المرجعية الدينية العليا ومشروع بناء الأنسان

2020/04/04

تساؤلات كثيرة وردت في خطبة الجمعة الثانية التي ألقاها سماحة السيد أحمد الصافي من على منبر الصحن الحسيني المقدس بتاريخ 21 شوال 1439 هـ الموافق 06/07/2018 م ، وهي تساؤلات وردت بعدد الأمثلة التي تقدمتها في معرض الحديث عن الخطر الذي يهدد المنظومة الأخلاقية للمجتمع .

كانت اللغة التي تحدثت بها الخطبة لغة تحذير في المقام الأول ، وعندما تحذر المرجعية من وقوع شيء فلابد من الالتفات الى أن هنالك خطر محدق وأن نكون أذنا واعية لما يصدر منها ، لا أن نترك خطابها خطاب المتمني لوعي المستمع حيث ورد في الخطبة : ( لعلي بذلك أصيب أذنا واعية ) .

فالقضية التي تناولتها الخطبة هي قضية مجتمع بأسره بدأت قيمه الاخلاقية تتجه اتجاها آخرا مخالفا لما نشأت عليه الاجيال السابقة وبمفاصل عدة من مفاصل حياته مما ينذر بوجود خطر الانهيار الذي سيجعل من الممارسات الحالية التي تم تشخيص بعضها وتم ذكره في الخطبة سيجعلها بديلا للقيم الاصيلة ولات حين مندم لو لم يتم تدارك هذا الامر الخطير .

الامثلة التي تم التطرق اليها ماهي الى نماذج لعشرات الامثلة غيرها ولم يتسع المجال لعرضها ، لكنها أمثلة تشير الى واقع مؤلم لا ينبغي التغاضي عنه .

فمثال وجود النفايات في الشوارع والازقة نموذج استدعى تساؤلا عن ( من المسؤول عنها ولماذا هذه الحالة موجودة ) ، كذلك مثال تهديد شرطي المرور عشائريا واقتتال البعض على بعض المياه في النهر ، ومثال الانهر المملوءة بالاوساخ ، ومثال فقدان المعلم لهيبته بسبب عدم احترام الطالب او عدم اكتراث المعلم بتربية الطالب ايضا تم استدراكها بتساؤلات منها ( لماذا وصلنا الى ماوصلنا اليه ؟ ) .

تطرقت الخطبة الى الفوضى في الشارع وفي السوق إذ لايوجد عيب ولا احترام ( كأن كل شيء حالة من الفوضى ) ، ثم جاء المثال الاخير حول الرشوة فالمرتشي غير مبال والنظيف يمشي وهو خجل لانه لم يرتشي فكان التساؤل هذه المرة (لماذا وصلنا الى هذا الحال ؟ ) .

نبرة التحذير واضحة جدا في هذه الخطبة المهمة وهو تحذير شديد من تصدع وانهيار المنظومة الاخلاقية للمجتمع وأنها مهددة ويجب تداركها ، وأن هذا المجتمع هو بالأصل مجتمع محافظ كما جاء بهذا النص : ( نحن مجتمع محافظ فلماذا التساهل في كل شيء ؟ !) .

ثم تطرقت الخطبة الى حالة عدم الاكتراث ببناء الانسان فأضافته الى حالة التساهل في كل شيء لتبين نمطين من انماط اللامبالاة ، لتطرح مجموعة جديدة من التساؤلات : ( من هي الجهات التي تتكفل ببناء الانسان عندنا ؟ ) و مايخص الفوضى التي شوهدت في بعض الحالات : ( من المسؤول عن إزالة هذه الفوضى ؟! بل من المسؤول عن بداية هذه الفوضى ؟! هل هي الدولة بعنوانها العام ؟ هل هي المؤسسات الأخرى ؟ هل هي الاسرة ؟ ) .

كل من استمع الى الخطبة أو قرأها سيجيب عن التساؤلات المطروحة فيها وفق ما شهده من حالات سلبية في المنظومة الاخلاقية للمجتمع بل أن الامثلة التي ذكرت قد لا تشكل الا النزر اليسير من الواقع ، ولكن الأجابة عن هذه التساؤلات غير كاف مالم يتصدى الجميع لكبح جماح الروح الجاهلية لدى العشائريين واعادة النظر في المنظومة التعليمية ونشر ثقافة النظافة والوعي الصحي والبيئي واحترام القانون واعادة النظر في ما هو العيب و ما هو الاحترام و اعادة النظر في قضايا كالرشوة والتساهل فيها وفي غيرها مما يعد مخالفة للشرع والقانون .

المرجعية الدينية العليا تولي هذا الموضوع اهتماما خاصا وقد ألقت بمسؤولية التخلص من هذه الفوضى على عاتق ( الدولة بعنوانها العام والمؤسسات والاسرة والمدرسة ) وكان في الخطبة رجاء ورد بهذا الشكل : ( أرجوكم لا تجعلوا الأمور تخرج عن السيطرة فالكلّ سيتأثّر، جميلٌ أن يلتزم الإنسان بثوابت أو بقيم أو بأخلاق.. ) .

مرجعيتنا الدينية العليا التي حذرت من الارهاب وضرورة التصدي له واقتلاع جذوره وافتت بمحاربته تحذر اليوم من خطر جديد لايقل عن خطر الارهاب فانهيار المنظومة الاخلاقية للمجتمع سيكون له عواقب وخيمة لا تحمد عقباها ، ونتمنى أن يلتفت الجميع لهذا الامر .

أخترنا لك
الفوضى الخلاقة ، المشروع الماسوني الامريكي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف