لم يُعرف في سيرة الانبياء انهم عنصريون فقد جاؤوا لكل الأمم
ولكل الناس. فإذا كان كذلك ، فما الذي دفع يسوع أن يُعامل
(السامريون والأمم) معاملة عنصرية فيطلق عليهم بأنهم (جنس آخر) وهي
كلمة مبطنة تعني (جنس محتقر) ثم يرفض ان يرسل تلاميذه للتبليغ في
مدن السامريين ولا في مدن الأمم؟
فمع ان السامريين هم من بني إسرائيل ومن افضل قبائلهم إلا أن اليهود
يُناصبونهم العداء وحاولوا مرارا ومن خلال حروب طائفية شرسة أن
يقضوا عليهم ، حيث يعتبر اليهود أن السامريين فيهم شياطين كما نرى
ذلك واضحا في إنجيل يوحنا 8: 48 ((فأجاب اليهود وقالوا له: ألسنا
نقول إنك سامري وبك شيطان؟)).
فمع أن يسوع المسيح (يهودي) منهم إلا انه بمجرد ان خرج على تعاليمهم
وجاء بدين جديد اصبح في نظرهم (سامري فيه شيطان). فكل الناس كانوا
يرون أن (يسوع المسيح) كان يهوديا وهذا ما نراه واضحا في إنجيل
يوحنا 4: 9 حيث دار حوار بين يسوع وبين أمرأة سامرية ، عندما وصل
(الرب) يسوع إلى بئر ليشرب ماء ولم يكن معه (دلو) فوجد امرأة هناك
فطلب (الرب) منها أن تسقيه ماء لأنه تعبان وعطشان فقالت له :
((فقالت له المرأة السامرية: كيف تطلب مني لتشرب، وأنت يهودي وأنا
امرأة سامرية؟ لأن اليهود لا يعاملون السامريين)). (1)
هذا هو المعروف على مستوى كل الناس ، يعرفون أن يسوع يهودي. ولكن
بما أنه يهودي ـــ حسب الولادة ــــ فهل انتقلت إليه العدوى
العنصرية ــ الطائفية ــ التي كان اليهود يُعاملون بها (السامريون)
؟ فأخذ يصفهم بأوصاف لا تعكس شخصيته كنبي ارسله الرب ولا تعكس
شخصيته كــ (رب) كما يراه من يؤمن به ، يُعامل عباده بهذه الصورة.
يقول لوقا في إنجيله الاصحاح 17 : 17 : (( وفيما هو داخل إلى قرية
استقبله عشرة رجال برص، فوقفوا من بعيد ورفعوا صوتا قائلين: يا
يسوع، يا معلم، ارحمنا!. فنظر وقال لهم: اذهبوا وأروا أنفسكم
للكهنة. وفيما هم منطلقون طهروا. فواحد منهم لما رأى أنه شفي، رجع
يمجد الله بصوت عظيم، وخر على وجهه عند رجليه شاكرا له، وكان
سامريا. فأجاب يسوع وقال: أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة؟ ألم
يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب الجنس؟)).
وقول يسوع هنا : (ألم يوجد من يرجع ليُعطي مجدا لله غير هذا الغريب
الجنس ؟ )). هي جملة احتقارية ساخرة يستخف فيها برجوع هذا السامري
المحتقر من دون رفاقة التسعة اليهود الذين شفوا من برصهم أيضا.
فمن هو (الغريب الجنس) الذي يقصده يسوع ؟ ولماذا عامله يسوع بهذه
القسوة .
الإنجيل لم يُبين ذلك كعادته في اخفاء الحقائق ولكن لنذهب إلى
المفسرين وهم الذين تعتمد عليهم الأمة في بيان ما يغمُض عليهم من
كلمات في الكتاب المقدس.
لنذهب أولا مع القمص (تادرس يعقوب ملطي) الذي يقول في تفسيره : ((
التقى بالعشرة رجال البرص خارج القرية، فإنه بحسب الشريعة الموسوية
لا يسكن الأبرص وسط المحلة أو داخل المدينة أو القرية إنما خارج
الأسوار أو وسط القبور، ويكون مشقوق الثوب، ورأسه يكون مكشوفًا
ويغطي شاربيه، وينادي: نجس، نجس (2) حدث ما لم يتوقعه أحد فإن
واحدًا من العشرة، إذ رأى أنه شُفي رجع يمجد الله بصوت عظيم، مقدمًا
العبادة والشكر للمخلص، إذ خرّ على وجهه عند رجليه شاكرًا له، وكان
سامريًا، بينما التسعة اليهود لم يرجعوا إليه)).(3)
القمص تادرس يعقوب في تفسيره لهذا القسم تحاشا ان يُفسر معنى قول
يسوع : (الغريب الجنس). حيث تستر على النص ولم يمر به لأنه شعر أن
في هذه الكلمة اهانة ليسوع المسيح فلم يذكرها.
ولكن القس (انطونيوس فكري) كان اكثر جرأة منهُ ففسر هذه الجملة
المهينة (الغريب الجنس) بقولهِ : ((الذي عاد للمسيح هو 1 أبرص + 2
سامري محتقر)).(4)
اما المفسر الاستاذ : بولين تودري. فقد هرب من النص كله وقفز للنص
الذي بعده.
إذن تبين لنا من خلال تفسير هذا القس أن الرب يسوع المسيح كان يرى
هذا المريض السامري إنسان محتقر.
ولأنهم أمة محتقرة بنظر النبي الإله يسوع المسيح فلذلك لم يرسل لهم
من يُبلغهم الرسالة وهذا ما نراه واضحا في آخر وصية له قبل ذهابه
حيث يقول في إنجيل متى 10: 5 ((هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع
وأوصاهم قائلا: إلى طريق الامم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا
تدخلوا)).
في هذا النص ظهر لنا إسم آخر محتقر أيضا أمر يسوع تلاميذه ان لا
يذهبوا إليهم وهم (الامم)، فمن هم هؤلاء الامم الذين احتقرهم يسوع
المسيح أيضا ؟
تتضح صورة الاممين من خلال هذه القصة الحزينة التي وردت في إنجيل
متى 15: 26 ((وإذا امرأة كنعانية صرخت إليه قائلة: ارحمني، يا سيد،
يا ابن داود! ابنتي مجنونة جدا. فلم يجبها بكلمة. فتقدم تلاميذه
وطلبوا إليه قائلين: اصرفها (اطردها)، لأنها تصيح وراءنا! فأجاب
وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له
قائلة: يا سيد، أعني! فأجاب وقال: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين
ويطرح للكلاب. فقالت: نعم، يا سيد! والكلاب أيضا تأكل من الفتات
الذي يسقط من مائدة أربابها!)).
يا للمصيبة ، امرأة مسكينة اتتك مستجيرة بك لانها تراك نبيا وبيدك
شفاء ابنتها فتتعالى عليها وتطردها وتصفها بانها من الكلاب.
فمن هؤلاء الكلاب في نظر يسوع ؟
يقول إنجيل مرقس 7: 27 ((وكانت الامرأة أممية، في جنسها)).
إذن يتبين لنا من خلال الانجيل نفسه أن هذه المرأة كانت ((اممية) من
نفس جنس ذلك (السامري) الذي وصفه يسوع بأنه : (الغريب الجنس).
وهؤلاء هم الذين منع يسوع تلاميذه ان لا يدخلوا مدنهم ولا يُبلغوهم
رسالة الرب : ((إلى طريق الامم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا
تدخلوا)).
كيف لنا أن نعرف أن المقصود من الاممين هم السامريون؟
يقول الكتاب المقدس في سفر الملوك الثاني 17: 26 ((فكلموا ملك أشور
قائلين: إن الأمم الذين سبيتهم وأسكنتهم في مدن السامرة، لا يعرفون
قضاء إله الأرض، فأرسل عليهم السباع فهي تقتلهم )).
إذن تبين من هذا النص ان الامميين هم من سكن مدينة السامرة وتسمى
بإسمها (سامري).
فبماذا يصف الكتاب المقدس هؤلاء ؟
يقول في سفر الملوك الأول 14: 24 ((هم ارجاس الأرض وكان أيضا
مأبونون في الأرض، فعلوا حسب كل أرجاس الأمم الذين طردهم الرب من
أمام بني إسرائيل)).
إذن ومن خلال هذا النص يتبين لنا أن (الاممين والسامريين) هم جنس
واحد ومن هذا يتبين لنا ان كل من يقع خارج دائرة (اليهود) هو من
الامميين أو السامريين. فهذه المصطلحات خاصة باليهود ويعرفونها
جيدا. وهؤلاء الاميين هم الذين وهبهم الله عبيدا لبني اسرائيل
فتقاسمهم اليهود فيما بينهم (بالحبال) لكثرتهم سفر المزامير 78: 55
((وطرد الأمم من قدامهم وقسمهم بالحبل ميراثا، وأسكن في خيامهم
أسباط إسرائيل)).
وقبل ان اختم البحث لابد من معرفة أين يقع مكان هؤلاء الامميون
والسامريون في كتاب الله المقدس ؟ وبمن يقرنهم .
يقول في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 22: 15 ((طوبى للذين يصنعون وصاياه
لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة، ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة،
لأن خارجا الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان، وكل من
يحب ويصنع كذبا)). والكلاب هنا هم من أشار إليهم الرب يسوع المسيح
في النص المتقدم بقوله : (دعي البنين أولا يشبعون، لأنه ليس حسنا أن
يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب). فالامم والسامريون هم من جنس الكلاب
والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان والكذبة.
من كل ذلك فلا نستطيع لوم من يعتقد من علماء الكتاب المقدس أن شخصية
يسوع المسيح شخصية وهمية مختلقة لا وجود لها وهي من الاساطير
اليونانية وذلك لما يرونه من اختلاف مريع أولا : في نسب يسوع حيث
يمتد نسبه من أبراهيم إلى آدم ، ثم الله فهو مع الله يعطي، ما
مجموعه (78) أبا ليسوع . وبينما فى إنجيل لوقا يضع فى الحقبة
الزمنية من إبراهيم إلى المسيح ( 57) أبا ثم يرفعه إلى الله ،
ولكننا نجد متى يضع ( 41) أبا. وثانيا : دفع سلوك يسوع الغريب
وتعامله بفوقية وعنصرية مع الناس والتي لا تُليق بنبي أو إله أن يصف
الناس بالكلاب ، دفعهم إلى الالحاد واعتبار المسيح والمسيحية كذبة
وثنية كبرى. هذا السلوك الذي دفع الكثيرين أن يتركوا المسيحية
ويلجأوا إلى اعتناق الالحاد ، او اصبحوا بلا دين ، أو ان البعض ممن
رزقهم الرب عقلا فاعلا توجهوا لاعتناق دين آخر.(5)
المصادر والتوضيحات ـــــــــــــ
1- مع أن السامريين هم من بني إسرائيل ولكن يطلق عليهم اليهود إسم
شمرونيم ويُعرفون بالتلمود بـ (كوتيم) كتحقير لهم. والسامريون طائفة
دينية تختلف عن اليهود حيث لهم مذهبهم الخاص بهم يُخالفون فيه كل
اعمال وعبادات اليهود ويعتبرون توراتهم هي الأصح وانها غير محرفة
وأن ديانتهم هي ديانة موسى الحقيقية التي جاء بها. لا تزال لهم
بقايا في فلسطين.
2 – هكذا يتم التعامل مع (الأبرص) الكاهن يُقرر هل هو ابرص او لا ،
فإذا ثبّت عليه البرص يحرقوه بالنار حيا ، وإذا استطاع الابرص
الهروب فإنه لا يدخل المدينة إلى أن يشفى ويعيش في المقابر يرتدي
زيا مميزا وإذا رآه الناس يصرخون وراءه : (أبرص أبرص) هكذا يتكلم
النص على لسان الله في سفر اللاويين 13: 45 ((فإن رآه الكاهن البرص
في جلد الجسد، فهو إنسان أبرص. إنه نجس. فيحكم الكاهن بنجاسته.
والأبرص الذي فيه الضربة، تكون ثيابه مشقوقة، ورأسه يكون مكشوفا،
ويغطي شاربيه، وينادي: نجس، نجس فإن رأى الكاهن بعد غسل المضروب
وإذا الضربة لم تغير منظرها، ولا امتدت الضربة، فهو نجس. بالنار
تحرقه)).
3- شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص تادرس يعقوب ملطي لوقا
17 - تفسير إنجيل لوقا:الإيمان والصداقة الإلهية.
4- شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القس أنطونيوس فكري لوقا 17
- تفسير إنجيل لوقا.
5- بدأت المجادلة ضدّ وجود يسوع، والمعروفة بنظريّة ( أسطورة
المسيح) منذ زمن مبكر منذ أن قيل أنّ يسوع سار على التلال الصّخرية
في يهوذا. ولعل اشهر من قال بذلك هو (إلين جونسون) عالم الأدب
بجامعة أوكسفورد، سي إس لويس، ورئيسة منظمة المُلحدين الأمريكان،
أسطورة المسيح على شاشة تلفزيون سي إن إن في برنامج لارّي كينغ لايف
يقول لايف: (لا توجد أيّة ذرّة من الدّلائل العلمانيّة بأنّه كان
يوجد شخص يسوع المسيح إطلاقاً).اضافة إلى مئات العلماء ممن يرى ذلك.