ما تزال الأرض التي ارتوت بماء دجلة والفرات تنبت نخلا يساقط منه رطبا
جنيا، وما تزال تلك الروح التواقة للإبداع والتي تسيّدت العالم عبر
حضارات سبعة آلاف عام من العطاء، حاضرة في نفوس أبناء هذه الأرض
.. حاضرة فيهم بشكل يوحي إليك بأن العراق هو الأنسان العراقي وليس
مجرد الأرض، ..
مايميز العراقي أنه موغل بالقدم أيا كان عمره، تشعر بامتداد جذوره
وتراها في طفل يمتلك رباطة الجأش وفي شاب ينتفض غيرة وحمية وفي شيخ
يغدق عليك بالحكمة وحلاوة المنطق وفي امرأة لم تكف يوما عن
الوقوف عونا لفرسان الوطن، لاتفارقها ابتسامة تصنع الأمل لزوج
أو أخ أو ولد .. رائحة خبزها كرائحة الأرض لا تفارقهم أينما كانوا
..
كل شيء جميل في هذه الأرض التي ارتوت بالعشق واكتوت بالحرب .. كل شيء
مختلف فاسألوا من جرب الغربة أياما أو عقودا .. كل شيء يوحي إليك بأنه
العراق، حيث كل شيء مقدس وكل شيء عزيز، إلا أن تكون شائبة من شوائب
الغزوات التي تعاقبت على احتلاله ونهبه وقتل أبنائه، أو فترات حكم طغى
فيها الجبابرة وشيدت فيها قصورهم على حين غفلة من الزمن
.
عن الشجاعة نتحدث .. وعن الغيرة التي لا يكتمل معناها الا حين تنسب
للعراق وأهله فتكون : ( الغيرة العراقية ) .. وعن نصر خطت أحرفه
دماء الشهداء في زمن تكالبت فيه قوى الشر والأرهاب والاستكبار
العالمي، من أجل سلب خيرات هذه الأرض وثقافتها وتراثها وجر أبنائها
إلى سلسلة من الحروب الناعمة والصلبة والنزاعات المختلفة بذرائع تحمل
عنواين مختلفة .
فأما الحرب بمفهومها العسكري فقد تصدى لها رجال الفتوى المقدسة
يؤازرون أبناء القوات المسلحة وقد تحقق بهم النصر والظفر وذاق الأعداء
منهم مرارة الهزيمة ..
وأما الحرب الناعمة التي أعلنت عنها قوى الاستكبار العالمي بكل وقاحة
فهي ماتزال مستعرة تلقي بسمومها بين فئات المجتمع المختلفة فتستهدف
الطفل والمرأة والرجل .. تستهدف جميع الفئات العمرية دون استثناء وقد
أعدت المناهج لذلك وجيشت الجيوش الالكترونية لضرب وتحطيم كل شيء مقدس
في نفوسهم تمهيدا لغزو عسكري كبير لايجد من يقف بوجهه
.
الحرب الناعمة .. تستهدف حضارة هذه الأرض فتحاول تجزئتها ونسبتها
لحضارات أخرى .. الحرب الناعمة تستهدف الأنسان العراقي فتزرع فيه
ثقافة التنكر لأصله وقتل روح المواطنة والانتماء لديه .. الحرب
الناعمة تستهدف الدين الأسلامي الذي يشكل عصب الحياة لهذا الشعب فتثير
الشبهات العقائدية وتبث روح الالحاد والتحلل في النفوس، متذرعة
بالواقع السياسي والاداري الفاسد، .. الحرب الناعمة تستهدف المرجعيات
الدينية التي برهنت للعالم أنها الملاذ لهذا الشعب في كل حين، وأن
بأمكانها أن تقلب الطاولة على أي مشروع يستهدف هذا الوطن العزيز ..
الحرب الناعمة تستغل البطالة وتستغل المشاكل الناجمة عن صراعات الطبقة
السياسية فتروج لثقافة التحلل أو العنف وتصنع الأجواء الملائمة لليأس
..
وقد شهدت ساحة الحرب هذه هجمات شرسة أدى بعضها إلى ظهور بعض النماذج
التي كانت تنتظر تلك اللحظة التي تعلن فيها عن وجودها المريض المختل
الرافض للوعي المتنكر للأصل .. لكنها هجمات لم تترك دون تنبيه أو
مواجهة من قبل الجهات الخيرة الواعية، فالمرجعية الدينية العليا طالما
حذرت ونبهت من خطورة استهداف المنظومة الأخلاقية للمجتمع العراقي ..
كذلك كان سعي الجهات الخيرة الأخرى أيضا في التحذير من خطورة هذا
النوع من الحروب فبرزت لبعض الأخوة أدوار وأنشطة مختلفة ومنابر متعددة
للتثقيف والتوجيه غايتها أن يتمسك المجتمع بثوابته، وهذا الأمر يتطلب
جهودا استثنائية في سبيل الخروج بخلاصة توعوية تطرح عبر هذه المنابر
بطريقة سلسة تحاكي الجميع من أجل تثقيفهم بثقافة رد الشبهات والوقوف
بحزم أمام هذه العاصفة .
النماذج التي تصدت لمثل هذه الأعمال كثيرة - بفضل الله تعالى - فالأرض
التي خرج أبنائها لمقاتلة الدواعش هي ذاتها الأرض التي أنبتت هذه
الروح الشابة الغيورة المتأصلة في فرق إتخذت الإعلام المرئي منبرا لها
مثل ( فريق أبعاد الإعلامي ) ذلك الأنموذج الرائع الذي يطرح مواضيعه
بطريقة شيقة ومختصرة، ومن الجدير بالذكر أن إخراج العمل الإعلامي بهذا
الشكل المميز لم يكن ليتحقق لو لم يكن هذا الفريق قد بذل جهدا كبيرا
في إعداده وتهيئته، وقد تركت أعماله أثرا طيبا رغم أنه مايزال في
بداية الطريق .
هذا الفريق الإعلامي وغيره من الطاقات الشابة تبعث رسالة إطمئنان لهذا
المجتمع مفادها : أن هذه الأرض مليئة بمثل هذه النماذج الطيبة،
تدافع عنه بشجاعة لاتريد من أحد جزاء ولاشكورا .. نماذج نقية لا
تخجل من انتمائها ولا تختبيء خلف الأقنعة أو المسميات الغامضة او
عنوان الجيوش الالكترونية ..
فهذا المجتمع صاحب قضية كبرى .. وينبغي عليه الوقوف بوجه حرب قذرة
تستهدف وجوده، وأن قضيته هي قضية ( وطن إسمه العراق ) سيصبح ذات يوم
عاصمة للعالم بأسره وكفى بذلك فخرا .
...................
حسين فرحان