حملة العرش الثمانية

2021/02/04

من حق إي شابة أو شاب ان يسأل ويحصل على الجواب . فليس من الصحيح ان يتم ردع السائل واسكاته او اتهامه بالكفر والزيغان والهرطقة. لأن اغلب الشباب الضائع هم ضحايا جهل من يدّعون العلم ويتصدون للاجابة وهم ليسوا من اهلها. وأنا ومنذ ان قررت ان افتح صفحة على الفيس باللغة العربية تردني اسئلة تدل على حيرة الشباب وتخبطهم في بحر الاجابات العشوائية. وأنا لا اقول بأني امتلك احاطة كاملة بكل ما يطرحه الاخوة من اسئلة ولكني عندما اتعرض لسؤال صعب احاول جاهدة ان اجمع الاجابة من مصادر شتى بعد دراستها وتمحيصها وفي بعض الاحيان اعرضها على من اثق بعلمه خصوصا الاسئلة التي تخص عقيدة دين معين.
ولذلك قررت نشر الاجابات التي اضعها على اسئلة الاخوة على صفحتي وذلك لأسباب اذكر منها: 
أولا : أن يُصحح لي الاخوة ممن يمتلكون علما لو كان في اجابتي خطأ ما وذلك من خلال مشاركاتهم. 
ثانيا: لكي يستفيد الاخوة من الاجابة . 
ثالثا : منعا من تكرار هذه الاسئلة مرة أخرى وهذا ما اعاني منه كثيرا.
اضافة إلى ذلك في أكثر الاحيان انا لا اضع الاجابة على السؤال وإنما اضع بين يدي السائل منشأ موضوع السؤال ومصدره . يعني أصل السؤال من أين جاء. لأن هناك اسئلة لا يُمكن الاجابة عليها لأن الرب مثلا ترك الاجابة عنها كما في موضوع سؤال اليوم ، أو أن هناك اسئلة يحشر فيها السائل نفسه وهي فوق قدرته ومهما تقوم بتبسيط الاجابة فإنه لا يدركها ولكنه يتصنع الفهم دفعا للاحراج.
واليوم وردني سؤال من أحد الأخوات حول حملة العرش حيث تسأل الأخت ..... : (هل يجلس الله على العرش ، وهل صحيح ان العرش تحمله أربعة أو ثمانية من الحيوانات)؟
فأقول: 
تسللت عقيدة (أن الرب يجلس على العرش وتحمله الحيوانات) من التوراة اليهودية وقد أخذها اليهود عن الفراعنة ، واعتنقتها أمم شتى ثم اندثرت لتظهر من جديد لدى المسلمين، فاضافوا لها الوانا من التخيلات غير الواقعية وكلها ايضا من اليهود، والتي هي من اوصاف وأفعال البشر مثل (أطيط الكرسي، وان الرب يجلس على الكرسي فيتبقى اربع اصابع خالية من العرش ، وأنه يضع في جلوسه رجلا على رجل ، ويضحك وينقلب على قفاه من الضحك وهو أمرد وسيم بينما في اليهودية شيخ طاعن ولكن بما أن الوهابية لهم ولع بالمردان فقد جعلوا الرب شابا امرد وسيم اكحل العينين يرتدي اطواق من الذهب) ولو سألتهم من أين لكم هذا ، لرموك بالكفر ولاصبحت حياتك في خطر.
ففي الكتاب المقدس فإنه يصف الرب الله بأنه يجلس على الكرسي الذي تحمله الحيوانات الأربع ويجلس حوله الانبياء كما في قوله في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 4: 4 ((نظرت وإذا باب مفتوح في السماء، وإذا عرش موضوع في السماء، وعلى العرش جالس. وحول العرش أربعة وعشرون عرشا. ورأيت على العروش أربعة وعشرين نبيا جالسين متسربلين بثياب بيض، وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. وفي وسط العرش وحول العرش أربعة حيوانات الحيوان الأول شبه أسد، والحيوان الثاني شبه عجل، والحيوان الثالث له وجه مثل وجه إنسان، والحيوان الرابع شبه نسر طائر)).
هذا النص التوراتي نراه واضحا في حديث ورد عند أهل السنة يقولون فيه عن أنس : ((إذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه تبارك وتعالى ثم حف كرسيه منابر من ذهب مكللة بالجواهر ثم يجيَ النبيون حتى يجلسوا عليها)). (1)
ففي التوراة فإن الرب عبارة عن رجل طاعن في السن شعره ابيض ولونه يشبه البلور شفاف يجلس على العرش يحيط به الذهب من كل جانب ومكان تحمله اربعة من الحيوانات. ولو رجعنا إلى الوراء قليلا لرأينا أن هذا من تأثير عيش اليهود في مصر تحت سلطة الفرعون سنوات طويلة حيث زعم فرعون انه إله ولشدة أذاه لهم وامتلاكه لتلك الثروات الهائلة والجيوش الكثيرة تصوره اليهود أنه إله خصوصا إذا عرفنا ان اليهود لا يؤمنون (بإله لا يرونه) ولذلك عندما دونوا التوراة بعد ضياعها بان اثر ذلك لان اليهود تعودوا ان يروا الله ماديا جالسا امامهم ولذلك طلبوا رؤية الله جهرة و(صنعوا العجل وعبدوه) لكونه أحد حملة عرش ربهم. فقاموا بتدوين ما كانوا يرونه من عظمة فرعون وجلوسه على عرش مصر تحيط به السباع والطيور الجارحة فنقلوا صورة فرعون من مصر إلى التوراة وهذا ما نراه واضحا في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 4: 6 (( وإذا عرش موضوع في السماء، وعلى العرش جالس. وفي وسط العرش وحول العرش أربعة حيوانات والحيوان الأول شبه أسد، والحيوان الثاني شبه عجل، والحيوان الثالث له وجه مثل وجه إنسان، والحيوان الرابع شبه نسر طائر)) .
هذه العقيدة نفسها انتقلت عند اهل السنة والجماعة. هي نفسها بأن الرب الله جالس على العرش لونه ابيض يضحك وله اعضاء ويحمل عرشه حيوانات اربعة كما نرى ذلك واضحا في الحديث عندهم : ((عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : حملة العرش أحدهم على صورة إنسان ، والثاني على صورة ثور ، والثالث على صورة نسر ، والرابع على صورة أسد)).(2)
عن شعيب الجبائي قال : في كتاب الله ( يقصد التوراة ) الملائكة حملة العرش لكل ملك منهم (وجه إنسان وثور وأسد ، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البراق).
وكذلك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره فقال:رجل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق)). (3)
وهذا ما نراه واضحا أيضا في التوراة حيث جاء في سفر حزقيال 1: ... 26 وصف لهذه الحيوانات التي تحمل العرش : ((أما شبه وجوهها فوجه إنسان ووجه أسد لليمين لأربعتها، ووجه ثور من الشمال لأربعتها، ووجه نسر لأربعتها. وفوق المقبب الذي على رؤوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق، وعلى شبه العرش شبه كمنظر إنسان عليه من فوق)).
وجاء في بعض روايات المسلمين أن حملة العرش (أربعة من الأوعال) الشبيهة بالغزلان ولكنها كبيرة جدا تكاد السماء تتفطر من ثقلهن كما نرى في رواية الحاكم : ((فوق ذلك ثمانية أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ظهورهم العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ، ثم الله فوق ذلك تبارك وتعالى!)). (4)
ورواية (الأوعال الثمانية) نرى مصاديقها جلية واضحة في رسومات الكتاب المقدس وهم يرسمون شيخا طاعنا في السن جالس على عرش يشبه العربة تجرها ثمانية من الأوعال تطير وتركض على الأرض ثم استعارت المسيحية ذلك فنسبته إلى (بابا نويل) حيث ينزل الرب من السماء جالسا على عرشه تجره (الأوعال الثمانية) لكي يوزع الهدايا على الأطفال. وهو مصداق قول القرآن : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يؤمئذ ثمانية) حسب ما يزعمه بعض المسلمين وهذا ما جسدته صحاحهم في حديث عرش الرب وحملته (الأوعال) الثمانية.
المصادر والتوضيحات ـــــــــــ
1- المصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٥٨ ورواه السيوطي حديث المرآة عن الدارقطني في ج ٦ ص ٢٩٠.
2- تفسير الطبري ج ١ ص ١١٨.
3- أخرجه أحمد في مسنده (1/256)
4- أخرجه وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/378) والدارمي ـ سنن ابن ماجة ج ١ ص ٦٩
أخترنا لك
أندريه فواسي وأعياد الشتاء

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف