(والنجم إذا هوى). سلمان الفارسي ورحلة البحث عن النور الأعظم

2021/02/04

كثّرت الاسئلة حول سلمان الفارسي حسبما يقول الكثير من اصدقائي على هذه الصفحة وكذلك من خلال الدعوات التي تم توجيهها لي من قبل بعض الاخوة النافذين لحضور مؤتمر سلمان الفارسي الذي سوف يُعقد في المدائن لإلقاء كلمة فيه حول هذه الشخصية القدسية العجيبة في إصرارها على تتبع الحق والإيمان به. هذا الاصرار الذي توجه حبيبه محمد بأن نسبه إلى نفسه فقال : (سلمان المحمدي). وما اروعه من تكريم يناله هذا القديس الذي اخذت السنين مأخذها منه في البحث عن محمد والتي انفق بسببها اجمل أيام شبابه فاستحق هذا الوسام بجدارة.
ولم يكن تكريم محمد هو الوحيد الذي يناله (سلمان) بل هناك تكريم سماوي يدل على عظمة هذا الباحث عن الحقيقة وسط ظلمات الأديان الباطلة . هذا التكريم هو ان الرب الله استجاب لسلمان بأن اطال له عمره حتى ادرك النور الأعظم وآمن به. 
لا بل اننا نرى في الاحاديث ان الجنة تشتاق لأربعة أحدهم سلمان الفارسي.
هذا القديس الذي هجر الاهل والوطن والدين من اجل انه وجد خبرا (صغيرا)عن النور الاعظم الذي سوف يُبعث ، وهذا النبي سوف يكون خاتم الانبياء به تكتمل دورة الحياة الأخيرة لعالم لأشياء هذا النبي هو الذي سوف يُحقق المقاصد الإلهية من خلق هذا العالم.
لم يكن سلمان الفارسي وحده الذي (حلم) بلقاء هذا النبي الذي لأجله خلق الرب هذا الكون كما مذكور في سفر الخليقة في التوراة حيث خلق النور الأول (محمد) ثم خلق من هذا النور (الانوار) التي اضاء لها العالم. وهو الذي ذكرته الافستا في فصلها النور الأعظم والمذكور أيضا في التنّاخ الأول تحت عنوان النور الذي اطفأ الانوار.
فلم يكن سلمان وحده في هذا المجال فقد عُرف عن المجوس الأول انهم وجدوا اشياء كثيرة في (الافستا) فخرجوا هائمين يبحثون عن هذا الصيد القدسي ولعلنا نستدل بما جاء به الانجيل في متى 2: 7 والذي انفرد بذكر رواية (المجوس) الذين عاهدوا انفسهم انهم لا ينزلون عن جمالهم حتى يعثروا على هذا النور الذي سوف يُطفئ الانوار. (1).
طبعا لم يكن النور الاعظم (يسوع المسيح) لأن شأن النور الاعظم اكبر من يسوع لا بل اكبر من جميع الانبياء وهو يندرج تحت مفهوم النجم الدائر في أفق الانبياء : ((والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى)).
هذا النجم يدور منذ أن خلق الرب الكون وما فيه وهو الذي ظهر لهؤلاء المجوس كما نرى ذلك واضحا في إنجيل متى 2: 7 ((ولما ولد يسوع في بيت لحم إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود ؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق .. حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا، وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر... فلما سمعوا من الملك ذهبوا. وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق، حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا. وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له)).
ولكن هؤلاء (المجوس) عرفوا انهم لم يصلوا بعد إلى مبتغاهم ولذلك لم يؤمنوا بيسوع بل قدموا له هدايا وانصرفوا يتبعون اثر النجم فقد عرفوا أن هذا الصبي نورٌ صغير في فلك النور الأعظم وهو ليس المطلوب ومن هنا نراهم يقولون كما في إنجيل متى 2: ((أين هو المولود ملك اليهود؟)). فنسبوه لأمة صغيرة.
لقد كان عند هؤلاء المجوس علما وعلامة يحملها المولود الاعظم ولذلك لما تحققوا من يسوع لم يروا الختم على كتفه وكثيرا ما سمعت أن احد هؤلاء الكهنة المجوس كان (روزبة خشفوذان) الباحث عن الحق طيلة مئآت السنين. ومن هنا نرى سلمان الفارسي في المدينة عندما رأى النور الاعظم (محمد) اخذ يدور حوله متلهفا لرؤية تلك العلامة التي قضى عمره باحثا عن صاحبها فما كان من (محمد) إلا أن يُسقط ثوبه فيرى سلمان ذلك الخاتم الاسود الناتئ في كتف محمد فيقع عليه تقبيلا والدموع تنهمر من عينيه اللتان تكحلتا برؤية النور الاعظم قبل ان تغمض في نومة الأبدية.
لم يرد ذكر سلمان الفارسي في التوراة والانجيل لأن سلمان متأخر عنهما وكل الروايات التي تدور حول سلمان تقول انه قضى عمره متنقلا بين كنائس وأديرة انطاكية و الاسكندرية والموصل و عاش في إحدى كنائسها طويلا، ثم انتقل الى نصيبين ثم الى عمّورية وهناك التقى بآخر راهب قبل بعثة محمد وهو الذي ارشده إلى مكان محمد.
ولكن في ملاحق الكتب المقدسة وقصصها وادبياتها يوجد ذكر لشخصية غامضة لا نعرف من هو ولذلك تجنب ذكرها القساوسة ، وهذه الشخصية جاءة من معابد فارس المجوسية مخترقة تركيا وعاشت متنقلة في اديرة رهبان الشام إلى ان استقر في كنيسة (القديس ميليا) التي بناها في القرن الأول الميلادي الراهب (ميليا) أحد المبشرين السبعين.(2)
ثم اختفى ولكنه لا يزال مذكورا في مدونات هذه الكنيسة، وهناك من يقول انه سلمان الفارسي الذي اسمه روزبة خشفوذان أحد المجوس الذين زاروا المسيح كما مكتوب في الروايات لأن المجوس كانوا كثيروا البحث عن نبي يظهر في آخر الزمان ولذلك نراهم يحضرون ميلاد يسوع ويعطوه هدايا ولكنهم لم يؤمنوا به لانهم عرفوا انه ليس النبي الذي يبحثون عنه.
ومن قصص هؤلاء المجوس واخلاصهم في تتبع الحقيقة تتضح أشياء لا مجال لإنكارها وهي التكريم التي حضيت به هذه الامة حيث انزل الرب الله آيات في شأنها وهي قوله : ((وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)). (3)
المصادر والتوضيحات ـــــــــــــ
1- مصطلح النور الذي سوف يُطفئ الانوار، يعني سوف يكون خاتم لسلسلة الانبياء .
2- وهي اليوم مركز مطرانية السريان الأرثوذكس في عهد المثلث الرحمات البطريرك إغناطيوس أفرام الأول برصو وهي تقع على ضواحي مدينة حمص.
3- أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن. عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم تلا هذه الآية: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب علي فخذ سلمان الفارسي ثم قال: (هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لناله رجال من الفرس). وأخرج السيوطي في (مفحمات الأقران في تفسير مبهمات القرآن) سورة الجمعة: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) أخرج البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً إنهم قوم سلمان.
قوم سلمان الذي نشأ فيهم من رجالات العلم والفقه والحديث والتاريخ، والفلاسفة والمتكلمين، وأساتذة البلاغة والأدب والتفسير والمنطق من يفتخر بهم الملأ الإسلامي، كالبخاري والنسائي، وأبي داود السجستاني، والترمذي وابن ماجة ومسلم من أرباب السنن، والطبري وابن ماكولا الجرفاذقاني «الگپايگاني» والحاكم والنيسابوري، والفخر الرازي والبيضاوي والفيروز آبادي وغيرهم من الأعلام وكلهم من اهل السنّة.
وعندما انتقلت إيران إلى التشيع ، شعت العلوم وبرز علماء اصبحوا منارا تهتدي بهم الامم
أخترنا لك
المرأة في أحكام الكتاب المقدس.إذا كنت تصفها هكذا. فلماذا خلقتها ؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف