غزوة بدر الكبرى، إنتصارٌ ومنهجُ حياة
2021/05/01
عبير المنظور
معركة بدر الكبرى (أو الثانية) من المعارك المهمة في تاريخ
الإسلام، لأنها أول معركة وقعت بين المسلمين ومشركي قريش، وذكرت
المصادر التاريخية غزوتين أخريين باسم بدر وهي بدر الأولى وبدر الموعد
أو الثالثة، ولكن الأكثر شهرة هي غزوة بدر الكبرى.
وأتت شهرة هذه الغزوة من خلال انعكاسات نصر المسلمين الساحق على مشركي
قريش وتأثيراته على الساحة الإسلامية والإقليمية -إن صح التعبير- في
حينها، إضافة إلى الكثير من المفاهيم المهمة التي أسس لها الإسلام في
تلك المعركة.
وقعت هذه المعركة حسب أغلب المصادر التاريخية في صبيحة يوم الجمعة
السابع عشر من شهر رمضان من عام ٢ هـ عند آبار بدر، (تقع بدر على بعد
153 كيلو مترًا جنوب غربي المدينة المنورة، كما وتقع في شمال مكة
المكرمة وتبعد عنها 300 كيلو مترًا تقريبًا) (١) وهي من المعارك
القصيرة في الإسلام حيث لم تتجاوز عدة ساعات.
وردت غزوة بدر الكبرى في القران الكريم ووصفها بيوم الفرقان، وورد
ذكرها في عدة سور وهي سورة ال عمران الآيات (١٢-١٣) وكذلك (١٢٣-١٢٧)
ووردت أيضًا في سورة النساء الآيتان (٧٧-٧٨) وسورة الأنفال الآيات
(١-١٩) و (٣٦-٥١) و (٦٧-٧١).
أسس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه المعركة جملة من المفاهيم
المهمة التي سنعمد إلى ذكر بعض منها:
١- استشارة الأنصار في مشاركتهم في الحرب ضد قريش (قال له سعد بن
معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. قال: فقد آمنا بك
وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا
ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو
الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف
منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق
في اللقاء. لعلّ الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله.
فسر رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال:
"سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني
الآن أنظر إلى مصارع القوم" (٢)
٢- وفي التأمل في أسباب هذه المعركة وخصوصًا قضية القافلة التجارية
يتجلى بوضوح أهمية المجال الاقتصادي في دعم بناء الدولة وتأسيس جيش
قوي يحافظ على مكانة وهيبة الدولة بين الدول الأخرى خاصة إذا ما عرفنا
أن المسلمين الأوائل كانوا في ذلك الوقت لا يمتلكون من الموارد
الاقتصادية الشيء الكثير بعد تعذيب قريش لهم وطردهم من مكة، حتى ورد
في أغلب المصادر التاريخية أن قوام جيش المسلمين (٣١٣) رجلًا منهم
فارسان فقط وهم الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو الكندي وسبعون
جملًا (٣)، وهو عدد قليل وعدة قليلة قياسا بعدة وعدد جيش
المشركين.
٣- وعلى الرغم من قلة جيش المسلمين بالعدة والعدد إلّا أن روحهم
القتالية الوثابة والمتقدة بنور الإيمان والعقيدة الحقة كانت السبب
الرئيسي في انتصار المسلمين الساحق في هذه الغزوة وتأييد الله لهم
بإمداد المسلمين بالملائكة ليوقعوا الرعب في قلوب الأعداء ويرهبوهم
كما جاء في سورة ال عمران (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ
يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ
مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا
بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ
إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ
طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا
خَائِبِينَ (127))، وكذلك قوله تعالى في سورة الانفال (إِذْ يُوحِي
رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ
آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ
(12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ
يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(13).)
