جواز اللعن مطلقا

2020/01/07

علي حسين الخباز
كتبت هذه المقالة بتاريخ 14-6-2011

تسعى مدلولات كل بحث في اولويات الشيوع الابداعي المقاد باتجاه سياقات رؤيوية تصب في معرفية المقصد البحثي لإستيعاب الكم الموروث سعيا لمعالجته ضمن مرجعية موثوقة. وفي هذا المساق تعد بحوث وحدة الدراسات في شعبة الاعلام التابعة لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة خطوات جادة لجمع المشتركات الفقهية من خلال انموذج مرجعي (القرآن الكريم، السنة النبوية) سعيا لتشذيب هذا الموروث من تحريفات قسرية أقحمت لمهام سياسية قبلية خلقت مشروعها عنوة لزرع الفرقة فاختارت وحدة التأليف في بحثها الموسوم (جواز اللعن مطلقا) وهذا يدل على وجود اتفاق اسلامي ضمن الاطار الدلالي العام متمثلا عبر مدارس ومنهجيات انتجت مصطلحات قياسية وصفية تحرك المعيار القيمي بمزاجية مصالحها وخاصة في موضع حساس مثل (اللعن والتبرئة).
إذن يعتبر اللعن خرقا للصنمية القبلية التي حاولت تمجيد رموزها الدنيوية ذات الاطر القبلية الضيقة. فيصوغ لنا الفعل الابداعي مفهوما بالغ الأهمية؛ كون تلك اللعنة بذاتها تعني الرجوع الى حكم الله سبحانه تعالى، ومثل هذا المسعى سيعطي نتائج مؤثرة، فابتكر ذلك البعض خروقات فكرية عبارة عن انحرافات ترى ان اللعن ليس من اخلاقيات الايمان، وتحث على عدم لعن الظالم والجائر والمنحرف حتى ابليس (لعنه الله) تحصن بمفرداتهم الواهية ليتقي بها من لعنة المؤمنين، في حال نجد في القرآن تصريحات هي نتاج الحكم الإلهي، ونجد هناك بعدا متواترا آخر في الروايات الموثوقة، كأحد مصاديق البراءة من اعداء الله تعالى، والفضاء الاوسع للاحتواء الايماني كفرع من فروع الدين مما سيضع المتلقي بشكل ملموس في اطار الفهم المشترك عرف لغويا بمعنى الطرد والابعاد سخطا. واندرجت تحت هذا المسميات صفة اللعين الغالبة على الشيطان لكونه ابعد عن رحمة الله تبارك وتعالى.
ولاشك ان الفارق كبير بين اللعن والسباب، وقد تعرض هذا الفارق الى عملية الغاء قصدي من اجل زرع التيه في ادراك المعنى الشرعي. ولذلك اتجه البحث نحو تعريف مفهوم التشريع اولا: هو تنظيم صدرَ من الله سبحانه تعالى لأجل ترتيب حياة الانسان... ومثل هذا التداول الكشفي سيمنح العلاقة القائمة بين الله عز وجل والانسان عبر الاجراءات الرسالية لحمل الرسالة من المرسل الاعظم الى المرسل اليه. وقد ورد اللعن في كتاب الله العزيز والكثير من الآيات بألفاظ متعددة ومنسوبة الى الله كـ( يلعنهم، لعنتي): (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) البقرة:  159 (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) الزمر: 78 ومنها ما هو صادر من الانسان بلفظة (لعنة): (ثُمَّ نَبتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) آل عمران: 61 (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) القصص: 42 ولفظة (لعن): (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) المائدة: 78 وفي قراءة متأملة لهذه الآيات القرآنية سنجد ان الحصيلة التي وقعت عليها اللعنة من  (الكافرين، الظالمين، المنافقين...) كما سنجد ان هناك نموذجا دلاليا في إحدى الآيات القرآنية التي جمعت (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) البقرة: 161 ونجد ان العلائق التي تجمعها المفردة القرآنية تنفتح على نتائج دلالية واضحة الرؤى يقينية الثبوت كقوله تعالى: (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) البقرة: 159 فندرك وضوح التعامل الشرعي في عملية اللعن بوجود مفردة (اللاعنون).
والغاية التي قام عليها النص البحثي هو الارتكاز الكلي على المرجع القرآني الذي جاء بست وثلاثين آية ناطقة باللعن، وأربعين كلمة متعلقة فيه. والمعلوم ان المفهوم القرآني لا يتقيد بحيثيات الزمان والمكان، ولا بنوعه الجنسي؛ لكن تشريع اللعن جاء بحق المكلف من الجن والانس كالشيطان والانسان حين ينغمس بالكفر والكذب والظلم والنفاق... وبحق غير المكلف ايضا كالخمر والغناء كمفهوم. والشجرة الملعونة التي كان تأويلها عند العلماء هي (بني أمية).
ثم نجد ان مصادر الموروث السني حافلة بجواز اللعن؛ فأحمد بن حنبل أورد عن عمر عن النبي جواز لعنة الخمر، وكذلك في سنن أبي داود، والبهيقي، وصحاح مسلم، لعن آكل الربا، والترمذي لعن الراشي والمرتشي، والبخاري نقل عن لعن المخنثين والمترجلات من النساء... وابن ماجة نقل لعن الرسول (ص) لمن فرق بين الوالد وولده، والسيوطي، فعلي (ع) لعن من انتقص حق الرسول وعترته.
ثم ندخل عمق المعنى من خلال مواجهة نصية مختطة من نفس العناوين المذهبية المعترضة على اللعن لتكشف عن تصدع الإدعاءات غير المسندة اساسا بموروث مقدس. فنجد مثلا قول الطبري: لعن الله الظالم... وتشمل الكافر؛ فحاول قتادة ان يبضعها فلم يفلح لكونها تعني الظالمين دون تخصيص طائفي. ويرى الآلوسي انها تعني الابعاد عن رحمة الله تعالى. والفخر الرازي يذهب الى ان لعن المستحق للعن حسنة. وفي هوية اللاعن يرى البيضاوي والقرطبي وابن كثير والمحلى بأنها تمثل عامة الناس. ويرى النووي ان اللعن ليس بحرام وابن حجر العسقلاني لا حجة لمنع لعن الفاسق.
وسعيا لجمع المشتركات لابد لنا ان نرى ونتأمل داخل الموروث الشيعي التماسا واعيا لهذا المشترك عند الكليني، والحر العاملي، والعلامة النوري عن أبي عبد الله عليه السلام: ان الرسول (ص) لعن المتشبهين بالنساء من الرجال والعكس ايضا... وكذلك ورد لعن الخمر عند الشيخ الصدوق والطوسي وغيرهم عن لعن الربا. ولعن ابو عبد الله عليه السلام القدرية والخوارج والمرجئة... وعن الرضا عليه السلام جواز لعن اعداء آل محمد عليهم السلام.
اما اقوال علماء الشيعة وجواز اللعن فيرى المحقق الكركي: لاحرج في لعن الضال، وكشف مساوئه، لتنفير الناس والتبرئة منهم. وكذلك الاردبيلي، والفيض الكاشاني، والحويزي، والعلامة الطباطبائي. واعتقد ان مثل هذا التقارب الرؤيوي سواء كان انتقاء او رأيا سيشكل مشتركا من اكبر المشتركات المهمة. ويضم البحث العديد من الشهادات ليدخل من خلالها الى جوهر القضية سعيا لصياغة معرفة يقينية تبلور العلاقة الفكرية؛ فيرى الطبري: ان الشجرة الملعونة في القرآن الكريم ان لاخلاف عليها بأنها تعني بني أمية. وهذا الجوهر مثبوت بحديث نبوي: (لعن الله القائد والراكب والسائق) حين رأى ابا سفيان على حمار يقوده معاوية واخوه يزيد. ومثل هذا المعنى ذهبت اليه اغلب استشهادات البحث ليؤكدها القرطبي والآلوسي والشوكاني. وأما علماء الشيعة فهم متفقون على المعنى المقصود وهو واقع الامر، وتعتبره الشيعة هوية انتماء لجوهر الايمان. ونرى ان أي جوهر للنقيض الرؤيوي الذي حاول زرع بعض الشبهات الوضعية كمغزى من مضامين الدفاع عن حومة القبلية المقيتة؛ فيرى هذا البعض ان الشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم، ولا ذنب لها حتى تلعن على حقيقتها، وانها وضعت مجازا والآخر أراد تشويه الحقائق من خلال وجود اسثناءات ايمانية مدركة اساسا من قبل الجميع، فمن آمن من أي قوم من الطبيعي ان لايشمل باللعن ـ الابعاد ـ اما الفريق الذي يرى ان المؤمن لا يجب ان يكون لعانا وهذا القصد يكون في غير موضع اللعن الحقيقي اي عندما يكون اللعن لمن لا يستحق اللعن.

أخترنا لك
تساؤلات اعلامي.. أساليب التخاطب

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة