زينب العارضي
ما إنْ رأيتُها حتى رقَّ قلبي لحالها، أراها كشجرةٍ ميتة، قد غزاها
الجفاف ولم تعد كما كانت مخضرة زاهية، تنتصب وسط حديقة منزلي مجردة
خاوية، كأنها امرأة طاعنة في السن تأبى أنْ تعترف بأحوال السنين
وتقلباتها، وما تفرضه من تبعات على أهلها.
لا أنسى أنني ذات يوم شتائي بارد رققت لحالها، وأردت أن ألقي عليها
ردائي لتدفئتها، ولربما حدثت نفسي في بعض الأحيان بضرورة قلعها
والاتيان بغصن أخضر لأغرسه مكانها.
لكني اليوم صباحا تفاجأتُ بتغير أوضاعها، لقد اخضرّت من جديد بعض
أغصانها، وبدت الحياة الكامنة فيها تظهر على أطرافها، جلستُ عندها
وتأملتُ فيها، فخجلتُ منها، وقلت لها بصيغة الاعتذار والأسف: أنا هي
الميتة، لأنّي لم أرَ ما كنتِ تختزنينه في داخلك من ألوان الحياة، لقد
حلَّ الربيع، وآن لك أن تعودي لتكتظ اغصانك بالأوراق الخضر وتزدان
بألوان الورد البديع، المسألة بالنسبة لك كانت مسألة وقت ليس إلا.
وبعد حديثي مع شجرتي انتقلت للحديث مع نفسي، قلتُ لها بحسرةٍ وألم:
ترى متى يحين أيتها النفس ربيعك؟ متى تخضرّ أغصانك؟ متى تتألق أزهارك؟
متى تدبُّ الحياة في زواياك الميتة؟
أما تخجلين؟ أما آن لكِ أنْ تعودي إلى رحاب رب العالمين؟ أما حان
الوقت لكي تتنسمي عبير التوبة والاستغفار، وتستضيئي بأنوار العترة
الأطهار (عليهم سلام الرب الغفار)؟
إلى متى تتخبطين؟ وحتى مَ تكابرين؟
أما آن لك أن ترجعي؟ وتقري بذنبكِ وتستغفري؟
وتتذللي لله (تعالى) وبين يديه وتنكسري؟
اخجلي وتحركي، وكفاك رضىً عن حالك.
هيا انفضي غبار الغفلة والقعود، وتلمسي الطريق إلى رضوان الرب
الودود... اذرفي دموع الندم، واجلسي في محاريب الحسرة والعبرة
والألم.. فما بينكِ وبين اخضرار زواياك إلا دمعة صدق، واعتراف حقيقي
والتماس عتق من رق، وتوجه إلى رياض الحق.
نعم، فليس الطريق وعرًا ولا الأمر صعبًا، يكفي أن تذوبي خجلًا، وتبكي
ندمًا وأسفًا، وتقولي: يا رب ها قد أتيت بعد طول صدود، فهل تقبل
العصاة يا رب الوجود؟
هذا هو ظني بكِ وهذا ما أثبته كتابك..
فأنت من يمسح على أفئدة العائدين اليه، أنت من يطيب خواطر التائبين
ببرد عفوه ومغفرته، أنت من يمحو ما كتبوه في سجلات حياتهم من معصيتك..
أنت من يفتح أمامهم آفاق الخير ويدلهم على ينابيع النور...
أيها الرحيم الغفور، انظر لفؤادي الجريح وقلبي المكسور، وارمقني بنظرة
رضا تغير حالي ومآلي، يا قابل التوب وغافر الذنب عبدك الآبق ببابك،
فاقبله يا قابل السحرة ورده إلى رحابك، وأره إجابة دعائه نورًا في
حياته، وإشراقا في ثنايا روحه، واخضرارًا في أغصان مسيرته.