٤- إضافة إلى اهمية دور القائد في احتواء المقاتلين ودعمهم ماديًا
ومعنويًا بالتشجيع والدعاء، خاصة إذا كان هذا القائد هو خاتم الأنبياء
والمرسلين حبيب رب العالمين محمدًا المصطفى الأمين (صلى الله عليه
وعلى آبائه الطيبين الطاهرين) فقد (خرج رسول الله (صلى الله عليه
وآله) إلى الناس فحرضهم وقال: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم
رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة.
فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ أفما
بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده
وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل) (٤).
٥- كما أسس الرسول (صلى الله عليه وآله) للمبادئ والاخلاقيات السامية
في الحرب من خلال عدم التمثيل بالعدو حيث ورد (أن عمر بن الخطاب قال
لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل
بن عمرو ويدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا قال: فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا)
(٥).
٦- ومن جملة الأُسس الإسلامية النبيلة في هذه المعركة هي الرحمة
بالأسرى حيث أوصى بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) بقوله:
(استوصوا بالأسارى خيرًا) (٦) ومفاداتهم بالمال لتقوية الصف الإسلامي
أو اطلاق سراح بعضهم دون فداء أو اطلاق سراح بعضهم بعد تعليم المسلمين
القراءة والكتابة.
٧- ولعل من أجمل ما أسس النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذه
المعركة هو أخوة المسلمين الحقيقية بالعقيدة والإيمان وجعلها أهم من
الأخوة في الدم إن كان الأخ كافرًا بالله، وتجلى ذلك بوضوح في هذه
المعركة بأن الأقارب والأرحام يتواجهون في هذه المعركة وكأنهم أعداء،
لا تأخذ المسلمين فيهم لومة لائم مهما قربت اللحمة بينهم، فالأُخوة
الحقيقية في الدين، وفي ذلك شواهد كثيرة جدًا يطول المقام بعرضها ولكن
سأكتفي بموقف مصعب بن عمير (رضي الله عنه وارضاه) وأخيه (أبي عزيز بن
عمير، أسره أبو اليسر ثم اقترع عليه فصار لمحرز بن نضلة، وأبو عزيز
أخو مصعب بن عمير لأمه وأبيه. فقال مصعب لمحزر: اشدد يديك به، فإن له
أمًا بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتك بي يا أخي؟ فقال
مصعب: إنه أخي دونك! فبعثت أمه فيه بأربعة آلاف، وذلك بعد أن سألت
أغلى ما تفادى به قريش، فقيل لها أربعة آلاف) (٧).
٨- وبالإضافة إلى ما تقدم فإن هذا النصر الساحق على قريش -القوة
الضاربة في التجارة والسطوة بين القبائل في شبه الجزيرة العربية- له
الأثر الكبير في رفع معنويات المسلمين وشعورهم بالعزة والقوة وشعور
المشركين بالذلة والضعف أمام المسلمين الذين أصبحوا أصحاب قوة يشار
لها بالبنان في المنطقة وأصبحت لهم هيبة وعزة مما أدى إلى انتشار دين
الإسلام بصورة أوسع.
وبلحاظ ما تقدم فإن غزوة بدر الكبرى ليست مجرد معركة مهمة انتصر بها
الإسلام نصرًا مؤزرًا انعكس على الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي
للمسلمين بل إنها أسست إلى الكثير من العقائد والمفاهيم الإسلامية على
مر العصور والأجيال كمنهج حياة يعتمد على الأسس والمبادئ التي ترتكز
على الفطرة والعدالة والإنسانية.
___________________
(١) بدر الكبرى .. المدينة والغزوة، ص ١٨.
(٢) تاريخ الطبري، ج٢، ص٢٧.
(٣) موسوعة التاريخ الاسلامي،ج٤٢، ص١١.
(٤) سيرة ابن هشام، ج٣، ص ١٧٥.
(٥) المصدر نفسه، ج٣، ص ٢٠٠.
(٦) السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل احداث، ج٣، ص٦١.
(٧) مغازي الواقدي، ج١، ص٥٢.