البذرة أنت تبذرها فتختار لها التربة الصالحة والماء الصالح ثم تتعهدها وتحرسها إلى ان تعطيك ثمارها. وأي خطأ في رعايتها سوف يتسبب في فقدانك اياها وتذهب جهودك ادراج الرياح وتبقى تعيش حسرة الفشل ومرارة الخسارة.
اولادنا بذرة بذرناها في تربة الوجود فأينعت في فضاء حياتنا فكانت أملا جميلا وحلم لا نود أن نفيق منه. ولكن يا ترى هذه البذرة التي اينعت وأورقت بماذا سوف تغذيها لكي تعطيك ثمارها. فتتركها يوما ما بعد ان تكبر وتصبح قادرة ان تشق عنان السماء بجذعها القوي ومتانة جذورها المتغلغلة في أعماق الأرض.
ما اشد الخسارة وأنت ترى حلما لا يتحقق وأمل فارقك وبين يديك زهق.
(أيها الرب سيدنا، ما أمجد اسمك في كل الأرض! حيث جعلت جلالك فوق السماوات.من أفواه الأطفال والرضّع أسست حمدا.ورنموا لاسمك القدوس، أيها الرب، وحمدوا بقلب واحد يدك الناصرة، وجعلت ألسنة الأطفال تفصح . ومن أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحا).(1) هذا هو تصور الرب عن الاطفال.
وفي إنجيل يوحنا يقول (المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد ولد إنسان في العالم).فحزن المرأة في ساعات الولادة ناشي من مخاض الموت الذي تمر به ، ولكنها تفرح لأنها أخيرا ولدت (إنسان).(2) ولكن بسبب الاهمال وعدم المراقبة يضيع هذه الإنسان وهو بعد برعم صغير.
صباح اليوم في التلفزيون رأيت ما وقف له شعر رأسي . طفلة عمرها اربع سنوات تقفز من الطابق الرابع فتلاقي حتفها.
ما السبب أن تقوم الطفلة بهذا العمر بالانتحار؟؟!!
القضية ليست انتحار بل . أن هذه الطفلة شاهدت افلام متحركة (فلم كارتون). حيث رأت فيه طفلة اخرى سقطت من عمارة سكنية ولكن اثناء سقوطها نبتت لها أجنحة وأوصلتها إلى الأرض سالمة. فترسخت هذه الفكرة في رأس الطفلة بأنها لو قفزت من بيتها في الدور الرابع ايضا سوف تنبت لها اجنحة وتنقذها. وعشقت التجربة ونفذت ما حلمت به.
هل تعلمون ما هي النهاية ؟؟
اسألوا قلب الأم.
فإلى الآباء والامهات انظروا ماذا تضعون في عقول براعمكم الصغيرة فأنتم مسؤولون امام الرب الله خالق الاطفال ومسؤولون امام ضمائركم وعذاب انفسكم. الدولة لا يهمها امركم وهي تضع كل ما من شأنه أن يخلق لديكم منذ الصغر عقول خرافية. لان الدولة تخشى العقول الواعية.
الأب هو المسؤول كما يقول القرآن المقدس : (ووالد وما ولد .لقد خلقنا الإنسان في كبد). انه قطعة من أكبادكم فلا تُفرطوا بهم. ومن هنا قال المثل : أولادنا أكبادنا يمشون على الأرض.
المصادر :
1- سفر المزامير 8: 2.
2- إنجيل يوحنا 16: 21.
أولادنا.. امتدادنا في هذا الوجود، هم القطعة الغالية من قلوبنا.. إنهم تلك السنابل الخضراء في صحراء حياتنا.. قرّة أعيننا ومهجة أرواحنا.. وقد لا يتمنى الإنسان الحياة لنفسه، لكنه يطلبها لأولاده فهم زينة الحياة الدنيا.. وها هو الشاعر: حَطّانُ بنُ المُعَلى ينشد رائعته الشعرية قائلاً:
لَولا بُنياتٍ كَزُغْبِ القَطا ــ رُدِدْنَ مِنْ بَعضٍ إلى بَعضِ
لكان لي مُضطربٌ واسِعٌ ــ في الأرضِ ذاتِ الطُّولِ والعرضِ
وإنّما أولادُنَا بَيْنَنا ـــ أكبادُنَا تَمشي على الأرضِ
لو هَبَّتِ الرِّيحُ على بَعضِهم ـــ لامتنعَتْ عَيْني مِنَ الغَمْضِ