حدا تنقطع اليه، كما يحده في قدرتنا وعلمنا مثلا فان لكل طور لا يتعداه، أما قدرة الله وعلمه فلا حد لشمولها، وكذا يقال في باقي الصفات الكمالية.. والنعت يقال لما يتغير، وصفاتنا لها نعوت- فحياتنا لها أطوار من طفولة موجبا لما بعدها وقوة وضعف وقدرتنا كذلك تقصي وكمال وغموض ووضوح.. وأما صفاته منزهة عن هذه النعوت ثم ازلية أبدية لا تعد الاوقات لوجودها وأيضا في ذاته بها ولا تضرب لها الآجال.. والوصف هو لا يبضع كنهه كلام مولد.. صفة تواصف الشيء. والنعت يقال انه يستخدم للنكرة والوصف العام كما جاء في نفس الخطبة: (ولا وَقْتٌ مَعْدُودٌ ولا أَجَلٌ مَمْدُودٌ) والوقت أرخ وقت وأجل مدة الشيء. وفي احدى خطبه قال الامام علي (ع): (ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الأَجْوَاءِ وشَقَّ الأَرْجَاءِ وسَكَائِكَ الْهَوَاءِ). والترادف بين فتق وشق، فالفتق تأتي بمعنى استخرج. وشق: بمعنى كسر (كسر الحطب).
فقد وردت في احدى خطبه (ع) (واسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وبِالاغْتِرَارِ نَدَماً)
أي انتهز منه غرة وكان الحامل للشيطان على غواية آدم حسده له على الخلود في دار المقام ومرافقته الابرار من ملائكته الأطهار.. ادخل الشيطان عليه الشك في ما تناول منه سائغ التناول بعد ان كان في نهي الله تعالى له عن تناول ما يوجب من اليقين بحظره عليه، وكانت العزيمة في الوقوف عند ما امره الله فاستبد به الوهن الذي اقضى إلى المخالفة. والجذل: الفرح.
وقد كان في راحة الامن بالاخبات إلى الله وامتثال الامر، فلما سقط في المخالفة تبدل ذلك بالوجل والخوف من حلول العقوبة، وقد ذهبت عنه النعرة وانتبه إلى عاقبة ما اقترف، فاستشعر الندم بالاغترار. ومن اللغة  جاءت مفردة جذل.. طرب وفرح.. والغرور ما اغتر به من متاع الدنيا. وترادفات أخرى كثيرة مثل قوله في احدى خطبه: (أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ الله إِلَيْهِمْ). وأخذ الميثاق: أن يبلغوا ما أوصى إليهم ويكون ما بعده بمنزلة التأكيد له أو أخذ عليهم ان لا يشرّعوا للناس إلا ما يوصى اليهم عهد الله إلى الناس هو ما يأتي يعبر عنه بميثاق الفطرة..
ويكون الاشتغال عن الترادف من خلال السياق الجملي ولو أردنا الاطالة في هذا الموضوع لوجدنا متسع من الاستشهادات.
أخترنا لك
قراءة في بحثِ (الإباء والدفاع عن الدين..) أبو الفضل العباس أنموذجاً

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة