قلت له : يا قداسة الأب لماذا لا نقوم بتأسيس كنيسة خالية من تماثيل يسوع وأمه العذراء مريم ونرفع كذلك الإيقونات وتماثيل القديسين وغيرها من الصور ، أنا أرى لا فرق بين كنائسنا ومعابد البوذيين والسيك والهندوس.
قال : ولكن إذا رفعنا التماثيل فالذي يدخل الكنيسة ماذا يفعل وإلى
أين يتوجه في صلاته وقداسه ؟
قلت له إلى حيث كان يتجه يسوع وأمه وتلاميذه ومن آمن به.
سكت طويلا ثم قال : كلام جميل هز بدني واقشعر له جلدي .
قلت له أنا وضعت تصميما لشكل كنيسة بلا أصنام وتماثيل وإيقونات وصور وألوان وتذهيب وزخارف وهذا التصميم يشبه تصميم كنيس اليهود أو مساجد المسلمين التي تحتوي فقط على بسط رخيصة الثمن وبعض الكتب المقدسة ومحراب يُشير إلى الجهة التي كان يُصلي لها نبيهم وأصحابه . فما هو رأيك .
قال: ولكن الناس تعودوا على الشكل الحالي لمحتوى الكنائس .
قلت له : كما تعودوا على ذلك سوف يتعودون على الشكل الجديد حيث سوف تنشأ أجيال تجهل أن الكنائس القديمة كانت تحتوي على تماثيل ونصب .
قال : ولكني أرى أنه حيث يكون تمثال الرب يسوع تكون الصلاة والتضرع .
قلت له : ولكنه مجرد تمثال من حجر . أتذكر قبل ثلاث سنوات عندما انكفأ تمثال يسوع على وجهه في كنيسة مار اسحاق أمام المصلين من على ارتفاع اربعة امتار واحدث حالة من الهلع بين الناس وتصارخ الأطفال وتناثرت الشظايا على الأرض وكُسر رأس القسيس.
قال : نعم أتذكر ذلك ولكن ماهو الهدف من هذا الكلام.
قلت له : الهدف انك تقول حيثما يكون الرب نحن نتجه إليه في الصلاة . أرأيت كيف كان هذا الرب ضعيفا ، ثم انك تذكر جيدا سخرية الشباب في اليوم التالي عندما رأوا بقايا تمثال الرب يسوع في مكب النفايات ((حاوية الزبالة)) وكانت يد يسوع خارج الحاوية فاخذ الشباب يُصافحونها ويقولون : هاي .
إضافة إلى ذلك فإن صنع التماثيل مخالفة صريحة لتعاليم الرب الذي نهانا عن فعل ذلك ثم لعن من يقوم بذلك .
قال لي لا لم ينهى الرب عن ذلك ولم يلعن ؟
قلت له عجيب ألم تقرا ما مكتوب في ثنايا الكتاب المقدس بشقيه القديم
والجديد؟
قال نعم قرأت ولكن هذا لا يشمل تمثال الرب يسوع وأم الرب مريم لأن
الرب يسوع لا يقصد تمثاله وإنما يقصد الأصنام الأخرى التي تُعبد
دونه.
صدمني هذا القول فقلت له . أسألك هل تُجيبني بصدق .
قال نعم .
قلت له عندما كان يسوع يُصلي هل كان يضع تمثالا أمامه؟ هل صنع تمثال
لنفسه ؟ هل أمرنا ان نصنع تمثال له ؟
سكت .
قلت له هل تفسر لي هذا القول الوارد في سفر الخروج 20: 4((لاَ
تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا)).
سكت .
قلت له وهذا النص أيوجد أوضح منه كما في سفر اللاويين 26: 1 ((لاَ
تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالاً
مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا
مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ)).
سكت أيضا . فقلت له : لماذا تجعلون يسوع ملعونا . الم تقرا قول الرب وهو يلعن من يفعل ذلك كما في سفر التثنية 27: 15((مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي يَصْنَعُ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا أَوْ مَسْبُوكًا)). إذا كان من يصنعها ملعونا ، فما بالك بمن يتعبد لها .
قال لي كيف تُصلين أنت إذن ؟ لقد سمعت أن لديك صلاة تختلف عن
صلاتنا.
قلت له وهل تريد أن ترى ذلك ؟
قال نعم .
قلت له تعال معي : ذهبت معه إلى الماء ثم غسلت وجهي ثم غسلت يدي إلى
المرفق ثم غسلت رجلي ثم لبست لباس أبيض محتشم طويل لم يظهر منه سوى
كفي ثم توجهت للشرق ثم قرأت ما كان يقرأه يسوع في بستان جثيماني في
صلاته ثم ركعت ثم سجدت ثم قمت مرة أخرى وأخذت اقرأ فسمعت نشيجه من
خلفي وعندما أنهيت الصلاة . أشاح بوجهه نحو الحائط وكأن كبرياءه
يمنعه من أن أرى دموعه ثم قال لي بخشوع عجيب من أين جئت بهذا الصلاة
هذه قريبة من صلاة المسلمين؟ ثم لماذا اتجهت للشرق.
قلت له هذا ما موجود في الكتاب المقدس على الرغم من التشويه الذي طال هذه الشعيرة المهمة فقد ذكر الكتاب المقدس أن يسوع كان يصلي هكذا فيتطهر في النهر هو وتلاميذه ثم يقف وخلفه التلاميذ ثم يقرأ ثم يركع ــ يجثو على ركبتيه ، ثم يسجد ويُطيل السجود وهكذا لعدة مرات ثم انه صلى قبل بزوغ الشمس وفي وسط النهار وفي أطراف الليل ، وفي جوف الليل واعتقد أنها نافلة وكان يتجه إلى الشرق في صلاته ، ثم انه يبكي في الصلاة ويتضرع ويخضع ويخشع ، فهل ترى يا قداسة الأب شيئا من هذا في صلاتنا الحالية التي نؤديها على أنغام الأرغن والموسيقى تصدح في أركان الكنيسة وغلفكم تقطر بولا ثم تختمون الصلاة بشرب النبيذ الاحمر، على الأقل افعلوا كما كان يفعل يسوع لا تزيدوا عليه ولا تُنقصون.
قال أين هذه الصلاة التي صليتيها وهل هي موجودة في الكتاب المقدس
وهل ذكرتي النصوص من الانجيل؟
قلت له نعم كلها من الإنجيل وسأبعث لك بكل ذلك.
في اليوم التالي أرسلت له كل ما كان يسوع وتلاميذه يفعلونه قبل
الصلاة وفيها وبعدها.وكان كراسا صغيرا من عشر اوراق وعنوانه (هذه هي
صلاتنا).
ثم أرسلت له معها النص الرائع الذي يدعو لتوحيد الله الرب ويُمجده
وهو في سفر الحكمة 13 : 1 . الذي جاء فيه ((إن جميع الذين لم يعرفوا
الله هم حمقى من طبعهم لم يقدروا أن يعلموا الكائن من الخيرات
المنظورة ولم يتأملوا المصنوعات حتى يعرفوا صانعها. لكنهم حسبوا
النار أو الريح أو الهواء او مدار النجوم او لجة المياه او نيري
السماء آلهة تسود العالم.فان كانوا إنما اعتقدوا هذه آلهة لأنهم
خلبوا بجمالها فليتعرفوا كم ربها أحسن منها اذ الذي خلقها هو مبدأ
كل جمال.
او لأنهم دهشوا من قوتها وفعلها فليتفهموا كم منشئها أقوى منها.
غير ان لهؤلاء وجها من العذر لعلهم ضلوا في طلبهم لله ورغبتهم في
وجدانهم اذ هم يبحثون عنه مترددين بين مصنوعاته فيغرهم منظرها لان
المنظورات ذات جمال مع ذلك ليس لهم من مغفرة
لأنهم ان كانوا قد بلغوا من العلم ان استطاعوا إدراك كنه الدهر فكيف
لم يكونوا أسرع إدراكا لرب الدهر.اما الذين سموا أعمال أيدي الناس
الهة ، الذهب والفضة وما اخترعته الصناعة وتماثيل الحيوان والحجر
الحقير مما صنعته يد فهم أشقياء ورجاؤهم في الأموات.
يقطع نجار شجرة من الغابة ويجردها من قشرها ثم يصنعها الة ويستعمل
نفايتها وقودا لإعداد طعامه ثم يأخذ قطعة من نفايتها لا تصلح لشيء
خشبة ذات اعوجاج ويعتني بنقشها ويصورها على شكل إنسان او حيوان
خسيسا ويدهنها بالاسفيداج ويحمر لونها بالزنجفر ويطلي كل لطخة بها
ويجعل لها مقاما يليق بها ويضعها في الحائط ويوثقها بالحديد ويتحفظ
عليها ان لا تسقط لعلمه بأنها لا تقوم بمعونة نفسها اذ هي تمثال
يفتقر الى من يعينه
ثم يتضرع اليها عن أمواله وأزواجه وبنيه ولا يخجل ان يخاطب من لا
روح له فيطلب العافية من السقيم ويسال الميت الحياة ويستغيث بمن هو
اعجز شيء عن الإغاثة.
ويتوسل من اجل السفر إلى من لا يستطيع المشي ويلتمس النصرة في الكسب
والتجارة ونجح المساعي ممن هو اقصر موجود باعا لان اختراع الأصنام
هو أصل الفسق ووجدانها فساد الحياة)).
لم أشاهد بعد هذه الرسالة قداسة الأب وبعد فترة سألت عنه فقالوا بأنه انتقل إلى تونس ليعمل هناك ثم استقال من عمله كقسيس ولا أحد يعرف اسباب استقالته أو إلى أين ذهب