الرضي والمرتضى

2022/05/01


كتب علي حسين الخباز

وقفت كثيرا امام معنى الرؤى المبتسمة في ثقة التأويل؛ لأقف عند حدود رؤيا المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان نابغة العراق ومفخرة الافاق، فقال لي: رأيت في منامي ان فاطمة بنت رسول الله (ص) دخلت عليّ، وأنا في مسجد الكوفة ومعها ولداها الحسن والحسين (عليهما السلام) صغيرين، فسلمتهما إليّ، وقالت: علمهم الفقه..!
 فانتبهت متعجباً، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأيت فيها الحلم، دخلت اليّ فاطمة بنت الناصر وحواليها جواريها وبين يديها أبناؤها محمد الرضي وعلي المرتضى وهما صغيران، فقمت اليها وسلمت عليها، فقالت: أيها الشيخ، هذان ولداي احضرتهما لتعلمهما الفقه، فتوليت تعليمهما، وفتحت لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في افاق الدنيا، وهو باقٍ ما بقي الدهر.
 هكذا بدأ الغلمان حياتهما الفكرية والعلمية فترعرعا في مدرستي كل واحد انطلق حسب ذوقه ومواهبه الطبيعية، ركز الرضي اهتمامه على العلوم الأدبية والشعر والحديث والتفسير وهو يتولى نقابة الطالبيين، بينما المرتضى صب جهوده على الفقه والكلام ثم التفسير ونبغ كل واحد منهما في مجال خاص مع اشتراكهما في سائر المجالات العلمية والفكرية.
 قلت: يا سيدي المفيد، هناك مجموعة من اهل السير والتراجم نسبوا الكثير من الأمور التي لا تصح نسبتها الى من هو ادنى منهما بدرجات.. فقالوا: ان المرتضى شحيح والرضي سخي..! أجاب الشيخ المفيد: انها ليست التهمة الوحيدة التي الصقت بالشريف المرتضى، بل نسجت الالسنة الحاقدة فرية أخرى أرادوا بنها الانتقاص، وقد جاء في كتاب (عمدة الطالب في انساب ابي طالب) ان المرتضى كان يبخل ولما مات خلف مالاً كثيرا وخزانة اشتملت على (80) الف مجلد..! ولم اسمع عن هذا الشيء، وهناك قرائن تكذب الكثير من التهم، فالسيد المرتضى كان الرجل الصدوق له نفسية قوية، وتقلد الشريف المرتضى به كأخيه الرضي نقابة الشرفاء، وامارة الحج والحرمين، والنظر في المظالم وقاضي القضاة (80) سنة فكان الشريف المرتضى كأخيه معطاء.
 وقال الخطيب التبريزي: إن أبا الحسن علي بن أحمد علي بن سلك الفالي الأديب كان له نسخة لكاتب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها، فاشتراها الشريف المرتضى كي يرجعها لصاحبها بعدما عرف انه باعها لعوز.
  روى أصحاب التراجم: إن السيد المرتضى كان يجري الرزق على جميع تلامذته، حتى أنه قرر للشيخ الطوسي كل شهر - أيام قراءته عليه - راتباً، وعلى ابن البراج، ليتفرغوا بكل جهدهم إلى الدراسة، من غير تفكر في أزمات المعيشة.
يدر من ماله الطاهر، أو مما يصل إليه من الناس من الحقوق الشرعية على تلامذته الكثيرين البالغ عددهم المئات، هذه الرواتب الكبيرة، وكان يعمل لتيسير ادوات الكتابة مجانا لتسهيل أمور العلماء.. رحم الله الاخوين الرضي والمرتضى.

5de90b19a2ab4

72040974

أخترنا لك
المراثي المتوجة بالنحيب..

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف