بعد نشري لبحث (هذا كل ما لدينا من دليل على الكتاب المقدس)، حدثت
ضجة كبيرة في أوساط الشباب واصبحت هناك حركة استفسارات قوية ازعجت
الآباء المقدسين كثيرا وزعزعت الثقة بالإنجيل لدى كل من قرأ بحثي من
الشباب المسحيي وهو متابع جيد لما اكتبه على صفحتي هذه ومواقع أخرى
، ولم يجد الشباب اي اجابة شافية على ما طرحوه من اسئلة على الاباء.
في زيارتي الأخيرة إلى مقاطعة (هدسون) بولاية نيوجرسي الامريكية حيث
توجد جالية مسيحية عربية كبيرة في مدينة (جريسي سيتي) وبينهم الكثير
من المسيحيين العراقيين الذي هاجروا تحت ضغط الاحداث في العراق
وسوريا ولهم كنائسهم المتواضعة هناك، وكان الهدف من الزيارة هو حث
الشباب المسيحي على تكوين جيش وطني للمساهمة في تحرير الموصل.
التقيت بالأب (منير جنجل عودي) وهو شاب تخرج حديثا وانخرط في سلك
الكهنوت ، فقال لي ملايين المخطوطات موجودة في المتاحف والأديرة
كلها لم تملأ عينيك فعمدتي إلى انكار وجود الإنجيل؟
فقلت له نحن الآن في مهمة لا علاقة لها بهذا الموضوع ولو حصل وقت
سوف اجيبك على سؤالك بعد الفراغ من المهمة . فقال : وتهربين ايضا من
الاجابة فالتف الشباب وكلهم يُنادي هذه آشوري . فاضطررت ان اجلس
وسألته : هل قرأت بحثي ، ام انك سمعت ؟ قال قرأته كله واعدت قراءته
عدة مرات . فتبسمت و وضحك قس آخر كان واقفا خلفي ، فقال له الاب
منير : لماذا تضحك . فقال له : ولماذا قرأته عدة مرات؟ فتلجلج ولم
يُجب.
قلت له ماهو اشكالك على المقال؟
قال : المعلومات التي وردت فيه كلها غير صحيحة. فقلت له : إذا كانت
غير صحيحة فلماذا اعدت قراءته عدة مرات ؟
ثم قلت له : اسمع منير، المشكلة أنكم لا تواكبون العلم ولا تُتابعون
ما يقدمه العلم في كل يوم من معلومات جديدة فإذا كان كلامي كله خطأ
فهل تؤمن بما يقوله علمائنا ؟
قال: امثال من ؟ قلت له : مثل البروفيسور برنارد غرِنفل ،
والبروفيسور آرثر هَنت واستاذ البرديات والألسنة القديمة كولين
روبرتس من جامعة اوكسفورد ، فقال على مهلك ، أنا أعرف الاستاذ كولين
روبرتس حيث قرأت له .
فقلت له هل تدري ماذا قال هؤلاء في تحقيقهم لـ (جُذاذة) صغيرة بقدرة
حجم علبة السكائر من البردي قياسها ( 9 في 6 ) سنتيمترات تم العثور
عليها قرب وادي النيل في مصر ، والموجودة الآن في مكتبة (جون
رايلاند) في مانشستر بإنكلترا.
قال وماذا قالوا . قلت له اجمع هؤلاء والكثير من العلماء الآخرين
على أن هذه الجذاذة هي كل ما موجود من الأنجيل وهي اقدم جذاذة
للأسفار اليونانية المسيحية تم العثور عليها لحد الآن ومكتوب عليها
من الجهتين بعض الكلمات فقالوا : بأنهم عثروا على جوهرة لا تُقدر
بثمن.
لقد كانت هذه الجذاذة مكتوبة باللغة اليونانية القديمة (الميتة)
وبعد دراسة نوع الحروف وطريقة الكتابة أجمع العلماء الثلاثة أن هذه
الجذاذة كُتبت في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي(1)
ولكن الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء العلماء هو انهم لم يكتشفوا سر كتابة
هذه الجذاذة من الوجهين وهذا غير مألوف في القرن الأول والثاني
الميلادي حيث كانت المدونات تُكتب على شكل (دُرج) فكانت اوراق
البردي تُلصق بعضها ببعض ثم تُطوى على شكل لفة كبيرة دُرج يُلف
ويُفتح، وهذا ما تم العثور عليه في وادي قمران في الأردن حيث تم
العثور على لفّات كثيرة من هذه المخطوطات. وكانت هذه المخطوطات
تُكتب على وجه واحد في ورق البردي. فلم تكن الكتابة على الوجهين
معروفة بعد.
فقال الأب منير : وماذا في ذلك هل يوجد شيء غريب؟
قلت له نعم ، لأن الكتابة على الوجهين تدل على ان هناك كتابا مُجلدا
مثل الكتب الحالية حيث يتم جمع الأوراق قديما على شكل مستطيلات يتم
خياطتها ويتم قراءتها من كلا الوجهين ، وهذا يعني ان هذه الجُذاذة
لا تعود للقرن الأول او الثاني بل إلى القرن الرابع حيث ظهرت لنا
أولى الكتب على شكلها الحالي كتاب بين دفتين.
ثم بحثت له عن الجذاذة فوجدتها ضمن اعمدة المكتبة الوطنية ضمن
منشورات مكتبة جامعة اوكسفورد.فنظر إليها مليا ثم سكت. واعطيته رابط
تحليل الصورة.
ثم التفت إليه وقلت له : يا جناب الاب اسألك . فقال نعم تفضلي: قلت
له : لنفرض جدلا ان قول هؤلاء العلماء صحيح وان هذه الجذاذة تعود
للقرن الثاني الميلادي كما تفضلوا . هل تستطيع ان تخبرني أين
الإنجيل في المائتين سنة بعد رحيل المسيح ، أي قبل جذاذة وادي
النيل؟
فقال : أكيد ان هذه الجُذاذة نُقلت من مخطوطات قبلها؟
فقلت له : وأين هذه المخطوطات ؟
قال : لا أدري .
قلت له إذن المسيحية بلا كتاب مقدس حقيقي كل ما موجود من مخطوطات
وجذاذات قيل انها الانجيل إنما هي بتقييم من اناس عاديين هم من قال
أنها كتب مقدسة وقولهم هذا لا يصمد اما الحقائق الأخرى. لأن هناك
اختلافات هائلة بين العلماء حول مسألة وجود الكتاب المقدس من عدمه .
ومنهم العالم الشهير والمؤلف المعروف (فيرنر كيلر) الذي قال : (ان
علم دراسة الكتابة القديمة ليس وسيلة جازمة لتحديد تواريخ
المخطوطات، ونص الجذاذة كُتب في وقت غير معروف خلال القرن
الثاني).(2)
التوضيحات ـــــــــــــــــ
1- هناك علم اسمه : علم دراسة الكتابات القديمة . وهذا العلم يُعنى
بدراسة الخط في العصور القديمة. فنمط الكتابة يختلف بين حقبة وأخرى.
وهذا الاختلاف يمكن أن يكشف تاريخ مخطوطة ما عند مقارنتها بوثائق
أخرى في ازمان مختلفة.
2- فيرنر كيلر كتابه : الكتاب المقدس كتاريخ. المطبوع باللغة
الانكليزية. وهو مقدمة على كتابه The Bible as History by Werner
Keller